يتم تسريع الطالب الموهوب من الصف الرابع الابتدائي إلى الصف السادس الابتدائي من دون أن يدرس في الصف الخامس الابتدائي، أو أن يتم تسريع الطالب الموهوب من الصف الأول المتوسط إلى الصف الثالث المتوسط من دون أن يدرس في الصف الثاني المتوسط ، و في كلا الحالتين السابقتين فإن الطالب الموهوب يختصر سنة من سنوات دراسته فيصبح مجموع سنوات دراسة الطالب الموهوب في مراحل دراسته ( الابتدائية و المتوسطة و الثانوية ) 11 سنة بدلا من 12 سنة دراسية ، و يمكن أن يتم تسريع الطالب الموهوب مرتين، في المرة الأولى من الصف الرابع الابتدائي إلى الصف السادس الابتدائي و في المرة الثانية من الصف الأول المتوسط إلى الصف الثالث المتوسط و هو بذلك يختصر سنتين من سنوات دراسته فيصبح مجموع سنوات دراسة الطالب الموهوب في مراحل دراسته ( الابتدائية و المتوسطة و الثانوية) 10 سنوات بدلا من 12 سنة دراسية ، و لا يتم تسريع الطالب إلا بناءً على شروط و ضوابط محددة و بعد أن يجتاز اختبار التسريع.
إلا من واقع التجارب في عملية التسريع توجد هناك بعض الأمور قد تكون عائقا نحو إيجابية عملية التسريع و هي :
1 – عندما يتم تسريع الطالب سيجد زملاء له أكبر منه سنا في الصف الذي تم تسريعه فيه ، فهل سيكون قادرا على إقامة علاقة إيجابية معهم ؟ ، و هل سيكون قادرا على مواجهة الضغوط النفسية ؟ و هل سيكون قادرا على علاج المشكلات اليومية ؟ ، و هل سيتولد لديه ثقة كبيرة في نفسه كونه أصغر زملائه في الصف ؟ و هل سيكون حجم جسمه البدني متناسب مع زملائه في الصف لكي يكون واثقا من نفسه ؟ .
2 – عندما يتم تسريع الطالب من الصف الرابع إلى الصف السادس فإنه سيفقد خبرة التدريب على المهارات و سيفقد خبرة الممارسة المعرفية في مقررات الصف الخامس الذي تخطاه مثل مقررات الرياضيات و العلوم و اللغة العربية و اللغة الإنجليزية ، و بالتالي يصبح لدى هذا الطالب بما يسمى بالفجوة المعرفية ، فهل سيقوم المعلمين في الصف الذي تم تسريعه فيه أو أن تقوم أسرته من الوالدين الأب و الأم بمساعدته في شرح مقررات الصف الخامس الذي تخطاه من أجل سد الفجوة المعرفية لدى هذا الطالب و بالتالي يصبح قادرا على مواكبة زملائه في فهم دروس مقررات الصف السادس ؟ ، و كذلك نفس السؤال على الطالب الذي تم تسريعه من الصف الأول المتوسط إلى الصف الثالث المتوسط ؟
3 – عندما يتم تسريع الطالب فهل ستكون المدرسة داعمة له من ناحية إثرائه علميا و توفير المصادر له التي تساعده على اكتساب المعرفة و على رفع مستوى قدراته العقلية من خلال تطويرها بالمناشط و التحديات التي تصقل موهبته ، و على دعمه في تصميم منتجات ابتكارية و بحثية و تقنية بأعلى مستويات الجودة و الأصالة بما يتناسب مع ميوله ، و هل ستقوم المدرسة على تشجيعه على التميز من خلال الدخول في المسابقات و المنافسات الإبداعية ؟
و بعد هذه الأمور المهمة التي ذكرنها سابقا ، من هنا يأتي التساؤل : متى تكون عملية التسريع مرحلة إيجابية للطالب الموهوب ؟
و للإجابة على هذا التساؤل دعونا نربط بين بين التوثيق الأكاديمي لبرنامج التسريع و بين واقع التجارب السابقة في برنامج التسريع ، فيتحدث الدكتور عبدالله الجغيمان في كتابه ” الدليل الشامل في تصميم و تنفيذ برامج تربية ذوي الموهبة 2018 م ” عن أهم المقومات الأساسية لنجاح التسريع و التي من دون وجودها فإن نجاح التسريع يظل غير واضح النتائج حيث يتم تقييم عملية التسريع و هي غير مكتملة الأركان .
فيذكر الجغيمان أنه من ضمن هذه المقومات هو استعداد الطالب للتأقلم الانفعالي و الاجتماعي و معنى ذلك أنه عندما يتم تسريع الطالب بحيث يكون في هذا الصف المسرع فيه زملائه أكبر منه سنا فإنه لابد أن يكون هذا الطالب قادرا على التأقلم النفسي في مواجهة التحديات الناتجة من عملية التسريع مثل أن يكون قادرا على التعامل مع المشكلات اليومية و أن تكون علاقاته إيجابية مع زملائه الأكبر سنا .
