في زحام الحياة المادية، حيث تتزاحم الأصوات، وتتهاوى القيم تحت وطأة السرعة واللهاث وراء النجاح،
توشك واحدة من أقدس القيم أن تُغمر بالصمت: برّ الوالدين.
فبرُّ الوالدين ليس فقط خلقًا محمودًا، وليس فقط أمرًا شرعيًا،
إنه ثقافة حضارية، ووعي إنساني، وروح لا يُمكن لأمة أن تنهض دون أن تُكرّسه في وجدان أبنائها.
أمر من السماء… لا يحتمل التأجيل
في أكثر من موضع في القرآن، قرن الله برّ الوالدين بعبادته، ليقول لنا:
﴿وَقَضى رَبُّكَ أَلّا تَعبُدوا إِلّا إِيّاهُ وَبِالوالِدَينِ إِحسانًا﴾ [الإسراء: 23]
أي مرتبة هذه؟!
أن يُجاور اسم الأب والأم اسم الرب في المقام، وأن يكون العقوق من الكبائر، والبرّ من أبواب الجنّة.
برّ الوالدين لا يعني الطاعة فقط… بل الانتماء
البرّ ليس فقط طاعة أمر أو تنفيذ طلب…
البرّ هو وعي… أن تتذكّر أن وجودك لم يكن لولاهم، أن ما تملكه اليوم من صحة وعلم ومكانة وكرامة…
كلّه خرج من رحم تعبهم، وسهرهم، وأوجاعهم، وكفاحهم الطويل.
•أن تُقبل أيديهم دون خجل
•أن تُخفض صوتك حين تكلّمهم
•أن تسأل عنهم وإن كنت مشغولًا
•أن تفرح إذا فرحوا… وتحزن لوجعهم
هذا هو البرّ… لا مجرّد علاقة بيولوجية، بل صلة روحية دائمة لا تقطعها المسافات ولا الظروف.
رسالة إلى الجيل الجديد: لا تؤجلوا البرّ
في عصر التكنولوجيا، قد نرسل وردة إلكترونية، وننسى أن “وردتنا الحقيقية” تنتظرنا في مجلسها بصمت.
نُغدق على الناس رسائل المجاملة، ونبخل على آبائنا بعبارة “أحبك يا أمي” أو “أنا فخور بك يا أبي”.
أيها الشاب… أيتها الفتاة…
اعلما أن ما تفعلانه اليوم، سيرتدّ إليكما غدًا.
فالبرّ دين… يُردّ
والعقوق أيضًا دين… يُردّ
ولربما دمعة نزلت من عين والدتك يومًا،
ستكون هي سبب حرمانك من دمعة فرحٍ ذات يوم.
ثقافة نُعيد بناءها في المدارس، المنازل، المنابر
يجب ألا ننتظر مناهج تعليمية لتُخبر أبناءنا عن البرّ،
بل نكون نحن المنهج.
•حدّثوهم عن قصص الأمهات والآباء
•خذوا أبناءكم في زيارة للجدّين
•اجعلوا من جلسة المساء دعاءً للوالدين
•افتحوا في بيوتكم حديثًا عن “كيف نُرضيهم، لا كيف نُجاريهم فقط”
نحتاج إلى أن يتحوّل برّ الوالدين من “خُلق جميل” إلى ثقافة مجتمعية، لا يشعر فيها أحد أن العناية بوالده عبء، أو أن برّ أمه تعيق حريته.
حين يضعف البرّ… تضيع الأمة
الذي لا يعرف كيف يُكرم من أهداه الحياة،
لن يعرف كيف يُكرم زوجته، ولا أبناءه، ولا وطنه.
فبرّ الوالدين يُعلّم الإنسان الثبات، الامتنان، الرقي، وحفظ الجميل.
أمة تنسى آباءها… أمة بلا ذاكرة
أمة تعقّ أمهاتها… أمة بلا روح
أمة تتنكر لمن زرع… لن تحصد الخير أبدًا
في الختام: لنُبادر اليوم… لا غدًا
إن كانت أمك أو أبوك على قيد الحياة: فاحمد الله…
وإن كانوا قد رحلوا: فالبرّ لا يتوقف، بالدعاء، والصدقة، وحسن الذكر
اجعل البرّ عنوانك، تنل بركة الحياة وطول العمر وصفاء القلب.
واعلِم أنك كلما اقتربت من رضاهم، اقتربت من الجنّة.
التعليق
في هذا الزمان كثر عقوق الوالدين وخصوصا عقوق الاب
والسبب الزوجات النرجسيات المطلقات وتشويه صورة الاب في عقول الابناء
حتى وصل الامر فيهم ان يتطاولا بالضرب على والدهم
لو قيل بر الوالدين حياة لن تموت افضل
مقالكِ كان دافئًا يلامس القلب قبل العقل 💖، أحسنتِ في اختيار موضوع برّ الوالدين، فهو قيمة تكاد تضيع وسط زحمة الحياة. أعجبني صفاء أسلوبك وسهولة عبارتك، لكن شعرتُ أن بعض الأفكار تكرّرت وكان يمكن اختصارها ليزداد المقال قوة. ولو أضفتِ لمسة من قصص أهل القدوة في برّهم لآبائهم، لكان المقال أكثر إشراقًا وارتباطًا بالقدوة.
مع ذلك، يبقى مقالكِ جميلاً ومؤثرًا، أحييتِ فيه قيمة كبيرة وذكّرتِ بواجب قد يغفل عنه الكثير. شكرًا لكِ من القلب، وجعل الله برّك بوالديكِ مدادًا يكتب لكِ الأجر في الدنيا والآخرة 🌸.
شكرا لكِ