أثار دخول فتاتين أجنبيتين من دون حجاب على شعرهما إلى ساحة المسجد النبوي الشريف يوم الثلاثاء 17 رجب 1444هـ الاستغراب والانزعاج من تصرفهما دون مراعاة لمشاعر المسلمين والمصلين وقد أدى نقل مقاطع دخولهما في السوشل ميديا إلى تحسس عامة المسلمين حول هذه الحادثة الغريبة من نوعها وقد أصدرت الرئاسة العامة لشؤون المسجد النبوي بيانا أوضحت فيه حقيقة دخول فتاتين بلباس غير محتشم لساحات المسجد النبوي وأنه عن طريق الخطأ وإفهامهما بخصوصية وقدسية ورسالة المسجد النبوي وقد أبدين تفهمهما للإرشادات وعبرن عن شكرهن وتقديرهن لحسن التعامل.
فعن أبي هريرة قال : بال أعرابي في المسجد فقام الناس إليه ليقعوا فيه، فقال النبيﷺ: دعوه وأريقوا على بوله سَجْلاً من ماء أو ذَنوباً من ماءِ فإنما بُعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين رواه البخاري وفي بعض الروايات شرع يبول “فقام الناس إليه ليقعوا فيه” بالسب والشتم والزجر فقال النبي ﷺ : دعوه ليكمل بوله والاستدامة أسهل من الابتداء، كما هي القاعدة الفقهية يعني : هناك فرق بين إنسان جاء ليبول فيقال له لا ويمنع من هذا، وبين إنسان بدأ يبول (أعزكم الله) وشرع في البول فإذا قُطع تأذى وتألم وتضرر، فالمفسدة حصلت من وقوع البول في المسجد وانتهاك حرمته، ولربما كشف للعورة، لكن في قطعه مفسدة أخرى وهي: وقوع الضرر عليه، وهذا يدل على رأفته ﷺ ومراعاته لأحوال الناس.
فالقاسم المشترك بين بول الأعرابي في المسجد ودخول الفتاتين بشعرهما حُجة وحَاجة فالأعرابي حُجته حضور الصلاة جماعة والمشاركة مع جموع المسلمين وحَاجته المُلحة لقضاء بوله لا تجعله يتأخر أو يستشعر قيمة المكان وحُرمته ،فكل أرض عنده صَعيد من الصعدات يصح البول عليها متى ما دعت الحاجه ،والفتاتان حُجتهما رُؤية المسلمين في المسجد يُؤدون الصلاة جماعة في صفوف مشتركة وكبيرة في مشهد مهيب كما في الإعلام ،وحَاجتهما إلى تفريغ إشباع ألم الفضول الداخلي في أي احتشاد جماهيري يُشاركان فيه على أي صعيد كما في مجتمعهم ،فالأعرابي والفتاتان وجهان لعملة واحدة ويُمثلان صفة الناس في طبيعة سجيتها وبساطة سلوكها دون خوف أو حذر ،فالوجهة التي قصدوها وأرادوا الدخول في حرمها تُمثل لهم اليُسر والسلام والتسامح ولا تعني لهم أبدا العنف والتوبيخ.
فرسالة المسجد النبوي الشريف منذ تأسيسه أنه محطة استقبال لكل قاصديه من جميع الناس من ذكر وأنثى وأنه مكان للتعارف المبني على القيم الإنسانية التي تُمثل أعلى مراتب التقوى وتدعو الناس إلى الاقتداء بها ،وأن أي درجة من درجات الانفعال أو الانزعاج أو التحسس أو التعنيف اتجاه صاحب أي حَاجه تصرف بها زائر المسجد النبوي سواء كان مسلما أو غير ذلك عن طريق الجهل أو الغفلة هو مُخالف لكتاب الله ولتوجيهات الهدي النبوي وللدعوة الكريمة التي سمحت بها بلادنا للأجانب من غير المسلمين للتعرف على كل مشاهد وآثار القيم الإنسانية والإسلامية التي ننتمي لها ونحمل مشعل لوائها ونفتخر برعايتها ،فهل بعد ذلك من مبرر لنا أن نعطي هذه الحادثة أكثر من حقها ؟