“كانت رحلة عبير السماعيل، مع القراءة، عبارة عن قصة طفلة نشأت في بيتٍ كان الكتاب فيه رفيقا لا يغيب، حيث غُرست بذور حب القراءة في روحي منذ نعومة أظفارها، وكان والداها يزرعان في روحها بستانًا من الحروف، يسقيانه بشغفهما للمعرفة، حتى نما معها وأينع، وأصبح الكتاب جزءًا لا يتجزأ من هويتها”.
الأستاذة عبير السماعيل، كاتبة المقالات والشغوفة بالقراءة والثقافة والمعرفة والمدربة المتخصصة في التخطيط الاستراتيجي، تكشف في حوارها مع “الواحة نيوز”، عن علاقتها بالقراءة وكيف انجذبت لها، وتجربتها مع القراءة وكيف بدأت وكيف كان للكتاب دور بارز في مسيرتها بعد ذلك، وتستعرض أبرز الكتب التي ساهمت في صقل شخصيتها وكم ساعة تقضيها مع القراءة يوميًا.
كيف انجذبتِ للكتاب وهل هناك أحد من العائلة ساهم في ذلك؟
بدأت في حب القراءة والانجذاب لها منذ الصغر، حيث كانت قصة طفلة نشأت في بيتٍ كان الكتاب فيه رفيقا لا يغيب، حيث غرست بذور حب القراءة في روحي منذ نعومة أظفاري. كان والداي، يزرعان في روحي بستاناً من الحروف، يسقيانه بشغفهما للمعرفة، حتى نما معي وأينع، وأصبح الكتاب جزءًا لا يتجزأ من هويتي.
أول كتاب قرأته، ما اسمه؟ ومن أين حصلتِ عليه؟
ابتسم عندما أستعيد ذكرى “ألف ليلة وليلة”، ذلك السحر الشرقي الذي فتح لي بوابات الخيال على مصراعيها. أذكر تلك الليالي التي كنت أقضيها أتأمل رسومات الكتاب وأحاول فك رموز حكاياته الساحرة. تزامن ذلك مع اكتشافي لعوالم أغاثا كريستي وموريس لبلان، حيث وجدت نفسي أتسلل بين دهاليز الألغاز والغموض، كفراشة تنتقل بين حدائق من الكلمات.
كتب أثرت فيكِ فكريًا وثقافيًا؟
أما عن الكتب التي شكّلت وعيي وثقافتي، فأُحدّثكم بعمق عن “البحث عن الزمن المفقود” لبروست، وكأنني أستعيد لحظات من حياة أخرى عشتها بين صفحاته، أذكر كيف أخذني في رحلة إلى أعماق الذاكرة والزمن، وكشف لي عن أسرار النفس البشرية. أنتقل بسلاسة إلى عالم هابرماس الفلسفي في “نظرية الفعل التواصلي”، فأُبحر في مفهوم التواصل ودوره في بناء المجتمعات. ثم أغوص في روحانيات باولو كويلو التي أصفها كمرآة تعكس أعماق روحي، ففي كتبه وجدتُ إجاباتٍ عن أسئلة وجوديةٍ لطالما شغلت فكري.
وبينما أتحدث عن شغفي بروايات دان براون، خاصة “شيفرة دافنشي”، يتضح أن شغفي بالمعرفة لا يعرف حدوداً، فقد أخذني هذا الكتاب في رحلةٍ مُشوقةٍ بينَ التاريخ والفن والدين، وكشف لي عن حقائق مُدهشة. وأيضًا الأساطير اليونانية، التي فتحت لي نافذةً على عوالم من السحر والأساطير القديمة، كأنني أؤكد أن رحلتي مع الكتب هي رحلةٌ في أزمنةٍ وعوالمَ لا تنتهي.
كتب لا تملّين من قراءتها؟
أتأمل قائمة الكتب التي لم أمل يوما من العودة إليها، فأجد “ألف ليلة وليلة” يتصدرها بجدارة، عشرون مرة وكأنني في كل قراءة أكتشف حكاية جديدة، سراً لم أنتبه له من قبل. أغوص في عوالمها كمن يغوص في بحر من اللآلئ، في كل مرة يلتقط درة مختلفة.
