في زمن كثرت فيه المنصات وقلّ التأثير الحقيقي، يبرز صوت يعرف كيف يُنصت له الناس، ويُصغي له العقل قبل الأذن.
الإعلامية والمدربة مريم القبيلي لم تكتفِ بالظهور الإعلامي، بل جعلت من الإلقاء والخطابة رسالة ومسارًا لتأهيل الجيل القادم، بين الكلمة والنبرة، وبين الحضور والصمت، تكشف لنا مريم في هذا الحوار أسرار المتحدث الناجح، وتفتح لنا أبواب هذا الفن العريق بلغة عصرية قريبة.
بدايةً كيف كانت رحلتكِ الأولى مع فن الإلقاء؟ وهل سبق الشغفُ التخصصَ أم العكس؟
في الحقيقة، بدأت الرحلة مبكرا جدا، عندما اعتليت المنصة للمرة الأولى في عمر السبعة سنوات بعد أن اكتشفت موهبتي أستاذتي رحمها الله، ومنذ أن اعتليتها في ذلك الوقت وأنا هناك لم أغادر المنصة.
الشغف بالطبع هو من سبق التخصص، الإلقاء موهبة تنمو وتكبر بالشغف ثم بالتطوير والتعليم لكن أن لم يكن الشغف موجودا ستكون مجرد وظيفة يتم تأديتها.
برأيك ما الفرق الجوهري بين من يُلقي كلمات، ومن يُلقي رسالة؟
الفرق بينهما هما الرسالة بحد ذاتها، إلقاء الكلمات هي إلقاء لنص، كالقصائد المنظومة والنثرية على سبيل المثال، أما الرسالة فتكون موجه بشكل واضح، وكلا النوعين لابد أن يأخذ بعين الاعتبار القواعد الأساسية للإلقاء لأنه هناك فرق بين الإلقاء والقراءة.
ما هي العناصر الأساسية التي يقوم عليها الإلقاء المؤثر؟
أولا، النص المكتوب وطريقة بناءه بشكل صحيح مؤثر وموجه حيث يحوي المقدمة التي تتضمن على عنصر الجذب والمتن الذي يتناول التفاصيل بطريقة جاذبة أو مؤثره، والخاتمة التي تتضمن على الرسالة، وهذا أهم عنصر فإذا لم يكن النص بحد ذاته مؤثرا فلن تعمل العناصر الأخرى على صنع التأثير.
ثانيا، لغة الجسد وتناغمها مع النص وموازنتها بطريقة جيدة بلا تمثيل أو مبالغة، بل لابد أن تكون حقيقية.
ثالثا، التواصل البصري الجيد مع الجمهور، على أن البعض يعتبره جزء من لغة الجسد، ولكنه في تقييم الإلقاء فأنه يحظى بتدقيق مختلف
رابعا، الصوت ارتفاعه وانخفاضه وتلوينه حسب معطيات النص.
خامسا، وهي الحرارة والحماس في إلقاء الخطاب أو النص حتى لا يتسلل البرود إلى الجمهور.
أخيرا وهذه نقطه مهمة قد لا يعيرها البعض اهتماما، وهي انتماءك للنص، خاصة إذا لم يكن الملقي هو نفسه كاتب النص أو أن قضية النص لا تعنيه، تشعر أحيانا بأن هناك جفاء بينه وبين ما يلقي وحينها مؤكد أنه سيفقد التأثير على الجمهور أو المستمعين.
كيف يمكن للمتحدث أن يطوّر صوته وأدواته ليصل إلى قلوب المستمعين؟
عن طريق التدريب المستمر سواء كان تدريب شخصي أو مع مختصين، فهناك الكثير من التمارين متاحة بشكل مجاني على شبكة الأنترنت تساعد على تحسين أدوات الخطيب، كما أن الاطلاع المستمر على نماذج من أشخاص يملكون إلقاء مؤثرا ومحاولة محاكاة أساليبهم للمبتدئين هي طريقة ناجحة جدا حتى يكون الملقي أسلوبه الفريد.
ما دور لغة الجسد في دعم الخطاب؟ وهل يمكن أن تُغني عن قوة الكلمة أحيانًا؟
الخطاب ولغة الجسد وجهان لعملة واحدة، لا يمكن أن يكون الخطاب مؤثرا إذا لم تكن لغة الجسد حاضرة، فهي تؤكد على معنى الرسالة وتجسد الشعور الذي تحمله معاني الكلمات الملقاة. لغة الجسد لها تعبير عميق، ولكنها لا تغني عن الكلمات في الخطاب لأن الكلمات لها وقعها الخاص على أذن المتلقي وقلبه وإدراكه.
من خلال تجربتكِ التدريبية ما أكثر نقطة ضعف تواجه المتدربين في بداياتهم؟
نقاط الضعف تختلف من متدرب إلى آخر كل حسب خلفيته وتجاربه، فالبعض تكون نقطة ضعفهم هو مستوى الصوت أو يجدون صعوبة في تلوينه، والبعض الآخر يكون في بناء الخطبة، ولكن الأغلبية يجدون خجل أما في لغة الجسد أو التواصل البصري.
