تتميز الحرف اليدوية والصناعات التقليدية بأهمية اقتصادية، وتعد ضمن إطار الصناعات الصغيرة المساعدة على الحد من البطالة، إلا أن للفن والحرف اليدوية دورًا بدأ جليا في أثره الفعال في التداوي النفسي.
وأكدت الأخصائية النفسية ليلى بنت حسين المكحل، بأن الدراسات الحديثة أثبتت أهمية التداوي النفسي بالفن والحرف اليدوية، ولا يشترط الاتقان التام للحرفة حتى يقع أثرها المنشود، إنما هو الاستعداد الشخصي للانخراط في الهواية، فالغرض منها هو الأثر النفسي الذي تحدثه مزاولة الحرفة كهواية وليس إتقانها كحرفة تدر له مالا.
ولفتت “المكحل” إلى نتائج دراسة لصالح مجلة National Library of Medicine فحواها، عندما انخرط مجموعة من مقدمي الرعاية لمصابين بأمراض عصبية في تعلم بعضا من الفنون والحرف اليدوية لمعرفة مدى أثرها على صحة هؤلاء الأفراد (عينة الدراسة)، تركت أثرا إيجابيا على تقبل ذواتهم كمقدمي رعاية، وتبين أن اكتسابهم لمهارات جديدة أسهم في التطور على المستوى الشخصي والنظر اليها بإيجابية، مما ساهم أيضًا في تطور المهارات والسلوكيات الفعالة وبالتالي إلى اعتناق فرص جديدة كفيلة بتغيير حياتهم إلى الأفضل، وذلك بسبب وجود مساحة آمنة للتعبير عن انفعالاتهم ومشاعرهم، لينتهي بهم المطاف إلى تحسن صحتهم النفسية.
وعددت “المكحل” بعضًا من الحرف اليدوي والفنون وأثرها على الصحة النفسية التالية:
صناعة الملابس:
حرفة صناعة الملابس لا تقتصر على النساء وإنما تشمل الرجال وعلى سبيل المثال صناعة البشوت، ولا يعني اقتصار هذه الصناعة على المحترفين بداعي التداوي النفسي، بل يستطيع الشخص الذي يسعى للتداوي النفسي إلى صنع أشياء أكثر بساطة، كصناعة الدببة المحشوة، ربطات شعر، كروشيه وغيرها، مشيرة إلى دراسة أجريت عام 2019 لصالح مجلة Crafting Textile Connections: A mixedmethods approach to explore traditional and e-textile crafting for wellbeing تؤكد أن صناعة الملابس كان لها أثر إيجابي على تحسين الصحة النفسية، بالذات حينما يتفاعل الشخص مع مجموعة تمارس نفس الحرفة.
صناعة الفخار:
صناعة الفخار تساعد على تنظيم المشاعر وتحسن جوانب معينة في الصحة النفسية، وتعتبر من الحرف الممتعة وإن كان بها القليل من الفوضى، فتشكيل الطين باليدين مع برودة الماء الممتزجة بها تؤدي إلى الانغماس في تنظيم المشاعر والأفكار، مما يحسن الجانب النفسي وبالتالي زيادة في مقياس السعادة، لافتتا النظر إلى دراسة أجريت عام 2018 لصالح مجلة Modern Care Journal على مجموعة من الاشخاص المعاقين حركيًا ومصابين باعتلالات نفسية، طلب منهم ممارسة صناعة الفخار بغرض معرفة مدى تأثير مزاولة هذه الهواية على صحتهم النفسية بواقع 12 جلسة، مدة كل جلسة منها ساعة كاملة، وبعد الجلسة السادسة وجد انخفاض كبير في مقياس الاكتئاب والقلق، وارتفاع في مقياس السعادة، مقارنة ببقية العينة التي لم تخض الجلسات.
الرسم:
هواية الرسم تعطي كامل الحرية للشخص للتعبير عن مكنونات النفس والتخفيف عنها في سبيل التشافي من الضغوطات النفسية، ومن الأمراض التي ساهم الرسم في علاجها أو التخفيف منها، هي: الاكتئاب، القلق، الزهايمر، الفصام، وطيف التوحد، وذلك بناء على دراسة أجريت عام 2021 في مجلة National Library of Medicine، أثبتت أن العلاج بالفن يعتبر علاجًا تكميليًا للاضطرابات النفسية، وبديلًا للأدوية العلاجية، كما ساهم أيضا في تشخيص الاضطرابات النفسية ووضع الخطط المساعدة للأخصائيين النفسيين في العيادات.
ومن جانبها، أكدت الحرفية ثريا بنت عبدالرحمن الحزيم، أن الحرف اليدوية هي صناعة جميلة تخفف من الضغوط النفسية وتنشط الدماغ، فعندما تمسك بالخيوط وتفكر في تصميم جديد، تستحضر جميع أفكارها الإيجابية وتعمل على تنسيق الألوان، وبذلك تبتعد الأفكار السلبية وتنساها أو تتناسها.
وأضافت “الحزيم” بأنها كانت تقرأ عن الحرف اليدوية منذ كانت على كراسي الدراسة في المرحلة الثانوية، وكلما قرأت تذكرت جدتها التي كانت تحيك الملابس باستخدام السنارة، وكيف كانت تتمتع بنشاط عقلي وذاكره قوية بسبب ممارستها للحرف اليدوية، فهي المتنفس وعامل لقضاء الوقت في صناعة مفيدة ومسلية.