دكة العبيد عمل درامي سعودي في عشرة حلقات يُعرض حاليا على منصة شاهد للمؤلفة هبة مشاري وإخراج الأسعد الوسلاتي ،وتدور أحداثه أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين ،ويُناقش قضية تجارة العبيد في الخليج وشبة الجزيرة العربية قبل التوحيد ،واحضارهم من أوروبا الشرقية والهند وأفريقيا وحتى من داخل شبه الجزيرة العربية ،ويتميز العمل بالصُور المُؤثرة بحجم المعاناة والمأساة ،ودقة الحوار الفلسفي للقضية بين شخصيات العمل من السماسرة وعوائل المخطوفين أو المُباعين والتجار والعبيد وأوساطهم الاجتماعية في حبكة مُتناغمة بين مُختلف البيئات الحقيقة لمواطن العبيد التي تم احضارهم منها ،وأضفت على العمل الفني صفة المصداقية للبيئة واللغة والأدوات والملابس والفترة الزمنية مع التجرد التام في رؤية الطرح الإنساني والاجتماعي والاقتصادي والديني لأبعاد القضية.
فقضية العبيد لطالما طُرحت في الدراما أو النقاش الاجتماعي أو الديني أو الحقوقي من زوايا ضيقة ومحدودة حول العبودية والحرية بشكلها الظاهري ،ولم تنفتح على الحوار الفلسفي لعمق القضية في النفس البشرية عندما يُصبح اختيار الرق في مرحلة من المراحل خيارا أفضل للعمل أو الأمان أو الإشباع من المستوى المُتأزم الذي قد يعيشه الفرد بلا كرامة ولا حرية ولا إنسانية ،وذلك من خلال اضطرار الوقوع في وحل الرذيلة أو النهب والسلب أو الإرهاب والعنف أو دخول عالم المخدرات وغيرها ،وهذا الصراع الفلسفي داخل أعماق النفس يعتمد على دقة التحليلات المنطيقة وعلى التصورات الواقعية التي لا تُعطية شرعية لاختيار بيع حريته على حساب راحة العبودية ،ولكن المقارنة تكمن بين الموت ألف مرة على شاطئ الرذيلة والجوع والألم أو النجاة على خشبة الحرية التي مات إحساسها من مُلوحة ماء البحر وكتم أنفاسها.
لقد ارتكزت الحاجة إلى العبودية في منظومة الرق على ثلاثية دكة الجنس والخدمة المنزلية والعمل الشاق ،وكلها دكات لكسر إرادة الإنسان في الاختيار وحقه في القبول من الرفض مع طالب الخدمة وتقدير الأجر عليها ،وإقرار بعض المجتمعات لها ناتج من حالة العرض والطلب عليها ،فقُوى الاستثمار تحتاج إلى هذه الدَّكات الثلاث في حياتها لتوسيع دائرة الأرباح والاستمتاع ،وقُوى الإنتاج مُضطرة لها قهرا أو اختيارا لسد رمقها والبقاء على الحد الأدنى من حياتها.
دكة العبيد هي واحدة من دكات الجلوس على قضية الحرية والاختيار في المفهوم الفلسفي داخل عمق الإنسان والتصور الأخلاقي لها ،والتي يضعها المنتهزون وأصحاب النفع والدفع في طريق المارة أمام منازلهم ،وسوف تبقي هذه الدكة كما غيرها على قارعة طريق الأمل الإنساني كتحدي لتجاوز عبوديتها من مجموعة الدَّكيك التي تستعبد حرية اختيار الإنسان في وجوده ،فالفطرة الإنسانية السليمة تدفعنا لاكتشاف المزيد من أي دكة عبيد جسدية كانت أو إيدلوجية أو اقتصادية نحو التحرر من قيودها في ذواتنا وحركتنا ،وألا تكون مطية وراحة لمن وضعها مصيدة وفخا لتخديرنا ،فدكة العبيد من القوقاز إلى الخليج وحدة مفهوم وتعدد مصاديق.