يواجه البعض رهبة الحديث أمام الجمهور.. ما أهم التقنيات لتجاوز هذه الرهبة؟
تتكون الرهبة أولا بسبب الجهل فما يدور في خلد الجمهور المواجه للخطيب، وثانيا بسبب الخوف من وقوع الخطأ مما يسبب في إحراج كبير للخطيب خصوصا إذا كان أمام أعداد كبيرة، وثالثا عدم التمكن من الموضوع المطروح أو الرسالة المراد إيصالها، وكل هذه المخاوف يمكن أن تتلاشى بالتحضير المسبق وأقصد التحضير الذي يحلل الجمهور تحليلا دقيقا بحيث يعطي للخطيب تصور واضح عن الجمهور، التدريب الجيد على إلقاء النص نفسه شاملا لغة الجيد وتبوين الصوت ،ويشمل هذا التدريب كيف نتخطى الإخطاء عند وقوعها، مثل أن نجعل من هذا الخطأ طرفة ونشرك الجمهور فيها، وهنا تصنع رابط بيننا وبين الجمهور عوضا عن أن نتلعثم أو نتوقف عن إكمال الخطبة،وإذا كان لابد من التوقف فلابد أن ننهي الخطبة بشكل ذكي، وكلما تكثف التدريب كلما أصبح الحضور وقت الخطابة أقوى.
هل ترين أن البيئة المدرسية أو الجامعية تُهيئ الشباب لفن الخطابة؟
هناك تهيئة بسيطة والفجوة موجودة لا نستطيع نكرانها حتى أنني كتبت مقال مفصل في ذلك، وأتمنى لو تحظى الخطابة بجزء أكبر أو بمنهج ثابت في المناهج المدرسية لأن تأثيرها يمتد إلى الحياة الاجتماعية والعملية وهي خطوة مهمة لإعداد القادة.
ما الدور الذي يلعبه الإعداد الجيد للنص في نجاح الإلقاء؟
النص الجيد يعني تأثير مباشر على الجمهور، إذا استطعت تقديم نص جيد فأنت حتما ستمرر مشاعرك ورسائلك من خلال هذا الخطاب وبالتالي تسترعي انتباه الجمهور، ثم تثير فضولهم ، وعند تمرير رسالتك تكون قد أثرت عليهم. ومن المهم جدا أن يكون النص جيد متكامل الأركان من الناحية الأدبية واللغوية.
هل هناك فرق في أسلوب الخطابة عند الحديث لجمهور مباشر مقارنة بالإلقاء الإعلامي أمام الكاميرا؟
قطعا، وجود الجمهور عامل أساسي من عوامل نجاح الخطاب خاصة حين يبدئ بالتفاعل، كم من خطيب فشل خطابه لأن ردة فعل الجمهور كانت سيئة فالبتالي أثر على أسلوبه في الخطابة، لذلك من المهم أن تكسب الجمهور من أول خمسة ثواني في الخطاب وتحاول أن نشركهم ونتواصل معها بلغة الجسد والتواصل البصري.
كيف تقيّمين مستوى الاهتمام العربي اليوم بفن الخطابة؟ وهل نحتاج لعودة المنابر التقليدية؟
بات هناك وعي واضح بأهمية الخطابة لكنه لم يحصل على الاهتمام الكافي إلى الآن، وبالطبع نحن كعرب نعتبر أهل المنابر وأساس لها فمن باب أولى أن ينطلق أسلوب خطابة عربي أصيل وتعود المنابر بتأثيرها كسابق عهدها.
ما أهم مهارة يجب أن يركز عليها من يريد احتراف الإلقاء الجماهيري؟
أن يكون قادرا على التأثير، وهذه القدرة تحتمل أكثر من شكل على حسب الجمهور المستهدف.
ما حلمكِ في هذا المجال؟ وهل هناك مشروع تتمنين تحقيقه على صعيد التدريب أو التأثير؟
حلمي أن أمثل بلدي في المحافل الرسمية المحلية والدولية، أما على صعيد التدريب فأنا أحلم بأن أقدم برنامج تدريبي يعتمد في المدارس والجامعات يخرج منها خطباء وخطيبات قادرين على التأثير بخطاباتهم في كل المجالات.
كلمة أخيرة
لم يتطرق أحد من قبل لعمل مثل هذا الحوار المفصل عن الإلقاء والخطابة على الأقل معي شخصيا، لذلك اعتبرها سابقة، وأنا ممتنة لكم على تسليط الضوء على هذا الفن المهجور وعلى إتاحة هذه الفرصة وأتمنى أن يصل هذا الحوار لكل المهتمين ويفيد الجميع ويكون مرجع مفيد بإذن الله. لكم جزيل الشكر ووافر الامتنان.