بكر عبدالله العبدالمحسن يكتب: دراما الشخصيات الإسلامية بين التاريخ والتأريخ 

التعليقات: 0
بكر عبدالله العبدالمحسن يكتب: دراما الشخصيات الإسلامية بين التاريخ والتأريخ 
https://wahhnews.com/?p=75156
بكر عبدالله العبدالمحسن يكتب: دراما الشخصيات الإسلامية بين التاريخ والتأريخ 
الواحة نيوز

تكمن المُهمة الأساسية “للتاريخ” في تسجيل الأحداث على أرض الواقع بكافة تفاصيلها من خلال المكان الذي تدور فيه والزمان الذي تتحرك من خلاله والإنسان الفاعل فيها والناقل لها ،وأما مُهمة “التأريخ” فهي تتعدى ذلك بكثير من خلال تحليل محتوى وثائق التاريخ ودراستها وربطها ببعض للوصول إلى الحُكم على التجربة الإنسانية أو بعض جوانبها.

وهذا ما أشار إليه ابن خلدون في مُقدمته بأن “التاريخ” أخبار الأيام والدول والسوابق من القرون الأولى في ظواهرها ،وفي باطنها نظر وتحقيق وتعليل أي “التأريخ”.

فكُتب “التاريخ” تُوفر الكثير من الفُرص لصُناع الدراما لجذب الجماهير وإعادة بناء وعيها ،وإنتاج المُسلسلات الدرامية التاريخية ليس الهدف منه التسلية أو تحقيق المُتعة للمشاهدين، ولكنها عملية تهدف إلى تحقيق الكثير من الأهداف الظاهرة والباطنة ،وهذا يعني أن الدراما التاريخية ليست تأريخا يُكتب باستخدام المناهج العلمية ،ولكنه عملية تصوير للشخصيات التاريخية باستخدام الصورة المثالية والتفاعل مع البطولة وإثارة المشاعر الإنسانية والكلمات والرسائل الإيديولوجية.

وثمة أسئلة كثيرة يطرحها العقل النقدي في العلاقة بين الحدث التاريخي وشخصياته والعمل الدرامي المُعتمد في بُنيته السردية على أحداث التاريخ ورواياته ،فما جدوى إحياء التراث حين نعمد إلى نقله إلى الوسيط الدرامي البصري ،وهل كُتاب الدراما للشخصيات التاريخية كشفوا لنا عن الحقيقة الغائبة في تاريخ سيرتهم أو كشفوا عن المسكوت عنه في حياتهم ،وهل يقوم النص المرئي بتصحيح ما جاء بـه المُؤرخ ويذكر ما امتنع عن قوله ،وهل تُفَكك الدراما الكثير من الغُموض والتعقيدات التي تحوم حول الحدث التاريخي وشخصياته ،وهل تفتح الدراما الباب على مصراعيه للمُشاهدين والنقاد لتكوين أحكامهم الخاصة والبحث والتساؤل نحو الحدث وشخصياته ،وهل يتميز صُناع الدراما التاريخية بالمصداقية والجودة في قراءة الماضي بعيون الحاضر وأدواته النقدية والمنهجية؟

وعلى هذا سوف يستمر الجدل والنقاش مُحتدما حول مساحة “الإبداع الفني” في تناول الشخصيات التاريخية أو الدينية من خلال الأعمال الدرامية التلفزيونية ،ومنشأ هذا الجدل والنقاش يتأتى من خلال تناول كُتَّاب السيناريو للتأريخ وشخصياته ،والأفق التي من خلالها يُمكن أن يصل إليها المُؤلف في مُعالجته للمادة التأريخية ،بما قد يُخالف ما هو ثابت تاريخياً ،سواء أكانت الغاية في ذلك هي تصحيح رواية تاريخية مغلوطة ،أو الانتصار لوجهة نظر معينة في تفسير التاريخ، أو حتى تقديم رواية جديدة للوقائع التاريخي.

فتجربة الدراما للشخصيات التاريخية مهما بلغت من قوة الطرح أو ضعفه تبق قابلة للتفكير والنقد والتحليل ،والتعامل مع أحداث التاريخ وشخصياته من منطلق أنه تاريخ مُقدس أمرٌ يجعلنا نعيش في ظُلمة التاريخ ،ويحرمنا من الاستفادة منه في تحسين وتطوير بناء الحاضر والمستقبل ،فلا غرابة أن تأتي هذه المسلسلات على صورة سيرة ذاتية تُعيد تخيل سيرة بعض الشخصيات التاريخية خلال الحُقبة التي عاشتها ،وتدغدغ مشاعر الأيدلوجية وتغذيها لمحبي هذه الشخصية التاريخية وتشعل جذوة النار في قلب مُخالفيها ،وتظل الحيرة تُؤرق القلم والمِداد في كتابة “التاريخ” بألف لينه بلا همزة أو كتابة “التأريخ” بهمزة على الألف.

 

 

التعليقات (٠) اضف تعليق

اضف تعليق

بريدك الالكترونى لن نقوم بأستخدامه.

You may use these HTML tags and attributes:
<a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <s> <strike> <strong>