تقوم الرؤية في التدين والفقه على النظرة الخجولة في مُعالجة الاعتبار لقيمة الإنسان وحقه في تلاشي العبودية وتجريمها فيما ورد في كُتب التراث والأحكام الفقهية سواء كان بالإشارة أو الصراحة ،وإعادة إنتاج مفهوم جديد للقضية وتصحيح جميع منابع المفاهيم القديمة التي وقع الخطأ فيها عمدا أو جهلا على أساس أخلاقي ،وتنفي عن القرآن والسنة النبوية والإسلام نفيا قاطعا أي صلة بها ،فدكة العبيد التي استقت منها الفئات الضالة كداعش والنصرة والقاعدة وغيرهم فعلهم المُشين في السنوات الماضية كانت من جُذور مفهوم غنائم الرقيق المسكوت عنه في أدبيات وتأريخ المسلمين.
فهؤلاء أخذوا قول الله على ظاهره (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنْ انتَهَوْا فَلا عُدْوَانَ إِلا عَلَى الظَّالِمِينَ)البقرة 193 يقول ابن جرير: فقاتلوهم حتى لا يكون شرك ،ولا يُعبد إلا الله وحده لا شريك له فيرتفع البلاء عن عباد الله من الأرض وهو الفتنة ويكون الدين كله لله ،وحتى تكون الطاعة والعبادة كلها خالصة دون غيره ، وعنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال :(أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ ،وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ ،وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ ،وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ ،فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلا بِحَقِّ الإِسْلامِ ،وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ) رواه البخاري ومسلم ،وقوله :(بُعِثْتُ بَيْنَ يَدَيْ السَّاعَةِ بِالسَّيْفِ حَتَّى يُعْبَدَ اللَّهُ وَحْدَهُ ،لا شَرِيكَ لَهُ)رواه أحمد ،وكل هذا وغيره أشعل دافعية القتال وهو الباعث على الفتوحات التي قام بها المسلمون ومن بعدهم من أهل الإيمان.
فالرق كما عرفه فقهاء الإسلام بأنه عجز حكمي يُصيب من يقع أسـيـرا فـي حرب مشروعة فيفقد أهليته القانونية ويكون مملوكا ،وهذا العجز مُؤقت يزول بالفـداء أو العتق ،وبذلك جعل الإسلام للرق مصدرا وحيدا أقام شرعيته علـى حـرب من يعترض دعوته أو يُقاومها وألغى ما سواه من المصادر الأخرى ،ثم حض على العتق ويسر أسبـابـه فـأوسـع بـذلـك الخروج من الرق وأمر أن يُعامل الرقيق في فترة العجز الحكمي مُعاملـة كريمة تحفظ شُعوره الإنساني ،وأن يبقى بعد تحريره مرتبطا برابطة الولاء لسيده ويُعينه ويُحميه ، ولم يجعله وسيـلـة قـهـر وإذلال وإنما جـعـلـه وسيلة لنقل الرقيق من الكفر إلى الإيمان ودمجه في المجتمع الإسـلامـي (عبد السَّلام الترمانيني الرق ص 32)
لقد نقلت لنا كتب التراث عن ابن عمر رضي الله عنه:إن العبد إذا نصح لسيده وأحسن عبادة الله فله أجره مرتين ،و عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال:المملوك الذي يُحسن عبادة ربه، ويُؤدي إلى سيده الذي عليه من الحق والنصيحة والطاعة له أجران ،وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : للعبد المملوك المصلح أجران ،والذي نفس أبي هريرة بيده لولا الجهاد في سبيل الله والحج وبر أمي، لأحببت أن أموت وأنا مملوكا ،فالفهم السطحي والتوجيه النفعي لآيات القرآن الكريم من أمر القتال قد أعطى مشروعية السبي للآخر ثم نقله إلى مفهوم الرضى بما قسمه الله له والإقرار بالعبودية ؛لتأتي بعد ذلك الأحاديث والمرويات بإقرار مشروعية العبودية من حيث المبدأ كنظام اجتماعي ،والأدهى أنها تحض السادة على الرفق بالعبيد وتحض العبيد على الإخلاص في خدمة الأسياد وتعدهم بالأجر والثواب الأخروي في قبول البقاء في منظوم دكة العبيد لحين العتق منها.
لقد حان الوقت أكثر من سابقه لمراجعة تلك النصوص مراجعة دقيقة ،وما تم فهمه منها ونقدها نقدا يليق بكرامة الإنسان ،وتصفيتها من كل الشوائب التي تُسيئ إلى الإنسانية وتُضر بالإسلام وتُسقط من القيم ،وألا تبقى غنائم الحرب من البشر واحدة من دكات العبيد التي يتم الجلوس عليها.