سيلفي الصورة المُلتقطة ذاتيًا وهي عبارة عن صورة شخصية التقطها صاحبها لنفسه باستخدام آلة تصوير أو هاتف ذكي مُجهز بكاميرا رقمية، ويقوم بنشرها على الشبكات الاجتماعية وذلك لاعتمادها كصورة رئيسية في ملفه الشخصي أو إلى جانب أشخاص معينين ،والسيلفي مُنعطف حاسم مع بداية الألفية الثالثة في عالمنا نظرا للانقلاب الجذري الذي أحدثته التكنولوجيا الجديدة على مستوى وعي الإنسان بذاته والتعرف عليها وإدراك العالم بها، فأصبحت الوسائط الرقمية وانتشارها الواسع في عالم اليوم ومن خلال الصورة من أهم الوسائل التي لا مفر منها لاستيعاب الذات والعالم من حولنا عبر الهاتف الذكي وشاشته وكاميرته التي يمتاز بها.
لقد باتت اللقطة الذاتية السيلفي سوكا عفويا لا يحتاج إلى دليل على انتشاره بين الناس على مُختلف أعمارهم، وتحولاته الجذرية في علاقتهم بأنفسهم ومع الآخرين، بل إلى حالة من التساؤل هل السيلفي مرض نفسي يرتبط بمشاعر الاكتئاب والقلق نتيجة الرغبة في الحصول على الإعجاب في مواقع التواصل الذي قد يرتبط بالإصابة باضطراب “ديسمورفوبيا” (dysmorphobia) وهو عدم رضا الشخص عن نفسه ومظهره أو عن هويته المفقودة أو النرجسية المفرطة؟ فالقلق الوجودي عند الإنسان ينطلق منذ الطفولة المبكرة حيث يكتشف ذاته لأول مرة في المرآة محاولا الإمساك بها، وفشله المتكرر الذي يدفعه للبحث عنها لدى الآخر من حوله انطلاقا من التواصل اللغوي لانتزاع الاعتراف بها ،وهذا ما يجعل وجود الآخر ضروريا من أجل الوعي بالذات، ومع ظهور الرقيمة وعصر الصورة حلت الشاشة محل المرآة والصورة محل الكلمة ،والآخر الافتراضي محل الآخر الواقعي، فبات السيلفي والبورتريه ضرورة قُصوى في اثبات الشك الذي يساور النفس في كل حين حول وجود الهوية الذاتية، وتأكيد حضورها وفاعليتها من خلال الحصول على أكبر قدر من علامات الإعجاب التي تُعطيها المتعة والإشباع ما دامت متصلة بالشاشة ،وبمجرد انقطاع الإنترنت عن العالم الافتراضي يحدث الاغتراب في العالم الواقعي.
إن الخطورة البالغة التي يجب الانتباه لها والتشديد على إدراك وعيها في اعتماد الأنا الواقعية على الأنا الرقمية في وعي وجود ذاتها والعالم من حولها من خلال الاحتماء بوهم العالم الافتراضي في اشباع احتياجاتها النفسية والمعنوية، وأن الذات لا ترى وجودها إلا داخل إطار الصورة الرقمية المُحسنة والمُنمقة بأفضل أنواع الفلاتر التي كُلما تعمقنا في عالم الافتراض زاد ابتعادنا عن أنفسنا وعن الآخر من حولنا في تأكيدٍ واضح أن السيلفي يأخذك إلى الوَهْم في الواقع والحقيقة في الرقمية، وأننا نعيش بأناتين واقعية تعيش يومها وحركتها مع نفسها والآخر بشيء كبير من التعب والملل والكراهة والصعوبة ،وتتطلع إلى الوصول إلى مثالية سراب الأنا الرقمية الافتراضية التي تتحرك في المباشر المتصل مُعتمدة على تقديم نفسها داخل الصورة كبطل ومُخرج ومُنتج ومسوق للأنا كماركة مُسجلة في سوق التداول الرقمي وعدد المتابعين والمعجبين لها ،والنتيجة تضخم في التقدير الذاتي ونرجسية تملأ مساحة الفراغ الأجوف الذي عجزت عن تحقيقه الأنا الواقعية والمحصلة “أنا والسيلفي والبورتريه .. إذن أنا موجود”.
انا كل ما اقرا كلمة سلفي يجي في بالي سلف السيارة
التعليق
بارك الله في جهودكم
إلتفاتة جميلة تنبه الإنسان وتجعله يرشد سلوكه وان لايستغرق فيه ويجعل من السلفي شغله الشاغل
أحسنت النشر بارك الله فيك
رائع جدا بارك الله في جهودكم
ماشاء الله.. مقال توعوي ممتاز👌🏻
لقد نجح الغرب في التعرف على حاجات الانسان النفسيه وملئها بشتى الطرق والوسائل لإلهائه وإضلاله عن حقيقته و حقيقة وجوده.
ويضل طوق النجاة في هذا الزمن هو البحث عن النهج الأقوم والتمسك به. قال الإمام علي (ع) : “نفسك إن لم تشغلها بالحق شغلتك بالباطل”.
فلا وسطيه إما حق وإما باطل ونحن نترنح بين ذين وذين نسأل الله أن يثبتنا على الانشغال بالحق🤲🏻
لقد نجح الغرب في معرفة طبيعة الإنسان النفسية وإلهائه بكل الوسائل والطرق عن الوصول لحقيقته او حقيقة وجوده العليا. شكرا لنشر الوعي أستاذ🌹
بارك الله في جهودكم أستاذ بكر الفاضل بالتوفيق
مقال جميل عزيزي أبا محمد، ويُلفت الانتباه إلى جانب مهم في حياة الإنسان، وهو الجانب النفسي في هذا العالم المتسارع في التغيير المستمر في جانبه التكنولوجي والمنعكس على حياة الإنسان النفسية سلباً للأسف.
نعم. على الإنسان أن يكون حذراً جداً في هذه البيئة من أن يطلب إيجاد ذاته أو تحقيق ذاته من خلال العالم الافتراضي لأن مؤشراته خادعة ومضلّلة وعشوائية جداً ومسيّرة بخوارزميات أعدّت مسبقاً لحاجةٍ في أنفس صانعي هذه التطبيقات، والتي ليس من بينها مصلحة الإنسان المادية أو المعنوية أو النفسية، بل مصلحة هؤلاء الصناع.
شكراً لك أبا محمد
التعليق