“شيفرة دافنشي” استدعتني لعوالمها عشر مرات، وفي كل مرة كنت أجد نفسي أتتبع خيوط الألغاز بشغف طفل يكتشف لعبة للمرة الأولى. “الشيطان والآنسة بريم” و”فيرونيكا تقرر أن تموت” كانا رفيقين في رحلات متكررة إلى أعماق النفس البشرية.
أما روايات أغاثا كريستي – “جريمة في المكتبة”، “إعلان عن جريمة”، و”جريمة في القطار” – فكانت كالمتاهة المحببة التي أعود إليها مراراً، أستمتع بتتبع خيوط الجريمة حتى لو كنت أعرف النهاية.
في الحقيقة، يصعب عليّ حصر الكتب التي أعشق تكرار قراءتها، فكل كتاب يأسرني أجد نفسي أعود إليه مراراً، كمن يزور صديقاً عزيزاً. في كل قراءة جديدة، أكتشف طبقة أعمق من المعنى، إشارة فاتتني، أو فكرة تتجلى بوضوح أكبر. أؤمن أن الكتاب الجيد يشبه المرآة السحرية – في كل مرة تنظر فيها، ترى انعكاساً مختلفاً لنفسك وللعالم من حولك.
كتّاب عرب أو غير عرب يستهوونكِ سواءً في فكرهم أو أسلوبهم؟
أجد نفسي منجذبة بعمق إلى عوالم باولو كويلو السردية، حيث يمزج الرمز بالتأمل في نسيج روحاني فريد. أراه كنهر عذب يتدفق بين ضفاف الحكمة والخيال، يروي ظمأ الروح المتعطشة للمعنى والتطور.
في هذا المسار التأملي، وجدت في هيرمان هيسه صديقاً روحياً آخر. “سدهارتا” كانت لي بمثابة مرآة عاكسة لرحلتي الشخصية في البحث عن الذات. كم من مرة وجدت نفسي أتوقف بين سطوره، أتأمل انعكاس رحلتي الروحية في رحلة بطله.
أما نيتشه، فقد علمني أن أتأمل في أعماق النفس البشرية بحذر وحكمة. عندما قال “من ينظر طويلاً إلى الهاوية، فإن الهاوية ستنظر إليه أيضاً”، كأنه يذكرني دائماً أن رحلة المعرفة تتطلب توازناً دقيقاً بين الغوص في الأعماق والحفاظ على النور في داخلنا.
وفي لحظات القلق والتوتر، أجد في حكمة ماركوس أوريليوس ملاذاً آمناً. كلماته “لا تفسد سعادتك بالقلق حول أمور لا تستطيع التحكم بها” تتردد في ذهني كترنيمة تعيدني إلى مركز السلام الداخلي.
وغيرهم الكثير من الكتّاب الذين تركوا بصمة في روحي، فليس المهم أن أقرأ كل ما كتبه المؤلف لأتأثر به. فقد يكون كتاب واحد من بين مئة كافياً ليترك أثراً عميقاً في النفس، حتى لو لم تستهوني باقي أعمال الكاتب. فالحكمة تكمن في التقاط اللؤلؤة من البحر، لا في استكشاف كل قطرة من مياهه.
نعم، “قوة الآن” لإيكهارت تول مثال ساطع على ما أتحدث عنه. فرغم أنني قد لا أميل لقراءة كل أعمال تول، إلا أن هذا الكتاب وحده كان كافياً ليترك بصمة عميقة في تفكيري. تأملوا معي كيف أن كتاباً واحداً يمكن أن يكون بمثابة مفتاح يفتح أبواباً جديدة في وعينا!
في الكتاب وجدت نفسي أمام حقيقة بسيطة لكنها عميقة – أن الحياة تتجلى فقط في لحظة “الآن”. كان هذا الكتاب أشبه بنداء داخلي يوقظ الذهن من غفلته، يذكرنا بأن نستمتع بكل لحظة كما هي، بعيداً عن شراك الماضي وأثقال المستقبل.
وهذا يؤكد فكرتي السابقة – أن قيمة الكتاب لا تكمن في اسم مؤلفه أو عدد مؤلفاته، بل في قدرته على إحداث تغيير في طريقة تفكيرنا ونظرتنا للحياة. فكما أن قطرة ماء واحدة قد تكون كافية لإنبات بذرة، فإن كتاباً واحداً قد يكون كافياً لإيقاظ وعي جديد في داخلنا.
