الأنصاري: معالم المنطقة الشرقية رموز فنية تجسد التحوّل الحضاري والاجتماعي

التعليقات: 5
الأنصاري: معالم المنطقة الشرقية رموز فنية تجسد التحوّل الحضاري والاجتماعي
https://wahhnews.com/?p=90942
الأنصاري: معالم المنطقة الشرقية رموز فنية تجسد التحوّل الحضاري والاجتماعي
جاسم العبود

كشفت الشاعرة والأكاديمية د. أديم الأنصاري العمق السردي لمعالم المنطقة الشرقية، خلال أمسية نقدية قدمتها في جمعية الثقافة والفنون بالدمام بعنوان “على ضفاف الرمل والبحر”.

العمق السردي للمعالم
وعلى هامش الأمسية أوضحت الدكتورة “الأنصاري” لـ “الواحة نيوز” بأن العمق السردي للمعالم هو قدرة النص على تحويل المعلم من عنصر مادي إلى رمز متعدد الدلالات، ولا يستخدم في السرد بوظيفته الظاهرية بل يصبح حاملا لطبقات من التأويل وينفتح على قراءات نفسية اجتماعية فكرية فلسفية.

معالم المنطقة الشرقية
وأضافت، معالم المنطقة الشرقية لم تكن مجرد فضاءات جغرافية في الروايات، بل تحوّلت إلى رموز فنية تجسد التحوّل الحضاري والاجتماعي في المنطقة الشرقية. وقد تنوّعت معالجة الكتّاب لها؛ مما يعكس ثراء التجربة الروائية وقدرتها على تحويل المكان المحلي إلى فضاء إنساني نابض بالحياة والمعنى.

ولقد لعبت التحوّلات الجغرافية والاقتصادية دورًا مهمًا في بناء صورة المكان روائيًا بالمنطقة الشرقية وبالأخص الدمام والخبر، وكانت أهم تلك التحولات هي:

اكتشاف البترول، ففي المنطقة الشرقية تم اكتشاف أول حقل للنفط في المملكة، وما تبع ذلك من تأسيس شركة الزيت العربية الأمريكية (أرامكو السعودية) حاليًا، وما تبع ذلك من متغيّرات مجتمعية أدت إلى اختلاط أبناء المنطقة بالمجتمع الأمريكي واطلاعهم على عادات وتقاليد مختلفة ومغايرة تمامًا، مما أدى إلى إحداث بعض المتغيرات الفكرية والاجتماعية.

– موقعهما البحري وقربهما من البحرين ودول الخليج جعلهما فضاءين مفتوحين على التغيّر والانفتاح، وهو ما انعكس على وعي الكتّاب وتمثيلاتهم للمكان والإنسان.

– انتقال كثير من أبناء الأحساء للدمام والخبر؛ وذلك لإيجاد فرص عمل المناسبة وطلب الرزق سواءً في الصيد وتجارة اللؤلؤ قديمًا، أم في المجالات الصناعية والعقارية والتجارية كما هو في الوقت الراهن؛ مما أسهم في توثيق الصلة وتقوية أواصر العلاقات بين أبناء هذه المدن، وتكوين مزيج بشري وثقافي متنوّع انعكس بوضوح في الوعي الجمعي والكتابة السردية.

الجمع بين التنظير الأكاديمي والإبداع الروائي
وأكدت أنه بالإمكان الجمع بين التنظير الأكاديمي والإبداع الروائي بالمقاربة النقدية بين المفاهيم والنظريات الأدبية والنصوص الإبداعية على اختلاف أنواعها، وتحليلها بطريقة جمالية تسمح بفهم أعمق للنص، ويكون عبر ثلاثة مستويات، هي:

المستوى النظري : الدراسة النظرية وتحديد المفاهيم والمصطلحات.
المستوى التطبيقي : قراءة النص واستجلاء ملامح النظرية ورصد أهم الظواهر واكتشاف الجماليات إلى آخره.
المستوى التأويلي : يصبح النص فضاء مفتوحا تتعانق فيه الرؤى الفلسفية والتجارب الإنسانية والأبعاد الدلالية المختلفة.

التحولات الجمالية للمكان في الرواية السعودية
وعن التحولات الجمالية للمكان في الرواية السعودية الحديثة، قالت: تحول المكان في الرواية السعودية من وصف خارجي مادي إلى عنصر جمالي متحول يتداخل مع النفس والهوية والواقع ويكشف عبر رمزيته عن تحولات المجتمع وتوتراته.

