هل الحيوانات تفكر؟
وإذا كانت تفكر، بماذا يختلف تفكيرها عن الإنسان؟
ولنسأل سؤالًا آخر مرتبطًا بالسؤال السابق: هل الحيوانات تنطق وتعبر عما تفكر به مثلنا؟
من هذه الأسئلة نستطيع أن نقول إن كل عملية تفكير لها محتوى وقالب تعيش فيه، وعمليّة التفكير الإنساني محتواها وعالمها هي اللغة التي يتعلمها ويكتسبها الطفل.
وكلما نمت لغة الطفل التي يفكر بها، كلما كان أكثر إبداعًا وخيالًا وجمالًا ورقيًا وإحسانًا في التفكير. والقراءة من أهم مصادر اللغة وينابيعها المتجددة، ولذلك جاءت العلاقة السحرية بين القراءة والإبداع والخيال.
((الإبداعية هي الإدراك الفائق والقراءة بوابتها))
يعتبر الإبداع إدراكًا فائقًا للمعلومات واكتشافًا لجوانب الخلل فيها وتطويرها، كما أنه عملية طبيعية وصحية وإنسانية قوية؛ ولأن القراءة هي الطريق أيضًا إلى الإدراك الفائق للحياة وسبر أغوارها من خلال اتساع الفكر والانفتاح على المعلومات، فهذا يجعلنا نرى التقاء القراءة والإبداع على نفس الطريق، ولتكون القراءة هي بوابة للإبداع والخيال والكثير من الجمال في الحياة.
(المرونة في التفكير وسعة الأفق تجعل الإنسان يتعدى حدود المكان والزمان والأحوال)
عندما تكون القراءة مؤشرًا لإبداع الطفل:
الطفل الألماني كريستيان هنريك هنيكان استطاع أن يقرأ اللغات الألمانية والفرنسية واللاتينية وعمره 4 سنوات!! (هاينز، 2009)، وهذا مؤشر يمكن أن ينطبق على الأطفال فائقي القدرة العقلية. لكن، هل يمكننا أن نعتبر انهماك الطفل في قراءة قصة أو كتاب بدرجة شديدة تشغله عن الإنصات لمن يناديه بصوت عالٍ هو مؤشر لإبداعه؟
يذكر كولفمان ذلك في كتابه (كيف ترعى طفلك الموهوب، 2001)، ويضيف أن من مؤشرات الإبداعية أيضًا، والتي هي وليدة اهتمام الطفل بالقراءة وشغفه بها:
-
استخدام المتشابهات والنظائر في كلام الطفل وتعبيراته المنطوقة والمكتوبة.
-
تأكد الطفل ورجوعه لكثير من المصادر للمعلومات التي يهتم بها، مثل: “ماما لقد بحثت في كل الكتب عن كيف اختفت الديناصورات”.
-
تلهف وشوق إلى إخبار الآخرين عن الاستنتاجات التي يتوصل لها أثناء القراءة.
-
إظهار علاقات بين أفكار لا يوجد بينها ترابط واضح، مثل: “ماما أنظري إلى قبعتها في هذه القصة تشبه طبق فنجان يطير”.
-
مواصلة أفكار خيالية بعد قراءة موضوع، مثل: “سأذهب غدًا لأزرع أشجار الشوكولاته في كل الشوارع”.
-
طرح أسئلة عفوية واستكشافية وتجريبية يتعمق من خلالها فيما يقرأه.
-
يمكن أن يقدم الطفل أداءً صوتيًا وحركات تمثيلية وتعبيرية لما يقرأ (يعيش ما يقرأ).
-
تخمين نتائج المعلومات ونهايات القصص التي يقرأها.
-
الرغبة في الاستقلال لاختيار ما يقرأه، وحتى أحيانًا طريقة وأسلوب القراءة.
-
الجرأة في الأفكار والطموح العالي بعد قراءة كتاب يعجبه (حماس للمواصلة)، مثل: “سأكتب كتابًا عن السيارات الطائرة”.
-
يقدم مبادرات ذاتية للقراءة والتعلم في المواضيع التي يحبها، مثل: “سأذهب إلى المكتبة وأختار كتبًا عن الحيوانات المنقرضة”.
-
الرغبة في تأمل الأفكار الغريبة أثناء القراءة، مثل: “ما الذي يحدث إذا أصبح القمر كبيرًا ومضيئًا والشمس صغيرة وأقل ضوءًا، ما الذي يحدث لو كانت هناك أكثر من شمس تشرق على الأرض؟”
كيف ننمي إبداع الطفل وخياله من خلال القراءة؟
ولتكون القراءة بوابة لإبداع الطفل وخياله، فيمكن لك كأحد الوالدين أو المربين أن تراعي النقاط التالية:
-
مراعاة العمر المناسب الذي تكتمل فيه قدرة الطفل على القراءة، فقدرته على القراءة ستجعل القراءة خبرة جميلة له، مفعمة بمشاعر الإنجاز والحب والرغبة لاستكشاف هذه القدرة العجيبة التي تجعله يفك طلاسم الحروف ليترجمها إلى معانٍ وأفكار جديدة في عقله، وتستدرجه لقراءة أكثر وأكثر.