أي أنواع الكتب التي تستميلكِ ولماذا؟
إن قائمة الكتب التي ذكرتها تكشف عن مسارين متوازيين في شغفي بالقراءة. المسار الأول يأخذني إلى عوالم الألغاز والغموض، حيث أجد نفسي مأخوذة بكشف المجهول كما في روايات أغاثا كريستي و”شيفرة دافنشي”. هذا الشغف بالمجهول يشبه رحلة مغامر يسعى دائماً لاكتشاف ما وراء الستار، لفك شفرات لم تُحل بعد.
أما المسار الثاني فيغوص في أعماق الفلسفة الإنسانية، حيث أجد نفسي مستغرقة في تأملات نيتشه وماركوس أوريليوس، وفي الرحلات الروحية مع باولو كويلو وهيرمان هيسه. هذا المزيج بين الغموض والفلسفة يشبع فضولي المزدوج – فضول العقل الذي يسعى لحل الألغاز، وفضول الروح التي تبحث عن معنى أعمق للوجود.
في “ألف ليلة وليلة” مثلاً، أجد هذين المسارين يلتقيان، حيث تمتزج الألغاز والأسرار مع الحكمة والتأملات الإنسانية العميقة. وكأن كل كتاب أختاره يأخذني في رحلة مزدوجة، رحلة خارجية لاكتشاف المجهول، ورحلة داخلية لاكتشاف الذات.
هذا المزيج من الغموض والفلسفة، من المجهول والتأمل، يجعل القراءة بالنسبة لي مغامرة لا تنتهي. فكل كتاب يفتح باباً جديداً، إما نحو لغز يحتاج إلى حل، أو حقيقة إنسانية تنتظر الاكتشاف.
كم ساعة تقضينها في القراءة يوميًا؟
الكتاب ليس مجرد عادة يومية، بل هو نمط حياة متأصل في تفاصيل يومي. يرافقني في حقيبتي أثناء تنقلاتي، على طاولة السرير ينتظر لحظات ما قبل النوم، وفي مكتبي يشاركني ساعات العمل.
في كل ركن من أركان حياتي، هناك كتاب مختلف ينتظرني. كأنني أنسج شبكة من العوالم المتوازية، كل كتاب منها بوابة إلى عالم مختلف. عندما تضيق بي الدنيا أو أشعر بالتوتر، أجد في صفحات كتابي ملاذاً آمناً، منفذاً سحرياً للهروب من ضغوط الواقع.
يبدأ يومي بالقراءة، تلك اللحظات الهادئة مع فنجان القهوة الصباحي وكتاب يفتح آفاق يومي. وينتهي أيضاً بالقراءة، حيث أجد في الكلمات المطبوعة تهدئة لأفكاري المتسارعة قبل النوم. هكذا يصبح الكتاب إطاراً ليومي، يحتضن بدايته ونهايته.
هذه العلاقة مع الكتب تتجاوز مجرد تخصيص ساعات محددة للقراءة، إنها أشبه بخيط ذهبي ينسج نفسه في نسيج حياتي اليومية، يرافقني في لحظات الفرح والحزن، في أوقات النشاط والراحة، في ضوضاء النهار وسكون الليل.
ما هو منهجكِ في القراءة؟ وهل لديكِ عادات أو طقوس تمارسينها مع القراءة؟
أعشق تلك العلاقة الحميمة مع الكتاب، حيث أجعل منه صديقاً نتحاور معاً من خلال الملاحظات والأفكار. البوست إت الملونة تزين صفحاتي، وكأنها خارطة ذهنية لرحلتي داخل الكتاب، تحمل أفكاري وتأملاتي وتساؤلاتي.
دفتر ملاحظاتي وقلمي لا يفارقانني، كأنهما أدوات سحرية تساعدني على نسج خيوط أفكاري مع كلمات الكاتب. أحياناً أجد نفسي أكتب حواراً كاملاً في الهوامش، كأنني أناقش الكاتب وجهاً لوجه.