وقد وضحت دراستي دلالات التشكيل المكاني للدمام والخبر في الرواية السعودية هذا الجانب من خلال دراسة عدد من المعالم الواقعية التالية: الكورنيش، جامعة الملك فهد للبترول والمعادن، المستشفى المركزي، سوق الحب، شارع البيبسي وغيرها، وكيف تناولها الكتاب ؟ وكيف ارتبطت بذاكرة الوعي الجمعي، والدلالات التي اكتسبتها من النص وتجربة الروائي، وغيرها من الأمور.

تحليل أعمال الروائيين والكتاب
وأوضحت بأن أعمال الروائيين والكتاب تخضع للتحليل النقدي من خلال قراءة العمل وتحليل مكوناته: الشخصيات، الحوار، الزمن، المكان، اللغة، العقدة، البنية السردية، ثم تحلل حسب الزوايا التي يريد الناقد دراستها والتركيز عليها، وبيان أوجه القوة والضعف وهكذا.

المعالم الجغرافية الصامتة في الأماكن
تتحول المعالم الجغرافية الصامتة في الأماكن، من مجرد خلفيات جامدة للأحداث إلى شخصيات فاعلة ومحركة للنمو الدرامي في النصوص الروائية، ومؤثرة بشكل مباشر على سيكولوجية الأبطال ومساراتهم المصيرية حين تتجاوز دلالتها المكان والمساحة الجغرافية، في الحالات التالية:

– إذا كانت جزءا من صراع البطل وتصادمه أو تناغمه تبعا لارتباطه بتجربة عاطفية معينة.
– إذا عكس المكان حالة البطل النفسية وتفاعل معه.
– إذا استحضر ذاكرة السارد وماضيه وأحداث ووقائع مهمة في حياته.
– إذا غير المكان مجرى الأحداث وارتبط بمصير مهم وأصبح نقطة تحول في حياة الشخصيات.

وهذا مصداق لما قاله أحد النقاد حول أهمية المكان وفاعليته الكبرى بالعمل الروائي؛ “المكان الروائي هو كل شيء في الرواية، وهو الرواية ذاتها “.

القراءات العميقة تكتشف المدن
وتستطيع القراءات العميقة اكتشاف المدن عبر الأدب، حينما يرصد الروائي ملامح واقعية للمدينة، مثلا حين يتحدث عن سوق شعبي، أو حي سكني، أو حقبة زمنية معينة، فمثلا فالح الصغير تحدث كثيرا عن مجتمع أرامكو الظهران وسكن الأمريكان ورصد العديد من الأمور المهمة في تلك الفترة، كذلك خليل الفزيع تحدث عن حي النعاثل وعادات المجتمع الإحسائي وتقاليده في ليالي رمضان، و علي الماجد وصف سوق الدمام وصفا دقيقا بكل تفاصيله، وغيرها من الأمثلة.

الأماكن الواقعية وصورها المتخيلة في الأدب
وبينت الدكتورة “الأنصاري” أن الرابط الذهني بين الأماكن الواقعية وصورها المتخيلة في الأدب يعتمد على التشكيل المكاني له داخل النص، حسب رؤية كل كاتب وخلفيته الدينية والثقافية والاجتماعية والأدبية وغيرها، حيث يصبح المكان جسرا بين الواقع والخيال وبين الخبرة الملموسة والرؤية الفنية.

الآدب أصبح وثيقة تاريخية وجمالية
وترى أن تعبير “وسيلة ترفيه” من الأساس لا يتناسب مع محتوى الأدب والمخزون الثقافي والتراثي الذي يزخر به منذ القدم، وإلا لما وصف أبن الشعر بأنه ديوان العرب، وقال جورج لوكاتش: أن الرواية هي ملحمة العصر الحديث.

المدن والمحافظات تمتلك مخزونا حكائي ثري
من خلال تحليل السرديات والمرويات الشعبية والمذكرات والسير الذاتية وكافة الأجناس الأدبية، ثبت أن كل مدينة، أو محافظة أو قرية مرتبطة بمخزون تراثي تاريخي أو ديني أو سياسي أو ثقافي، والدليل أن السياحة ترتبط بالمقام الأول بمثل هذه المعالم والآثار التاريخية التي تحولت إلى رموز حضارية عبر الزمن ثم تتحول في السرد والذاكرة إلى فضاءات مشحونة بالدلالة، وكيانات شعورية تعكس حالات السارد وتعيد تشكيل رؤيته للعالم.

سرديات الأحساء المكانية تجلت في دراستها
ولفتت النظر إلى تجلي جزء من السردية المكانية الأحسائية في دراستها لرواية النعاثل، وهو حي شعبي معروف في الأحساء وكثير من أبناء الأحساء انتقلوا للدمام بحثا عن فرص العمل وكسب الرزق، ولكن لعل هناك دراسات قادمة تتناول معالم الأحساء بالدراسة من زاوية المكان وغيرها.