-
تكوين موقف إيجابي نحو القراءة ومشاعر جميلة نحوها من خلال عدم إجباره على القراءة وجعلها شيئًا جاذبًا له.
-
تبني أفكار واتجاهات إيجابية عن مهارات وإمكانات القراءة لدى طفلك؛ فما تعتقده وتشعر به يترجمه سلوكك، وساعد طفلك على أن يتبنى هذه الأفكار عن نفسه. مثال: “طفلي يحب القراءة في بعض الأوقات”، “ابني يتحسن ويقرأ بشكل أفضل”، “أنا أحب طريقة وأسلوب ابني في القراءة، تدهشني الأفكار التي يقدمها ابني بعد قراءته لكتاب”، “طفلي يحب أن يتعلم القراءة”. فهذه إحدى المعادلات الصحيحة التي يجب أن تبحث عنها وتؤكد عليها (بوزان، 2008).
-
عند اختيار كتب للطفل، تذكر أنك تختار كتابًا لطفلك وليس لك.
-
توفير كتب وقصص ذات نهايات مفتوحة.
-
مساعدته على اختيار الكتب ذات الصور والرسوم والألوان.
-
تشجيعه على قراءة القصص والكتب الخيالية وعالم الطبيعة والغرائب، التي تثري خياله وصوره الذهنية.
-
عندما يطرح عليك طفلك سؤالًا، تعوّد أن تلجأ إلى الكتاب للعثور على الإجابة التي لا تجد لديك جوابًا سريعًا.
-
عند قراءة كتاب للطفل، انقل له من خلال أسلوبك الشعور بالحيوية التي تبثها الكتب في الحياة، وتجعله يدرك حدسيًا الوفرة والغنى والنمو الذي تجلبه الكتب لعالمه.
وفي كتابه الرائع (الطفل الذكي) وفي فصل الفردوس يذكر (بوزان، 2008): “لقد كنت أظن أن كلمة paradise مشتقة من اليونانية القديمة وأنها تعني الجنة أو المدينة الفاضلة، وأدهشني وسرني اكتشافي أنها لم تشتق من اليونانية، بل من العربية، وأنها كلمة أساسية وملموسة كما في جنة عدن” (بوزان، 2008، ص 189). من هنا تصبح الحدائق جنات، وهذه المعلومة، عندما تقرأها، تشعل أحاسيسك الجميلة نحو الطبيعة وتجعلك تبحث أكثر عن كلمات أخرى تبهرك بنفس الطريقة. -
توفير الكتب المنمّية للإبداع، والتي تجعل الطفل يتحدى الغموض ويستكشف المجهول ويربط بين المعلومات بطريقة جديدة، فيها أصالة وابتكار.
-
قدر تفرد أفكار طفلك وتفسيره لما يقرأه مهما كان غريبًا.
-
عند القراءة، اسأله: “كيف تتخيل ذلك؟”، ليكون الخيال رفيقًا له أثناء القراءة، ولا مانع بل من الجميل أن يكون له أصدقاؤه الخياليون الذين يشاركونه متعة القراءة.
-
تعويد الطفل على سرد القصص والحكايات من نسج خياله، وكذلك القصص الطريفة، ويمكنك أن تكون مساعده أو سكرتيره الخاص الذي يدون القصص التي يمليها عليه، فهذا يظهر للطفل قيمة أفكاره.
-
مساعدة الطفل على ابتكار طرقه الخاصة لتذكر بعض الموضوعات التي يرغب بتذكرها، سواء كخريطة ذهنية أو رسم معبر أو قصة يسردها أو كلمة معبرة لبدايات المعلومات.
-
تشجيع طفلك على تدوين أفكاره عما يقرأ مهما كانت، مع الحذر من تنقيح ما ينتجه من كتابات.
-
ساعد طفلك على أن يرسم المعلومات التي تعجبه أو الأفكار التي يكونها بعد القراءة، ليبدع من خلال القراءة ويستمتع بما يقرأه بأشكال مختلفة.
-
اجعل الكتاب ذكرى جميلة، وساعد الطفل على أن يصنع ذكرياته الجميلة مثلك، مثل أول كتاب اقتنيته، الكتاب الذي أضحكني، كتاب حياتي الذي لا يفارقني، كتب أعشقها، ضيوفي من الكتب، حفلة كتاب.
ختامًا:
إن القراءة الإبداعية والخيالية مفاتيح تشغيل لنصفي الدماغ (الأيمن والأيسر)، وبوابة لإبداعه وخياله لينمو الطفل قارئًا، وينمو معه الخيال الجميل والإبداع الكامل.