و يؤكد الدكتور عبدالله بأهمية جاهزية المعلمين من أجل نجاح التسريع وذلك من خلال مستوى الدعم الذي تقدمه المدرسة للطالب فيجب على المعلمين في هذه المدرسة أن تكون نظرتهم إيجابية لعملية التسريع و أن يدعمون الطالب الذي تم تسريعه في سد الفجوة المعرفية ، فالطالب الذي تم تسريعه هو بحاجة إلى معلم يتفهم مشاعره و الصعوبات التي يواجهها في محاولة سد الفجوة المعرفية من خبرة التدريب على المهارات و من خبرة الممارسة المعرفية و التي فقدها في مقررات الرياضيات و العلوم و اللغة العربية و الإنجليزية بالصف الخامس من خلال تخطيه الصف الرابع إلى الصف السادس ( و بالمثل خبرة الصف الثاني المتوسط من خلال تخطيه الصف الأول متوسط إلى الصف الثالث المتوسط ) فينبغي على المعلم بالإضافة إلى تعاون الأسرة من الأب و الأم أن يعملون على دعم الطالب المسرع في سد الفجوة المعرفية من خلال تدريبه على المهارات و تزويده بالمعلومات من مقررات الصف الخامس او من مقررات الصف الثاني المتوسط بحيث تساعده هذه المهارات و هذه المعلومات على استكمال دروس مقررات الصف السادس أو دروس مقررات الصف الثالث المتوسط .
بالإضافة إلى ذلك تأتي جاهزية البيئة المدرسية من ناحية تقديم الأنشطة التي تثريه علميا و توفر المصادر المعرفية التي تسهم في رفع مستوى قدرات الطالب المسرع و توجيهه من خلال الانخراط في المناشط التي تصقل موهبته ، و دعمه في تصميم المنتجات الإبداعية .
و تأتي الجاهزية البدنية للطالب الذي تم تسريعه أحد المقومات المهمة في نجاح التسريع من التي ذكرها الجغيمان ، حيث أشارت الدراسات إلى ان الطلبة الذين يتمتعون بأحجام كبيرة تتناسب مع طلبة الفصل المسرع يحققون نجاحا أسرع من غيرهم في عملية التسريع ، أما الطلبة الأصغر حجما فيحتاجون إلى وقت أطول من أجل التكيف على عملية التسريع ، أما في حالة الطلبة ذوي البنية البدنية الضعيفة و الأصغر بكثير من أقرانهم المسرع إليهم فقد يكون من المستحسن التريث قليلا في المضي قدما في التسريع ما لم يكن هناك تهيئة جيدة لهذا الطالب قبل البدء في عملية تسريعه .
أتذكر في الأعوام السابقة و في أثناء إجراءات ترشيح أحد الطلاب لبرنامج التسريع قامت لجنة مدرسته برئاسة مدير المدرسة بعدم الموافقة على عملية تسريع هذا الطالب و السبب أن هذا الطالب بنيته البدنية ضعيفة جدا لا تتناسب مع الأحجام البدنية لطلبة الفصل الذي سيتم تسريعه فيه .
و بعد أن ذكرنا بعض المقومات المهمة لنجاح عملية تسريع الطالب ، و من خلال تجارب سابقة فأني أجد المدرسة التي يتوفر فيها فصول للموهوبين هي المدرسة الأكثر نجاحا في عملية التسريع ، بل هي الأكثر ضمانا لتوفر مقومات نجاح عملية التسريع ، إن إيجابية التسريع في مدارس فصول الموهوبين تكمن في أن الطالب الذي تم تسريعه من فصل الموهوبين بالصف الرابع إلى فصل الموهوبين بالصف السادس في أن جميع زملائه في الصف المسرع إليه هم جميعه طلبة موهوبين و إن كانوا أكبر منه حجما و لكنهم متوافقين معه في نفس القدرات العقلية و جميعهم يحمل الشغف العلمي و الاحتياج المعرفي و حب الإبداع و الابتكار و جميعهم يتقبل التحديات المعرفية و المنافسات العلمية فمن هنا يصبح الطالب المسرع بينه و بين زملائه الموهوبين انسجام تام و علاقات إيجابية كبيرة بسبب أن جميعهم نفس الصفات و الخصائص و نفس التوجهات العلمية و المعرفية و الإبداعية ، و بالتالي فإن هذا الطالب قادرا على مواجهة المشكلات اليومية و التغلب عليها ، بل يتعدى ذلك بأن هذا الطالب سيكون لديه حماس و دافعية كبيرة في الاستمرار و الانتماء لفصل الموهوبين ، وبذلك تساهم هذه الدافعية في نجاح عملية التسريع .
بالإضافة إلى أن جميع معلمي فصول الموهوبين هم ذو كفاءة عالية و هم متهيئون لرعاية الطلبة الموهوبين و تلبية احتياجاتهم المعرفية ، فمن المؤكد أن معلمي فصول الموهوبين سيقومون بتلبية احتياجات هذا الطالب الذي تم تسريعه و سد الفجوة المعرفية لديه من خلال تعويضه عن الخبرة التي فقدها في التدريب على المهارات و الممارسات المعرفية في مناهج الصف الذي تخطاه ( الصف الخامس أو الصف الثاني المتوسط) من مقررات الرياضيات و العلوم و اللغة العربية و الإنجليزية ، بالإضافة إلى أن مدارس فصول الموهوبين هي بيئة مدرسية داعمة للطلبة الموهوبين تقوم على تبني الطلاب الموهوبين و تقديم الرعاية لهم من خلال توفير المصادر المعرفية و تقديم المناشط الإثرائية لهم التي ترفع مستوى قدراتهم المعرفية و تصقل موهبتهم و تساندهم في تصميم منتجاتهم الإبداعية و تشجعهم على المشاركة في المسابقات الإبداعية .
و في الختام ألا تتفقون معي أيها المتخصصون في رعاية الموهوبين أن الإيجابية في عملية التسريع تكون أكثر نجاحا في المدرسة التي يتوفر فيها فصول الموهوبين .