أما عن المكان المفضل للقراءة، فلا شيء يضاهي متعة الجلوس على الشاطئ، حيث يمتزج هدير الأمواج مع همس الكلمات، أو في مقهى هادئ حيث تعانق رائحة القهوة عبق الصفحات. لكن السحر الحقيقي يكمن في قدرتي على الانفصال التام عن العالم المحيط بمجرد أن تغوص عيناي في السطور.
هذه القدرة على الانعزال الذهني تجعل من أي مكان واحة للقراءة. سواء كنت في حديقة مزدحمة أو في زحمة المواصلات، أستطيع أن أنشئ فقاعتي الخاصة، حيث لا يوجد سوى الكتاب وأنا. وكأن الكلمات تنسج حولي حجاباً سحرياً يعزلني عن الضوضاء والفوضى، ويتركني أسبح في عوالم الكتاب بحرية تامة.
مكتبتكِ المنزلية مما تتكون؟ نريد نبذة عنها
مكتبتي، صدى روحي، والمكتبة ليست مجرد رفوف تحمل كتبًا، بل هي امتداد لروح صاحبها، تعكس شغفه، وتروي تفاصيل رحلته المعرفية. ومكتبتي، وإن كانت متواضعة في حجمها، إذ تضم ما يقارب ألف كتاب، إلا أنها تضجّ بالحياة، تحتضن بين صفحاتها عوالم بلا حدود، وحديقة فكرية وارفة، تتماوج بين الفلسفة والأدب، الاستراتيجيا والإدارة، الخيال والواقع.
أنا ابنة الفلسفة والرواية، مولعة بالسفر بين دهاليز الفكر وأعماق الخيال، لكنني أيضًا مؤمنة بقوة الواقع وعالم العمل. لهذا، فإن مكتبتي تجمع بين الفكر الحالم والتخطيط الصارم، حيث أجد بين رفوفها كتبًا تغذي شغفي بالاستراتيجيا، كـ فن الحرب لسون تزو الذي يُلهمني بذكائه العسكري، والشركة الناشئة المرنة لإريك ريس الذي يكشف لي أسرار ريادة الأعمال.
وفي أفق الإدارة والقيادة، أستلهم من القادة يأكلون أخيرًا لسايمون سينك دروسًا في بناء الثقة، ومن الذكاء العاطفي لدانييل غولمان أفهم كيف تلعب العواطف دورًا خفيًا في اتخاذ القرارات. أما استراتيجية المحيط الأزرق، فيرسم لي طرقًا جديدة للهروب من المنافسة التقليدية نحو آفاق أكثر إبداعًا.
وللتسويق مكانة خاصة في مكتبتي، فهو ليس مجرد أداة، بل فنّ يُلامس النفس قبل السوق. أبحر في التأثير لروبرت سيالديني لاكتشاف أسرار الإقناع، وأستلهم من هذا هو التسويق لسيث غودين رؤية تُعلِي قيمة العلاقات الإنسانية قبل المعاملات التجارية.
مكتبتي ليست مجرد مجموعة من الكتب، إنها بوصلتي، وسفري الذي لا ينتهي، ورفيقتي في رحلة الحياة، حيث أجد فيها متعتي، وأستنير بها على درب تحقيق أحلامي.
مكتبات مولت مكتبتكِ المنزلية؟ وهل لديكِ مواقف أو قصص مع أحد هذه المكتبات؟
قد تُولد المكتبة من رحم فكرة، أو تُبنى لبنة لبنة مع كل كتاب جديد، لكن أين تولد حكايات هذه الكتب؟ من أي أرض تُنبت بذور المعرفة والخيال؟
مكتبتي، ذلك الكون الصغير المُكوّن من ألف حكاية وحكاية، قد وُلدت بين رفوف مكتبات عديدة، داخل المملكة وخارجها، حملت إليّ كل منها نفحة من عبير المعرفة، ووهبت روحي شغفًا لا ينضب.
لكن الحقيقة التي لا تُنكرها عين، والتي أقولها ليس بدافع الدعاية – فـ “جرير” في غنى عنها، وهي لا تبيع كتابي على أيّة حال – أن مكتبة “جرير” كانت وما زالت منبعًا لا ينضب لمعظم كتبي، فهي بالنسبة لي بمثابة بستان وارفة الظلال، أجد فيه ضالتي من الكتب، وأتنقل بين رفوفها كما يتنقل الفراش بين الأزهار.
