بكر العبدالمحسن يكتب: حكاية النار

التعليقات: 4
بكر العبدالمحسن يكتب: حكاية النار
https://wahhnews.com/?p=89009
بكر العبدالمحسن يكتب: حكاية النار
الواحة نيوز

 

الانتظار في أخذ الدور للحصول على خدمة أمر مُمل، فكيف بِك وأنت مُجهد ومُتعب الجسد من أجل صَرف وصفة دواء في صيدلية، فكلُ ثانية في الانتظار ثقيلة على النفس وتزيد من الألم والمعاناة، ولكن ما خفف هذا الانتظار عما هو عليه في طبيعة إحساسه، ما سمعته من حوار كان يدور بين أم وابنتها في دور الانتظار فقد أيقظ فكري وأشعل فضولي، وتمنيت أن يطول الانتظار أكثر وأسترق من الحوار بينهما ما هو أكمل؛ حتى أستبين المضمون وتتضح لدي حكاية النار.

فالأم ذات العقود الستة تهمس في أذن ابنتها ذات الأربعة عشر ربيعًا، وبانفعال شديد وصوت ناشز “أدخلي تلك الشعرة التي تخرج من حجابك بسرعة لأنها سوف تكون سببا في تعليقك في النار” فما كان من تلك الفتاة إلا أن تمتثل لتوجيه أمها وتسل الشعرة من العجين.

فما حدث أمامي جعلني أتوسع في النظرة التي أثارت النار فضول الفلاسفة والعلماء وعامة الناس، وأدى ذلك إلى انتشار استخدامها في كل مجالات الحياة، فالنار عنصر كلاسيكي يرمز إلى العاطفة والقوة والتحول، وأصبحت النار جزءًا من الدين والفلسفة والعلم لآلاف السنين، وترتبط النار بالتطهير والإبداع والتفاؤل، فالشخصية النارية في الأبراج ودودة وديناميكية وصريحة وذات طاقة عالية، وفي الكيمياء تكون النار عنصرًا أساسيًا في العمليات للتحول بسبب حرارتها.

ولنأخذ بعضا من رمزية النار في الفلسفة اليونانية حيث وصفها أفلاطون بأنها ذات خصائص فيزيائية وهندسية، وفي علم التنجيم يتم تقسيم علامات الأبراج الإثنى عشر إلى أربعة عناصر وهي الماء والأرض والهواء والنار، والأبراج النارية الثلاثة هي الحمل والأسد والقوس، وتتميز بالعاطفة والتعبير والكرم والفرح.

وفي عيد الفصح في المسيحية تُوقد النار في كنيسة القيامة لرمزية النور ضد الظلام والاحتفال بقيامة المسيح، وفي الديانة الزرادشتية تُركز على الصراع الأبدي بين الخير والشر، وتُؤمن بأن النار عامل نقاء وأداة مُمتازة للتأمل والطقوس، وفي الطب الصيني يتم تصنيف الناس إلى خمسة عناصر: الخشب والمعدن والماء والتراب والنار، وتتمتع شخصيات النار بأنهم منفتحون وأذكياء ويبحثون عن الجمال في العالم.

وفي الصوفية فإن الاعتقاد في النار تكون عذوبة ونعيمًا، وفي الثقافة العربية التقليدية فهي رمز للكرم والضيافة، وأما النار في الشريعة الإسلامية فهي رمز العذاب للمخالفين والعصاة والكافرين الذين ورد وصفهم في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة.

فمع كل رمزية تبقى مكانة النار وطاقتها في التأريخ والروحانيات حاضرة ماثلة  في الأيديولوجيا بين من يراها أمل وتفاؤل وبين من يراها عذاب وعقاب، فأصحاب كل فريق يسعون وراء وعد الحق الذي يأملون الفوز به ﴿وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُوا نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ﴾ الأعراف 44

 

التعليقات (٤) اضف تعليق

  1. ٤
    زائر

    مع بداية قراءة المقالة كنت معتقدا ان بقلمك الجميل ستصلط الضوء على التبرج السافر الذي يزعج الغيارى من امثالك

    وتحث باسلوبك الراقي للتمسك بعادات المجتمع الاسلامية الاصيلة وهي الحجاب الكامل … الا انك يبدو لم تكن لديك شجاعه لخوض هذا المعترك فرحت لسرد فلسفات لا تغني ولا تسمن من جوع للمجتمع المتعطش للقم والاخلاق ومن من مثل قلمك لها تحية لك يابن عبدالمحسن

  2. ٣
    زائر

    الموضوع له اتجاهات عديدة مثل الخريطة بلاحدود

  3. ٢
    زائر

    رغم إرهاق الانتظار وثقله في صيدلية مزدحمة، كانت همسة أم لابنتها حول شعرة من الحجاب وهاجس النار كفيلة بإيقاظ سؤالٍ أعمق في داخلي عن رمز النار بين العذاب والتطهير، وبين الخوف والرجاء في مختلف الثقافات والديانات. تبقى النار حضورًا إنسانيًا حيًا بين التحذير واليقين بوعد الحق ﴿قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا﴾.

    كل الشكر والتقدير للكاتب القدير السيد بكر على هذا الطرح العميق الذي أثار الفكرة، وأضاء مساحة للتأمل في المعاني الكامنة خلف الأشياء التي نظنها بسيطة.
    قلمكم رشيق وفكركم ثري، وننتظر منكم المزيد من هذا الإبداع والتميّز. �

  4. ١
    ا. سعاد العوض

    وفقك المنان لمزيداً من الحلول لتحديات بمجتمعنا الديني أو الثقافي…
    الملفت بهذا المقال ثنائية الواقع والفكر
    ربطت الانتظار بالصيدلية بموقف عابر
    وربطه برمزية النار كقاطرة ليس لها نهاية
    من وجهة نظري القاصر الأنتظار مظهر حضاري بالمجتمعات بالإمكان ملأ المساحة بالتسبيح او القراءة او الاستماع لكتاب صوتي من الجوال
    أما عن رد الأم على ابنتها
    يظهر الوعي الديني الشعبي الذي تربت عليه الأجيال حيث تم لوي التربية على الحياء والستر بالخوف من العقوبة
    ورغم النية الطيبة للأم وحرصها
    إلا أن ربط خطأ بسيط كظهور شعرة بالنار يعمق الخوف في الفهم الديني بدلاً من التوعية والرحمة
    تربية الجيل الجديد تتطلب أن نغرس القيم بلغة المحبة والإقناع لا بلغة الرعب فالجمال في الحجاب أدب واختيار نابع من الإيمان لا من خوف من لهب النار
    ولكل منا وجهة نظر
    ووجهة نظري أرى إن انحدر المقال لفلسفة النار بشكل كبير….
    كنت آمل ان يختزل بثقافة الانتظار والتربية
    ولكن اثار النص مخيلتنا🌾

اترك تعليق على زائر الغاء الرد

بريدك الالكترونى لن نقوم بأستخدامه.

You may use these HTML tags and attributes:
<a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <s> <strike> <strong>