في زمن التحولات الاقتصادية المتسارعة، يبرز صوت الكاتبة تهاني الخيال في صحيفة الرياض كأحد الأصوات النسائية الواعية بقضايا الاقتصاد والاستثمار والقيادة. بأسلوبها التحليلي وطرحها العميق، تسلط الضوء على الفرص والتحديات في الساحة الاقتصادية السعودية، وتستنهض الوعي المجتمعي بأهمية الفكر الاستثماري المسؤول.
في هذا الحوار الخاص لصحيفة “الواحة نيوز”، نناقش مع الأستاذة تهاني أبرز ملامح الاقتصاد السعودي، وأهمية القيادة في بيئة الأعمال، ودور الشباب والمرأة في صياغة مستقبل استثماري واعد.
كيف تصفين المشهد الاقتصادي السعودي اليوم في ظل رؤية 2030؟
نحن أمام مرحلة تحول تاريخي في بنية الاقتصاد الوطني. رؤية 2030 نقلت السعودية من اقتصاد ريعي يعتمد على النفط إلى اقتصاد متنوع يعتمد على الابتكار والمعرفة. بلغت مساهمة القطاعات غير النفطية نحو 1.76 تريليون ريال في عام 2023، أي ما يعادل أكثر من نصف الناتج المحلي الإجمالي، بحسب الهيئة العامة للإحصاء. هذه مؤشرات تعكس جدية الدولة في تحقيق التنمية المستدامة وتنويع مصادر الدخل.
في ظل هذا التحول.. ما أبرز التحديات التي تواجه المستثمرين الجدد في المملكة؟
التحديات عديدة، منها البيروقراطية في بعض الجهات، والتكيّف مع الثقافة المحلية وأطر الحوكمة، أي الإطار التنظيمي الذي يحكم العلاقة بين القطاعين العام والخاص، كالشفافية والمساءلة والامتثال. كذلك، المنافسة المتزايدة في السوق تتطلب وعياً وتخطيطاً أكثر من أي وقت مضى.
كيف يمكن تعزيز ثقافة الاستثمار خاصة لدى فئة الشباب؟
أرى أن إدخال مفاهيم الوعي المالي والاستثماري في التعليم العام ضرورة، إلى جانب دعم برامج مسرعات الأعمال وحاضنات الابتكار، وتنظيم حملات توعوية عبر الإعلام والمنصات الرقمية. الشباب هم رأس المال الحقيقي، ويجب أن ندعمهم بفكر استثماري حديث.
برأيك.. هل يملك المستثمرون الجدد الوعي الكافي بالمخاطر المالية؟
للأسف، الكثيرون يدخلون السوق بناءً على توصيات غير مدروسة، دون استخدام أدوات تحليل المخاطر أو فهم طبيعة السوق. ولهذا نرى خسائر كبيرة في المراحل الأولى. التوعية والتوجيه من خلال مستشارين متخصصين أصبحت ضرورة.
ما هو الفرق بين الاستثمار الناجح والمضاربة العشوائية؟
الاستثمار الناجح يعتمد على تحليل البيانات، دراسة السوق، رؤية طويلة الأمد، واستراتيجية واضحة. أما المضاربة العشوائية فهي سلوك سريع، قائم على الانفعالات وربح قصير الأجل، وغالباً ما يؤدي إلى خسائر فادحة.
ما مدى أهمية القيادة الواعية في إنجاح المشاريع الاقتصادية؟
القيادة الواعية تخلق بيئة احترافية مبنية على التخطيط والتقييم والتطوير المستمر. هي التي تعرف متى تخاطر، ومتى تتراجع، وتُوظف فريق العمل بكفاءة، وهذا ما يصنع الفارق في نجاح أو فشل المشروع.
ما هو دور المرأة في تطوير المشهد الاستثماري المحلي؟
دور جوهري ومتنامٍ. النساء يشكلن اليوم أكثر من 45% من المستثمرين الجدد في بعض القطاعات، وهناك ارتفاع بنسبة 112% في السجلات التجارية للنساء خلال خمس سنوات فقط، بحسب وزارة التجارة. هذه طفرة اقتصادية واجتماعية حقيقية.
ما المبادئ القيادية التي ترينها ضرورية في بيئة الأعمال؟
الشفافية، الابتكار، التمكين، اتخاذ القرار المبني على بيانات، والالتزام بالقيم المؤسسية. هذه المبادئ ليست فقط أخلاقية، بل اقتصادية بامتياز لأنها تخلق بيئة استثمارية جاذبة ومستقرة.
كيف يمكن للإعلام الاقتصادي أن يسهم في رفع الوعي المالي لدى المجتمع؟
عبر تبسيط المفاهيم المالية، وتقديم محتوى تثقيفي جذاب، وتحليل السياسات الاقتصادية بلغة غير معقدة. الإعلام له دور محوري في كسر الحواجز النفسية تجاه الاستثمار والاقتصاد.
هل تعتقدين أن مناخ الاستثمار الحالي يدعم ريادة الأعمال النسائية؟
بالتأكيد، لا سيما بعد إطلاق مبادرات مثل “كفالة” و”صندوق الصناديق – جدا”، والتي تقدم تمويلاً وتدريباً واستشارات للشركات الناشئة، وخصوصاً للنساء. المناخ الآن أكثر انفتاحاً من أي وقت مضى.
ما أبرز الأخطاء التي يرتكبها المستثمرون الجدد؟
من أبرزها: تجاهل دراسة الجدوى، الإفراط في التفاؤل، ضعف إدارة السيولة، الاعتماد على توصيات الأصدقاء، والدخول في مجالات لا يفهمونها جيداً. النجاح في السوق يبدأ من الفهم لا من الحماس.
كيف ترين مستقبل الابتكار وريادة الأعمال في السعودية؟
المستقبل واعد جداً. المملكة تستثمر في البنية التحتية الرقمية، وتطلق مشاريع مثل “نيوم” و”ذا لاين”، وتدعم الشركات الناشئة عبر مبادرات حكومية وتمويلية، مما يجعلها بيئة خصبة للابتكار وريادة الأعمال.
ما هي رسالتك للشباب الطموحين في مجال الاقتصاد والاستثمار؟
استثمروا في معرفتكم أولاً، كونوا مرنين في التكيف مع المتغيرات، لا تخافوا من الفشل، فكل تجربة تحمل درساً. أنتم الجيل الذي سيصنع اقتصاد ما بعد النفط، فكونوا على قدر الحلم.
كلمة أخيرة
في الختام، لا يسعني إلا أن أرفع أسمى آيات الشكر والعرفان لحكومتنا الرشيدة على هذا التمكين المميز والدعم اللامحدود للمرأة السعودية، والذي جعلها اليوم شريكاً فاعلاً في مسيرة التنمية الاقتصادية.
ورغم ما تحقق من إنجازات نوعية، فإننا لا نزال بحاجة إلى استمرار المتابعة والدعم، وتكثيف الجهود لتمكين المرأة بشكل أعمق وأشمل، خصوصاً في مجالات الاستثمار وريادة الأعمال، لضمان مساهمتها المستدامة في بناء اقتصاد معرفي متنوع.
المستقبل لنا جميعاً، رجالاً ونساءً، ومن خلال التعاون والإيمان بقدراتنا، يمكننا الوصول إلى آفاق أبعد تحقق تطلعات رؤية 2030.