ولعل أكثر ما يُميز “جرير” بالنسبة لي، هو ذلك الحرص على اختيار موظفين مُلمين بعالم الكتب، فعندما أسأل أحدهم عن رأيه في كتاب ما، أجده مستعدًا لإغداقي بمعلومات قيمة، تُساعدني على اتخاذ القرار المناسب.
أتذكر ذات مرة، كنت أبحث عن كتاب في مجال الفلسفة الوجودية، فوجدت نفسي تائهة بين عناوين كثيرة، فاستعنت بأحد موظفي “جرير”، فما كان منه إلا أن اصطحبني في رحلة قصيرة بين رفوف الفلسفة، عرّفني خلالها على أهم الكتب وأشهر المؤلفين، بل وشاركني بعضًا من آرائه حول هذا الموضوع، فشعرت وكأنني أتلقى درسًا خاصًا من خبير مُحنّك.
إن هذه التجربة، وغيرها من التجارب الجميلة التي عشتها بين رفوف “جرير”، جعلتني أرتبط بها بعلاقة خاصة، ففيها وجدت أكثر من مجرد مكتبة، وجدت رفيقًا يُشاركني شغفي بالقراءة والمعرفة.
الجيل الحالي عازف عن القراءة (قراءة الكتب) ومنشغل بأمور أخرى، ما هي الطرق الكفيلة من وجهة نظرك التي من شأنها أن تحبب هذا الجيل في القراءة؟
كيف نعيد للكتاب سحره في عيون جيل رقمي؟
في زمن تهيمن فيه الشاشات على الأبصار، وتسيطر فيه السرعة على إيقاع الحياة، يبدو أن الكتاب الورقي قد فقد بعضًا من سحره القديم، وبات يصارع للفت انتباه جيل ولد وفي فمه ملعقة رقمية.
إن جيل اليوم، جيل السرعة والتكنولوجيا، قد اعتاد على تلقي المعلومات مجزأة وسريعة، مصورة وملونة، مما جعله أقل صبرًا على قراءة النصوص الطويلة، وأقل استعدادًا للغوص في عوالم الكتب الهادئة، لكن، هل يعني هذا أن الكتاب قد فقد مكانته إلى الأبد؟ بالطبع لا! فما زال للكتاب سحره الخاص، وقدرته الفريدة على إثراء العقول والنفوس، ونقلنا إلى عوالم جديدة مليئة بالمعرفة والخيال.
ولكن.. كيف نعيد للكتاب سحره في عيون هذا الجيل الرقمي؟
أعتقد أن الحل يكمن في فهم طبيعة هذا الجيل، ومحاولة التكيف معها، فبدلًا من محاربة التكنولوجيا، لم لا نستغلها لخدمة القراءة؟
• كتب تفاعلية: لم لا نقدم الكتب بصورة تفاعلية، تشبه ألعاب الفيديو التي يحبها هذا الجيل؟
• محتوى مشوق: علينا اختيار كتب تثير فضولهم، وتخاطب اهتماماتهم، وتحمل في طياتها قصصًا مشوقة ومثيرة.
• ربط القراءة بالواقع: يمكن ربط القراءة بحياة هذا الجيل، من خلال تنظيم نقاشات حول الكتب، أو ربطها بمشاهدة أفلام أو مسلسلات مقتبسة منها.
• توفير بيئة محفزة: يجب توفير بيئة مريحة ومحفزة للقراءة، سواء في المنزل أو في المدرسة.
• دور القدوة: يمكن للوالدين والمعلمين أن يكونوا قدوة في حب القراءة، من خلال قراءة الكتب أمام الأطفال ومشاركة شغفهم بالقراءة معهم.
ولعلنا نستلهم من عالم التسويق بعض الأفكار لجذب هذا الجيل إلى القراءة، فكما نحدد زبوننا ونفكر في ميوله لنقوم بعمل خطة لجذبه، يمكننا أن نفعل الشيء نفسه مع الجيل الجديد، فنقدم له الكتب التي تثير شغفه وتلبي احتياجاته.
