في عالم يزداد تعقيدًا وضغطًا، باتت الصحة النفسية ضرورة لا ترفًا، وبينما تتسارع وتيرة الحياة، نجد أنفسنا بحاجة أكثر من أي وقت مضى لمن يُنصت، يُفهم، ويُعين.
“الواحة نيوز” التقت الأستاذة لجين الحبيب، الأخصائية النفسية وعضو الاتحاد العربي للتنمية البشرية والاستثمار، التي تملك خبرة مميزة في تقديم الاستشارات النفسية، لتكشف خلال حوارها، عن أهم القضايا النفسية التي تؤرق الإنسان اليوم، وتشرح كيفية العبور من ضباب القلق إلى صفاء الطمأنينة.
1. ما الدافع الذي جعلكِ تختارين التخصص في علم النفس؟ وهل مررتِ بتجربة شخصية أثّرت على هذا القرار؟
أحيانًا أسأل نفسي: “ما هي ميولات لجين التي لم تولد لأن بيئتي حفزت غيرها؟” وعرفت الإجابة”
لكن علم النفس؟
”كان من ميولاتي أيضًا .. و نبت بدري، وبشغف، كنت أجلس على درج المدرسة أتأمل تصرفات البنات، وأفكر: “ليه فعلت كذا؟ واستغرب وأفكر، وفي عمر 16، صرت أقرأ لغة الجسد، وأخذت فيها دورات وصرت مدربة فيها بتصاريح”.
لكن نقطة التحوّل الحقيقية؟
“يوم أعطتني بنت عمي هدية، ووجهي كان جامد — ليس لأني ما انبسطت، بالعكس، لكن لأني ما عرفت أعبر، وقالت لي: “ما عجبتك؟ ليه ما عبرتي؟، وانجرحت… ليس منها، من نفسي”.
ومن هنا بدأ فضولي يفهم: “لماذا بعض التصرفات تُفهم غلط؟ وما هو الشي البسيط الذي أقدر أغيره بنفسي، فيجعلني أقرب من اللي حولي بدل ما أبعد؟، وعندما دخلت التخصص، اكتشفت أنه أكبر من فضول، فيه دعاء، وامتنان، وناس تقول لك: “غيرتي حياتي.”
“أحيانًا أنسى وجوه العملاء… لكن لما احكي حاجة بسوشل ميديا ويحسون أنهم يقدرون يساعدوني يقدمون العون، ساعدتهم كأخصائية… وصاروا يساعدوني كعائلة”
2. ما الفرق بين العلاج النفسي والاستشارة النفسية؟ ومتى يحتاج الشخص لكلٍ منهما؟
يستخدم “العلاج النفسي” لمعالجة صدمات نفسية والاضطرابات ويكون من خلال جلسات منتظمه ومن منا لا يعاني من صدمه نفسية؟
مثال (شخص دائم يحس إنه ليس كفاية)، والاستشارة النفسية، تكون مثلا لإدارة توتر وفنيات اتخاذ القرار في موضوع محدد مثل ( الزواج او اختيار تخصص)
3. ما أكثر المشكلات النفسية شيوعًا التي ترد إليكِ في جلسات الاستشارة؟
بصفه عامه في العالم panic attacks نوبات الهلع.
في قصة: “عميل في العيادة كان يشتكي من الرهاب الاجتماعي أو ما يسمى حاليا القلق الاجتماعي social Anxiety
وكان من احد الجنسيات العربية، قلت له مستحيل تكون مولود ومتربي في بلدك لان هذا الاضطراب شبه معدوم في هذه البلدة
قال صحيح أنا متربي ومولود في دوله أخرى،”يعني أن كل بلد ينتشر عندهم اضطراب مختلف”.
4. هل لاحظتِ تغيّرًا في نوعية الحالات النفسية بعد انتشار وسائل التواصل الاجتماعي؟
“صار الحزن والاكتئاب يزيد… لكن لأن حياتنا سيئة، لا، لأننا نشوف حياة الناس مصورة بكاميراتهم، وحياتنا مصورة بكاميرا الجوال اللي ناكل فيه الوقت، بدون لا نصنع شي. ينتهي اليوم وحنا على الجوال، فنشعر فجأة: (أنا ناقص).”
