ليس المهم في قراءة الكتب أعدادها، بل ما يتم استيعابه منها، إذ لا قيمة لكتابٍ إلا بمقدار ما يستفيد منه القارئ. وتشبه قراءة الكتب عملية مضغ الطعام جيداً، الذي يقول خبراء التغذية إنها ضرورية من أجل هضم جيد له يمكِّن الجسم من امتصاصه. ويرجع الخبراء ذلك إلى أن المضغ الجيد والبطيء للطعام، إضافة إلى كونه يجعلك تستمتع أكثر به، فإنه يؤدي إلى إنتاج إفرازات تعمل على تعزيز الهضم بشكل جيد.
وتتطلب عملية القراءة تأنياً فيها، وأن يكون آخر ما يفكر به القارئ الانتهاء من الكتاب. ولذلك فإنه على رغم إيجابية المشاركة في مسابقات تحدي القراءة، والتي تعتمد على الانتهاء من قراءة أعداد من الكتب خلال فترة زمنية يحددها المشاركون أو لجنة ما، فإن ذلك قد ينطوي على منزلق التفكير في الكم على حساب الكيف، وهو ما لا يحبذه أحد!
إن القراءة عملية فردية تخص القارئ وحده، ولا ينبغي أن يكون لأحد تدخل فيها إلا بمقدار تقديم نصيحة غير ملزمة، وذلك لأن القدرات تختلف من شخص لآخر في الزمن اللازم لكل منهما لقراءة نص ما من جهة، وفي استيعابه من جهة أخرى. لذلك لا ينبغي أن يدخل القارئ نفسه في دهاليز المقارنات مع الآخرين وأعداد الكتب التي يقرؤونها. بل إن سرعة القراءة وأعداد الكتب المقروءة تختلف بين نوعية كتب وأخرى، فليست الكتب الأدبية كالعلمية أو الفكرية أو الفلسفية، تماماً كنوعيات الطعام والمُدد التي يستغرقها كل منها في الهضم، فكما قيل: بعض الكتب للتذوق، وبعضها للبلع، وبعضها للمضغ والهضم.
وبينما يمكن استيعاب بعض الكتب من المرة الأول التي نقرؤها، يحتاج بعضها الآخر إلى إعادة قراءة وتفكر فيها، بل وحتى دراسة لها، كما قال الفيلسوف الإيرلندي إدموند بيرك: «القراءة بلا تفكّر كالأكل بلا هضم».
ومهما حاول أحدنا أن يقرأ فإنه لن يستطيع أن يقرأ إلا نسبة ضئيلة جداً من الكتب التي أُلِّفت وطُبعت خلال التاريخ البشري، والتي تقدر بأكثر من 120 مليون كتاب بمختلف اللغات في مختلف الأزمنة. لذا يحسن بنا أن نتخير من الكتب أفضلها وأكثرها فائدة، بناءً على بعض المعطيات، منها قراءة مقدمتها وفهرسها، وقراءة مراجعات لها وما قيل فيها، في بعض المواقع، مثل موقع Goodreads. تقول الأديبة الفرنسية فرانسواز ساجان: «الأمر الوحيد الذي أندم عليه هو أنه لن يتسنى لي قراءة كل الكتب التي أود قراءتها»، وتقول الكاتبة الصينية (سان ماو): «أكثرتُ من قراءة الكتب، فتغيرت ملامحي بشكل طبيعي، في كثير من الأوقات يتراءى لي أن الكتب الكثيرة التي قرأتها تحولت إلى غيمة عابرة لا أتذكرها مرة أخرى، ولكنها في الحقيقة مازالت كامنة في طباعي، وأسلوب كلامي، واتساع آفاقي، وبالطبع يمكنها أن تظهر أيضًا في حياتي وكلماتي».
*لقد تحقق لي أني لا أصلح بطبعي للتقدم إلى أي امتحان؛ ذلك أن الامتحان يريد مني عكس ما أريد أنا من القراءة، إني أقرأ لأهضم ما قرأت، أي أحلل مواد قراءاتي إلى عناصر تنساب في كياني الواعي، أما الامتحان فيريد مني أن أحتفظ له بهذه المواد صلبة مفروزة. الكاتب الكبير توفيق الحكيم
الوعي بالقراءة كالوعي بالكتابة، نعم التحليل والفهم والنقد أسس القراءة الفاعلة، دمت مبدعا
شكرا جزيلا لك
احسنت استاذ يوسف ؛ فعلا لا نرى رياضة للعقل وتنمية لقدراته مثل الإبحار بين صفحات الكتب
رأي صائب فالوعي بالقراءة كالوعي بالكتابة، وإلل لا فائدة منها، دمت مبدعا
شكرا جزيلا لك
أنت كاتب رائع حقا ومواضيعك مشوقة
شكرا جزيلا لك
القراءة فعل حر أخشى عليه من قيد التجمل والمجاملة . لذلك في كثير من الأحيان تكون قراءتنا شخصية ونحن نكتشف لاحقا كيف اثرت في حجم المعرفة الذي اكتسبناه خلالها
كل التقدير ليراعك
شكرا جزيلا لك
قرأت المقال واكتشفت بأن كاتبه المبدع قداتعب نفسه في قراءة مقالات كثيرة وهضمها ثم اتحفنا بهذه المقالة.
بوركت أناملك استاذي الفاضل
شكرا جزيلا لتعليقك. يوسف الحسن
التعليق
جمييل جدا ورااااائع
شكرا جزيلا . يوسف الحسن
الوعي بالقراءة كالوعي بالكتابة، نعم التحليل والفهم والنقد أسس القراءة الفاعلة، دمت مبدعا
حاولت ان اقراء مقالك بصورة بطيئة و حاولت ان اقرأها مرة أخرى فعرفت ان مقالك ليس للتذوق و لا للبلع بل للهظم – مقال جميل سافرت معه و وصلت الى محطة الوصول بسلام – حقا الكتابة فن و ذوق و علم و اخلاق. جاد قلمك المهندس يوسف و لكل حرف منه لك منا دعاء
شكرا جزيلا لك دكتور علي . .منك تعلمنا . يوسف الحسن