إن غرس حب القراءة في نفوس هذا الجيل ليس بالمهمة المستحيلة، بل هو تحدٍّ نستطيع التغلب عليه من خلال فهم هذا الجيل، واستخدام الأدوات المناسبة لجذبه إلى عالم القراءة الساحر.
كتاب أو كتب بذلتِ المستحيل للحصول عليها؟
رحلة البحث عن “كتاب الحكايات الضائعة”.. ما زالت مستمرة!، لطالما كان “كتاب الحكايات الضائعة” لج. ر. ر. تولكين بمثابة كنز ثمين في عيني، فهو يمثل البذرة الأولى لعالم “سيد الخواتم” الساحر، ويضم بين دفتيه أسرارًا وخفايا لم تنشر في حياة مؤلفه العظيم.
ولأن هذا الكتاب نادر وغير متوفر بسهولة، فقد خضت رحلة بحث طويلة للحصول عليه، رحلة ما زالت مستمرة حتى يومنا هذا، تخللتها العديد من التحديات والصعوبات، والتي لم تثن عزيمتي عن المواصلة.
ماذا يمثل الكتاب لكِ؟ وماذا أعطاكِ وماذا أعطيته؟
الإجابة على هذا السؤال تجدها في كتابي “هيرمينوطيقية أيامي”، فأول ما بدأت به هو الحديث عن ماذا كانت تعني لي القراءة وكيف أحببتها. ولأنني شعرت بأثرها العميق عليّ، أردت أن أكون مؤثرة وكاتبة، أن أترك بصمتي في هذا العالم من خلال الكلمات، تمامًا كما فعلت الكتب معي.
الكتاب ليس مجرد حروف مطبوعة على ورق، بل هو نافذة على عوالم لا تحصى، ومرآة تعكس جمال الروح الإنسانية، هو بوصلة ترشدنا في دروب الحياة، ومصباح ينير لنا عتمة الجهل.
بالنسبة لي، يمثل الكتاب رفيق الدرب ومنبع الإلهام، هو الصديق الذي لا يخذل، والمعلم الذي لا يمل، هو الكنز الذي لا يفنى، والحديقة التي تزهر في كل فصول السنة.
كتب ترينها ضرورية لمن يريد أن يصبح كاتبًا؟
خارطة الطريق إلى عالم الكتابة، “كيف أصبح كاتبًا؟” سؤال يتردد صداه في أذهان الكثيرين، يحمل في طياته شغفًا وحلمًا بنسج العوالم وصياغة الحكايات. وللإجابة عن هذا السؤال، أقول: إن رحلة الكتابة تبدأ من الداخل، من شغف يحرك القلم، وفكرة تلهم الخيال.
ولكن، هل يكفي الشغف وحده ليصبح المرء كاتبًا؟ بالطبع لا! فالشغف هو البذرة، والقراءة هي الماء والضوء اللذان يساعدانها على النمو والازدهار.
القراءة يا سادة، هي مفتاح عالم الكتابة!
اقرأ، اقرأ، ثم اقرأ! انغمس في عوالم الكتب المختلفة، تعرّف على أساليب الكتابة المتنوعة، واكتشف سحر اللغة وقدرتها على صياغة المشاعر والأفكار.
ولكن.. ما هي الكتب التي يجب على كاتب الغد أن يقرأها؟
هنا تكمن الصعوبة، فلا توجد قائمة جاهزة تناسب الجميع، فالأمر يعتمد على نوع الكتابة التي تطمح إليها. هل تريد أن تصبح روائيًا؟ شاعرًا؟ كاتب مقالات؟
حدد هدفك أولًا، ثم اقرأ في المجال الذي اخترته، لا تكتفِ بالقراءة السطحية، بل ابحث وتعمق في أسرار الكتابة، وحاول أن تفهم العوامل التي
ما هي العوامل التي تساهم في نجاح الكتب؟
إن قراءة الكتب بعين ناقدة تساعدك على تطوير أسلوبك الخاص، واكتشاف مواطن القوة والضعف في كتاباتك.
دعني أشاركك تجربتي الشخصية، فعندما شرعت في كتابة كتابي الثاني، أدركت أهمية البحث والتدقيق، فقد كنت أحرص على تقديم معلومات دقيقة وموثوقة، لأنشئ علاقة وطيدة بين القارئ والقصة.