“صرنا نشوف الأمراض النفسية تنتشر مثل كورونا، ليس عدوى فيروسية، عدوى أعراض: أحد يتكلم عن عرض نفسيـ لكن فجأة تحس إنه فيك، بدون ما تدري إذا هو شعورك أو إحساسك باللحاق.”
وتضيف: “صار فيه اضطراب جديد اسمه FOMO: الخوف من تفويت شي، ما عاد نخاف من الوحش تحت السرير، صرنا نخاف من ستوري ما حضرناه، وحتى مقياس الجمال انضغط… وكثر اضطراب تشوه الجسم، صار كل الناس تبغى تصير تمثال يوناني مع فلتر ناعم، ما عاد فيه وجوه طبيعية، ولا ملامح مرتاحة… صار فيه شكل واحد: اللي ترضى عنه الكاميرا.”
“وطلعت أنواع اضطراب تحكم جديدة، زمان التحكم كان في القمار والسرقة والحرق… لكن الآن تدفع فلوسك عشان تشوف ناس سخيفة تأكل أو تتهاوش أو تقول نكت باردة.”
وتؤكد: “السوشال ميديا لم تأتي بأمراض نفسية…لكن فتحت لها بوابة كبار الشخصيات”.
5. كيف تتعاملين مع شخص ينكر معاناته النفسية رغم وضوح الأعراض عليه؟
المعالج النفسي مثله مثل أي معالج ومتخصص، مثلا إذا ذهبت لطبيب قلب تحتاج أن تأخذ دواء، وأخذ الدواء لوم تستخدمه –
هل هذا يعني أن الطبيب فاشل، المعاناة النفسيه مثل أي مرض عضوي، بعضها مثل الإنفلونزا دواء مؤقت، وبعضها مثل السكر يحتاج إلى استمرار دوائي، فالمشكلة في تفسيرك.
6. ما رأيكِ في لجوء البعض إلى النصائح العشوائية على الإنترنت بدلًا من استشارة مختص نفسي؟
زي اللي ياخذ وصفة طبخ من تيك توك…
مرّة تطلع لذيذة، ومرّة تحرق قدرك وتحرقك معه.
7. هل كل من يعاني ضغط أو قلق بحاجة إلى جلسات علاج نفسي؟ أم أن هناك حدودًا طبيعية لذلك؟
علم النفس ليس علاجا بل علم النفس هو فهمها ومعرفة التعامل معها واتخاذ القرار وأيضا حتى كيفية اختيار شريك الحياة
على قولة الوالد دائمًا (نعالج المريض كي يكون سوي وندرب السوي لكي يكون مميزا)، والعلاج النفسي ليس فقط للمتعب أحيانًا هو للواعي اللي يريد أن يعيش أفضل.
8. كيف يمكن للإنسان أن يفرّق بين الحزن العابر والاكتئاب الذي يتطلب تدخلًا مهنيًا؟
علم النفس يعلمك كيف تفرق بين شيء عابر ومتلاشي بأفضل الطرق وعلاجه، مثل مهارة قياس المزاج، تساعد في الخروج من الحزن العابر بشكل اسرع وغيرها من المهارات.
9. في رأيك، ما أكثر الأخطاء التي يقع فيها الأهالي عند التعامل مع الضغوط النفسية لأبنائهم؟
من أكثر الأخطاء هي الجمل والكلمات التي تقال وتجرح الأشخاص، ومثال منها:
1.“انتي بس تبين تلفتين الانتباه.”
(وكأن الألم صار مسرحية!)
2.“وش ينقصك؟ كل شي عندك!”
(كأن الاكتئاب ما يجي إلا للناس اللي ما عندها فلوس.)
3.“احمدي ربك، غيرك أحسن منك.”
(مزاحمة مشاعر الشخص بمقارنات ما تخفف… تزيد الذنب.)
4.“عيب تقول كذا، استغفر ربك.”
(دمج الدين بالخجل بدل الرحمة.)
5.“أنا في عمرك كنت مسؤولة عن بيت كامل!”
(الضغط النفسي مو سباق إنجازات.)
6.“خلّك أقوى، لا تبين ضعفك.”
(كأن التعب النفسي نقص شخصية.)
7.“روحي نامي، وبتنسين كل شي.”
(وكأن النوم delete button للمشاعر.)
8.“كلنا نضايق، لا تسوين دراما.”
(التقليل من الألم ما يخليه يختفي… يخليه يدفن.
