عُرفت ولا زالت الأحساء بحراكها الثقافي المستدام وسواءً ذلك على المستوى التاريخي أو المعاصِر، تظل مدينتي الهفوف والمبرز مسيطرة على غالبية هذا الحراك على مستوى مؤسسات المجتمع المدني أو على مستوى المجالس والملتقيات، ومثال ذلك مهرجان الأحساء المبدعة للأدب (الأول) بالهفوف ومهرجان واحة الأحساء بهيئة الثقافة وغيرها. لكننا نجد في العهد الجديد ما يدلل على أنّ هذا الفعل الثقافي لم يعُد حكراً على هاتين المدينتين؛ وذلك لإرتفاع مستوى التعليم في المدن الأخرى، وجود كفاءات ناهضة أصبح لها حضورها -حتى الوطني منها في الجانب الثقافي-، تمدين تلك المجتمعات بما أسس لمجالس و ملتقيات ثقافية، سهولة التنقل وانتفاء الفارق أو التمايز الحضري بين المجتمعات، حتى أصبحت تطويرياً كل البيئات مدنية بما فيها الريفية الأصل. ومُساندة وسائط التواصل في الإعلام والنشر مما ساهم في تعزيز المعرفة.
بين هذا وذاك مع كون الهفوف والمبرز موطن جمعية الثقافة والفنون والنادي الأدبي والمقاهي الثقافية ومصادر الثقافة كجامعة الملك فيصل بالهفوف والغرفة التجارية والجمعيات الأهلية المتخصصة، لكن انتشار حوالي 44 ملتقى ومجلس على مدن الأحساء من مدينة العيون شمالاً إلى مدينة الطرف جنوباً، ومن الهفوف غرباً إلى العمران شرقاً مروراً بالمدن الأخرى كالشعبة والمراح والحليلة والكلابية والفضول والقارة والجبيل وغيرها، يجعل من الحراك الثقافي أُساً متنوعاً حسب المشارب وفي جميع التخصصات، وهذا ما يُساند المتتبع على الإختيار ممّا يناسبه ويمكنه الإسهام فيه، مع حضوة مميزة للجانب الأدبي.
المتتبع لوسائط التواصل يتلمس أن هناك مدناً مثل: مدن الجفر والطرف والجشة (هذا المثلث الحضري) أصبحت
موطناً للفعل الثقافي بتواجد الرموز الثقافية الوطنية والنشاط الفعلي للأمسيات المتنوعة والبرامج التي تمس جميع أطياف المجتمع من حيث قدرتها تنويرياً، وكمثال خيمة المتنبي بالجفر، التي يُشرف عليها الشاعر الكبير جاسم الصحيح، وملتقى زُحل الذي يُشرف عليه الشاعر علي النحوي.
كما نجد في مدينة العيون ومجلس الشاعر راشد القناص وجماعة العناية بالبيئة، و إصدار صحيفة الواحة نيوز الإلكترونية، وينطبق هذا أيضاً على مدينة العمران بملتقى رؤى، وفريق عيون هجر الإعلامي، ومدينة جليجلة بملتقى شعراء الأحساء.
لست هنا بصدد الإحصاء إنما بيان توسع نطاق الفعل الثقافي في الأحساء (بما يشمله من لقاءات، والإصدارات، وتواقيع الكتب، وغيرها)، هو أمر صحي يجعل من الأحساء محط أقدام المثقفين والفكرين من المملكة وخارجها أن يتواجدوا بين ظهرانينا. فضلاً في أن يساهم ذلك في تحقيق رؤية 2030 والجهات المعنية، كوزارة الثقافة، وزاة الإعلام، وغيرها، كمصادر تغذية ثقافية فاعلة ومساهمة في إنماء الوعي وطريق معرفي للأجيال الشابة والقادمة، والتحفيز الأدبي للكتابة والتأليف والبحث وإصدارت الكتب، بما يحقق الاستدامة الثقافية.
انتشار المراكز الثقافية ينسجم مع كون إعلان الأحساء في البوابة الإلكترونية -الأحساء المبدعة عام 2015- وكذلك إعلان الأحساء موقع تراث عالمي، وحين يُقال #الأحساء_لا_تتثاءب فالحراك الثقافي وتنوعه مصداق لذلك. وبهذا الكم من الفعل الثقافي مُدن الأحساء قادرة على أن تكون في الصدارة في وطننا الكريم وتستشراف المستقبل ولا يعزو أن تكون قدوة للآخرين وأنموذجاً يُحتذى به، خاصة كما نرى مع انتشار إسهام الأحسائيين على مستوى الوطن وإقليم الخليج والعالم العربي.