وفي بعض الأحيان، كنت أواجه صعوبة في الحصول على المعلومات التي أحتاجها، فأضطر إلى تغيير مجرى القصة بحذر، كي لا أفقد القارئ في متاهات الخيال.، إن الكتابة هي رحلة تعلم مستمرة، تتطلب الصبر والجهد والتطوير المستمر، فلا تستسلم لليأس، واجعل من القراءة والتجربة رفيقيك في هذه الرحلة المثيرة.
نريد منكِ أن تعطي القراء نبذة عن كتابك “هيرمينوطيقية أيامي”؟
“هيرمينوطيقية أيامي”.. رحلة تأويل وبوح، استخدمت أسلوب الكتابة الفلسفي السردي في كتابة الكتاب، متأثرة بكتابي المفضلين.
“هيرمينوطيقية أيامي” ليس مجرد كتاب، بل هو رحلة وجودية تبحر في أعماق الذات الإنسانية، وتسافر عبر دروب الذاكرة بحثًا عن معنى للحياة وسبيل للخلاص.
إنها حكاية بطلة تصارع أشباح الماضي، وتحاول فك قيوده لتحلق في سماء الحاضر والمستقبل. رحلة تتخللها التأمل والتساؤل، والبحث عن إجابات لأسئلة وجودية شائكة.
بين الفلسفة والأدب، ينسج الكتاب خيوط حكاية تلامس وجدان القارئ، وتثير فيه التفكير في مفهوم الزمن والهوية، وفي علاقة الفرد بمحيطه ومجتمعه.
كلمة أخيرة؟
كلمة أخيرة.. في حب الحياة والكتب، أشكر جريدة “واحة نيوز” على هذا اللقاء، وأوجه رسالة لكل قارئ أن يخصص وقتًا يوميًا للقراءة، فهي البوابة الأولى للمعرفة والتغيير.، فالقراءة.. عقول مشرقة.
إجاباتٌ تدل على اطّلاعٍ واسع، وتُعرّف القارئ عليك بأسلوبٍ جميل.
قدّمتِ رؤيةً واقتراحاتٍ منطقية تدلّ على معرفةٍ عميقةٍ بما يدور في أروقة القرّاء، من خلال الإجابة عن هذا السؤال: 👇
(ولكن.. كيف نعيد للكتاب سحره في عيون هذا الجيل الرقمي؟)
أعتقد أن الحل يكمن في فهم طبيعة هذا الجيل ومحاولة التكيّف معها، فبدلًا من محاربة التكنولوجيا، لمَ لا نستغلّها لخدمة القراءة؟
• كتب تفاعلية: لمَ لا نقدّم الكتب بصورةٍ تفاعلية، تشبه ألعاب الفيديو التي يحبّها هذا الجيل؟
• محتوى مشوّق: علينا اختيار كتبٍ تثير فضولهم، وتخاطب اهتماماتهم، وتحمل في طيّاتها قصصًا مشوّقةً ومثيرة.
• ربط القراءة بالواقع: يمكن ربط القراءة بحياة هذا الجيل، من خلال تنظيم نقاشاتٍ حول الكتب، أو ربطها بمشاهدة أفلامٍ أو مسلسلاتٍ مقتبسة منها.
• توفير بيئة محفّزة: يجب توفير بيئةٍ مريحةٍ ومحفّزةٍ للقراءة، سواء في المنزل أو في المدرسة.
• دور القدوة: يمكن للوالدين والمعلّمين أن يكونوا قدوةً في حبّ القراءة، من خلال قراءة الكتب أمام الأطفال ومشاركة شغفهم بالقراءة معهم.
ولعلّنا نستلهم من عالم التسويق بعض الأفكار لجذب هذا الجيل إلى القراءة، فكما نحدّد جمهورنا المستهدف ونفكّر في ميوله لنضع خطةً لجذبه، يمكننا أن نفعل الشيء نفسه مع الجيل الجديد، فنقدّم له الكتب التي تثير شغفه وتلبّي احتياجاته.
إن غرس حبّ القراءة في نفوس هذا الجيل ليس بالمهمة المستحيلة، بل هو تحدٍّ يمكننا تجاوزه من خلال فهم هذا الجيل واستخدام الأدوات المناسبة لجذبه إلى عالم القراءة الساحر.