10. هل يمكن للمشكلات النفسية غير المعالجة أن تتحول إلى أمراض عضوية؟
قبل تسأل الطبيب… اسأل نفسك:
هل في شيء في نفسيتي ما قلت له: “أنا أسمعك”؟
مثال:
الضغط النفسي المزمن يرفع هرمون الكورتيزول، ومع الوقت:
•يرهق القلب
•يضعف الغدة الكظرية
•يسبب مقاومة أنسولين
•وحتى… يقصر العمر
وهنا، نرجع لكلام من لا ينطق عن الهوى ﷺ:
قال رسول الله ﷺ:
“مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم، مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو، تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى.
11. ما الأدوات أو الأساليب التي تستخدمينها عادةً في جلساتكِ الاستشارية؟
أنا ما أؤمن إن فيه “أداة وحدة” تناسب الكل.
زي البندول…
يشيل صداع أحد، ويعور معدة غيره مع إنهم كلهم مصدعين!، في ناس يناسبهم نشتغل على الطفولة، وفي ناس إذا دخلنا طفولتهم… ينقفلوا تمامًا، بعضهم يتنفسون من أول جلسة لما يستخدمون دفاتر التمارين، وبعضهم يزدهر بمجرد يسمعون: “أنا معك، وما راح أضغطك.”
أنا استخدم كل المدارس النفسية:
تحليلية، معرفية سلوكية، جدلية، وجودية، وأحيانًا حتى فني.
أنا ما اشتغل على النظرية… اشتغل على الاستجابة، ولما يبان أثر أداة أو طريقة على العميل — أتمسك فيها، وأبني عليها، لأن الهدف ليس إثبات إن الطريقة “صح”، الهدف إن الإنسان يرتاح… ويتغيّر… ويستعيد نفسه.
12. في جلسات الاستشارة هل تختلف طريقة تعاملكِ مع كل فئة عمرية (طفل – مراهق – بالغ)؟
طبعا، مثلا المراهقين ينتشر عندهم الخوف من الرفض وصراع الهوية، لازم أعطيهم مساحة آمنة واشتغل على صنع ثقة قويه بيننا وتوضيح التقبل مهما قال وغالبا بداية الجلسات الأولية يغلب عليهم الصمت حتى يثقون، وبالعادة أقولهم أنت جئت من نفسك أو أحد جاء بك؟
الأطفال
نحتاج إشراك الأهل بالعلاج وملاحظة التصرفات
وبالغالب يعبرون وهم يلعبون أو يرسمون
كبار السن
لازم اشتغل على تصالحه مع الماضي وصنع حاضر ممتع
البالغين
غالبا ألقاهم دافنين مشاعرهم وناسينها ما يعرفون أسباب تصرفاتهم او مخاوفهم، الشغل معهم على أنماط التفكير والعلاقات واتخاذ القرار والصدمات القديمة المدفونة
13. ما النصيحة التي تقدمينها لكل شخص يشعر بأنه “ليس على ما يرام”؟
فيه شي لاحظته كثير: مجرد ما نسمع عن اضطراب نفسي… فجأة نحس إننا نعاني منه! أذكر في الجامعة، كل ما الدكتورة تشرح اضطراب، البنات عيونهم تتقلب (الشك بأعلى درجاته)، وقفت يومها وقلت: “يابنات، طبيعي اللي تحسونه.
كل إنسان فيه من كل اضطراب نقطة، فيه شوية قلق، فيه حزن، فيه وسواس… بس لما تتعدى هالنقطة، وتصير تأثر على حياتك الاجتماعية أو شغلك أو حتى نومك؟ هنا نوقف ونقول: هذا ما عاد طبيعي، هذا يحتاج تدخل.”
فالسؤال ليس هل عندي قلق؟
السؤال: هل القلق هذا صار يتحكم فيك؟
14- كلمة أخيرة؟
لا تظن دايم أن تغيير الأفعال هو اللي بيغيّر مشاعرك. أحيانًا المشاعر ما تبغى حلول… تبغى حوار، تحتاج أحد يسمعها، يناقشها، ويقول لها:
“أنتِ من حقك تكونين موجودة.”
وصدقني… كنت القائد أو المنبوذ، اختلفت القصة، بس بقي الشعور: “ما أحد يحبني لذاتي”.
التعليق