جهاد الهاشم يكتب: شهر الله ومناهل الأخلاق 

التعليقات: 0
جهاد الهاشم يكتب: شهر الله ومناهل الأخلاق 
جهاد الهاشم
https://wahhnews.com/?p=75238
جهاد الهاشم يكتب: شهر الله ومناهل الأخلاق 
الواحة نيوز

إن محاسنَ الأخلاقِ سِمةٌ من سماتِ الأنبياء والرسل والصالحين، بها تُكتسبُ الدرجاتُ، وتعلو المنزلةُ، وتُبنى الرُّتبُ، وتنمو المقاماتُ، وتكتملُ زينةُ الإنسانِ بحصوله ونيله هذه الصفات؛ لذا أقسمَ البارئُ- جلت قدرته – في محكم كتابه الكريم على أخلاق سيد الخلق محمد بن عبدالله – صلى الله عليه وآله وسلم – بقوله جلَّ في عُلاه: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} (القلم4). وفي آية أخرى قوله تعالى: {لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} (الأحزاب 21).

إنّ هاتين الآيتين المباركتين تحملان من المعاني الشيءَ الكثيرَ بما يختص به رسولنا الأكرم – عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم- من مكارم الأخلاق وفضائل الآداب و مفاخر الخصال وظواهرالحكمة والحِلم والاتزان.

إنّ شهرَ اللهِ المُبارك هو المشروع الحيوي والحقيقي والتربوي المتكامل الأبعاد ، نتقدم و نرتقي وينمو فكرنا وتكبر آفاقنا وتتسع مداركنا من خلاله بأخلاقنا و سلوكنا ومبادئنا وقيمنا الإسلامية الأصيلة ؛ وبالتالي السعي ما أمكن للوصول بذواتنا لما هو أفضل حالا وأجمل أثرا وأجود نمطا نحو كل ما يتعلق بأمورنا وشؤون حياتنا تجاه جميع من حولنا كالأهل والأصدقاء وكذلك المنظومة المجتمعية.

هذه واحدة أما الواحدة الأخرى هي علاقتنا بخالقنا عزوجل ، والالتزام بما أمر به في كتابه المُنزل من تعاليم ونواهي جمة كلها جاءت بهدف تنظيم حياة ذلك المكون البشري والسمو به إلى مرتبة ومكانة تليق بآدميته وكرامته باعتباره كائن كرمه الله – سبحانه وتعالى – وفضّله بعقله على سائر مخلوقاته ومصداقا لقوله جل شأنه :﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا ﴾. الإسراء (70).

مَن يتلو هذه الآية الكريمة يستنبط من السياق العام والمعنى المشار إليه بمجمله الظاهري يصل لنتيجة تتفق وطبيعة المنطق العقلاني لما ذهبت إليه تلك الآية المقدسة من دلائل و مفاهيم و استنتاجات غنية وساطعة لا تدع مجالا للشك إطلاقا أن ذلك الإنسان قد خصه الله تعالى بمزايا عديدة وخصال كثيرة وصفات مختلفة جُلها لم يحصل عليها سواه من سائر المخلوقات ، وأهمها العقل وهو هبة ربانية منحه الله ذلك الإنسان وهو أحد وسائل التكريم الإلهي لبني البشر فحسب.

إخوتي من الضرورة بمكان أن ندرك طبيعة الاستثمار الحقيقي لتلك الأيام الميمونة، وأن تحقيق الفائدة القصوى لا يقتصر فقط على نمو المال وزيادة الثروات في عالمنا المعاش بالرغم أننا نقر بشكل أساس أن هذه الأمور هي بالغة الحاجة وهي وسائل مشروعة و جادة لتحقيق الازدهار والنجاح وبالتالي الوصول بنا لحياة تليق بشخوصنا وتكون أكثر عزا وكرامة،

ولكن في المقابل هناك جانب غاية في الأهمية وربما يتجاهله الكثيرون ويعتبر الأقوى والأجدر استثمارا والأثقل وزنا و الأوفر ثوابا ومن اليسير القيام به في ذلك الموسم القرآني الجليل بالسعي قدر المستطاع تجاه الحصول على تلك القيم والمعاني السامية كالتسامح والعطاء والإحسان والتكافل في الوسط الاجتماعي وبالأخص في هذا الشهر الشريف بتهذيب النفس و السمو الروحي والارتقاء الأخلاقي.

كما يعد إظهار الرحمة والمحبة والود وطيب المعشر والحنو تجاه المعوزين و المحرومين والتفاني في قضاء حوائج من هم أهلٌ لذلك.

و تعتبر هذه المفاهيم الباهرة جميعها من مكملات القيم الإنسانية الجميلة التي نادى بها الله سبحانه وتعالى في قوله:﴿ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ۚ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ [ البقرة: 110].

وقال عز من قال :{ وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَىٰ (40) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَىٰ (41) (النازعات). إذا يتضح بشكل واضح ومبين أن هذه الآيات المباركة أتت بتبيانٍ للمؤمنين واضح وجلي بالإعراض عن النواهي من رذائل الأمور و ما يجري عليها من سلوكيات غير محمودة تؤدي في نهاية المطاف لمخالفة الشرع والعُرف، بل يتوجب على أصحاب الفطنة والحكمة والعقلاء ملازمة الورع والتقوى ومحاربة الهوى، والإقبال على الذات لإصلاحها بالصلاة وتوابعها والإقدام على الإحسان بكل فروعه وتعدداته ما تسنى من ذلك سبيل، نعم إنها شعائر دافئة وصالحة تعين على مجابهة النوائب و الصعاب وتجلب أسباب السعادة و الفوز والفلاح في الساحات ومعترك الحياة لنبلغ غاية المراد و حسن الرجاء و المبتغى.

عزيزي القارئ وصلنا للختام ومن هذا المنطلق نقول: شهر رمضان فرصتنا لهذا الزمان هكذا ينبغي أن نكون وأن نعطي أنفسنا الأولوية لمراجعة السلوك والوقوف بصدق مع الوجدان والفؤاد وأن نحاكي الضمائر والذمم وأن نعي مانحن عليه من الظلام و الغفلة والجهل ونصعد بسلامة نوايانا والمعتقد إلى ما يجب أن نكون عليه من الوعي والإدراك والتوازن النفسي والعقلي وكذلك الأخلاقي، والسعي ما استطعنا من عزم و إرادة للوصول للآمال و الأهداف العليا المنشودة من رضا الخالق – تبارك في علاه – وأنْ نسألَه – جل شأنه – طيبَ الختام والعفوَ والعافيةَ في الدنيا والآخرة.

اللهم نسألُك قبولَ الأعمال وحسنَ الثواب، اللهم اجعل صيامنا صيام الصائمين وقيامنا قيام القائمين ولا تجعلنا من الغافلين واعف عنا وارحمنا برحمتك يا أكرم الأكرمين، اللهم اجعلنا من المستغفرين التائبين اللهم أعنا على ذكرك وشكرك، اللهم اجعل لنا نصيبًا من رحمتك وعفوك يا أرحم الراحمين وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.

التعليقات (٠) اضف تعليق

اضف تعليق

بريدك الالكترونى لن نقوم بأستخدامه.

You may use these HTML tags and attributes:
<a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <s> <strike> <strong>