رائع.
حسن المبارك/ شاعر
حوار ممتع وثري وروائية رائعة استطاعت أن تنقلنا إلى عوالم المعرفة والدهشة دون أن نشعر بانساديابية النهر الثقافي الفكري المتدفق .
أن تفاجؤك مبدعة باقتدارها وتملكها لأدواتها واطلاعها الواسع الذي يشكل عقليتها الخاصة أو المنتحة فذلك يفتح أمامك أبوابا تأخذك ناحية الثقافة المؤسسة والمؤثرة لتقف هنالك قليلا كي ترى مآلات هذه الرحلة وكاتركت من أثر في الناص والمتلقي .
الأحاديث هنا غنية والحوار لافت وكأنني أرى رغم اتساعه أن هنالك ما لم تقله هذه الروائية التي ستمثل تحوّلا نوعيا في المشهد الروائي السعودي والعربي .
لاحظت أن هذه المبدعة قد تزودت بالثقافة الأجنبية بالإضافة إلى الثقافة العربية وذلك يتجلى في المزيج الجمالي الفلسفي واللغة المتفردة .
إنها طوفان روائي سيشغل المشهد كثيرا .
شكرا لهكذا حوار
علي النحوي
حوار ممتع وثري وروائية رائعة استطاعت أن تنقلنا إلى عوالم المعرفة والدهشة دون أن نشعر بانساديابية النهر الثقافي الفكري المتدفق .
أن تفاجؤك مبدعة باقتدارها وتملكها لأدواتها واطلاعها الواسع الذي يشكل عقليتها الخاصة أو المنتحة فذلك يفتح أمامك أبوابا تأخذك ناحية الثقافة المؤسسة والمؤثرة لتقف هنالك قليلا كي ترى مآلات هذه الرحلة وكاتركت من أثر في الناص والمتلقي .
الأحاديث هنا غنية والحوار لافت وكأنني أرى رغم اتساعه أن هنالك ما لم تقله هذه الروائية التي ستمثل تحوّلا نوعيا في المشهد الروائي السعودي والعربي .
لاحظت أن هذه المبدعة قد تزودت بالثقافة الأجنبية بالإضافة إلى الثقافة العربية وذلك يتجلى في المزيج الجمالي الفلسفي واللغة المتفردة .
إنها طوفان روائي سيشغل المشهد كثيرا .
شكرا لهكذا حوار
علي النحوي
ما شاء الله تبارك الرحمن وفقك الله أستاذة عبير فأنت منارة للعلم والمعرفة وعبير للوجدان وضياء في سماء الإبداع ونور للحقيقة والصوت الحر الموضوعي وفقك الله في حياتك العلمية والعملية
ماشاء الله تبارك الرحمن موفقه انشاء الله بحياتك والقادم اجمل باذن الله
شكرًا لك على تعليقك ومرورك! أتمنى أن يكون الحوار قد أضاف لك فائدة واستمتعت به.
“بعض الكلمات ليست مجرد حروف، بل نوافذ تُفتح على روح الكاتب، ومرايا تعكس ما قد يجهله عن نفسه. ما سطرتموه لم يكن مقالًا فحسب، بل نبضٌ التقط صدى رحلتي، وضوءٌ تسلل بين السطور ليحمل المعنى إلى حيث يجب أن يكون.
الشكر في حضرة كهذه لا يكون مجرد امتنان، بل شهادة بأن الكلمة حين تجد من يفهمها، تتنفس، تحيا، وتُبعث من جديد. ممتنة لهذا الاحتفاء الذي لم يكن مجرّد سرد، بل إعادة خلق، لرحلة كُتبت بحبر القلب وسنوات الانتظار. شكرًا لأنكم منحتم قلمي صدى، ولأنكم سمعتم الصوت الذي كان يتردد في الصمت.
شكرًا للصحفي عبدالله المسيان على وقته واهتمامه، وعلى جهده.
ما شاء الله تبارك الرحمن وفقك الله أستاذة عبير فأنت منارة للعلم والمعرفة وعبير للوجدان وضياء في سماء الإبداع ونور للحقيقة والصوت الحر الموضوعي وفقك الله في حياتك العلمية والعملية