د.هاجر السلطان تكتب: “فانطلقا” فعلٌ ماضٍ يُعلّمنا معنى الحركة.. والثقة المشتركة.. والبدايات

التعليقات: 3
د.هاجر السلطان تكتب: “فانطلقا” فعلٌ ماضٍ يُعلّمنا معنى الحركة.. والثقة المشتركة.. والبدايات
https://wahhnews.com/?p=91802
د.هاجر السلطان تكتب: “فانطلقا” فعلٌ ماضٍ يُعلّمنا معنى الحركة.. والثقة المشتركة.. والبدايات
الواحة نيوز

في بداية شهر ديسمبر، كنت أستمع إلى تلاوة سورة الكهف، وفجأة استوقفني فعل «فانطلقا».

في ذات اللحظة التي تكرر ذكر هذا الفعل في قصة موسى والخضر، أشرقت في داخلي فكرة.لم يكن التوقف عند الكلمة مقصودًا، بل جاء انسيابيًا، وكأنها دعوة خفية. وللمرة الأولى شعرت بأن هذا الفعل يحمل ظلالا من المعاني العميقة، أكثر من أنه فعل يدل على الحركة والاندفاع.

قرأت في قوقل “انطلق” تعني الاندفاع والتحرر، والبدء بالحركة بسرعة، كما قد تعني التدفق في الكلام بلا تعثر، أو الشعور بالانشراح والانبساط. ابتسمت حينها، وزاد فضولي لفهم أبعاد تلك المعاني في حياتنا وفي علاقاتنا. ومنذ ذلك الحين، أصبح هذا الفعل يشغلني بثنائيته ونشاطه.

بالنسبة لي لم يكن مجرد فعل ماض يصف حركة، بل بدا حيًّا ونشطًا…

ولكني اخترت أن أنتظر، حتى يتضح له معنى أعمق.

اليوم، ينتصف الشهر، ويشرق في داخلي شعور مختلف.تلتقي الفكرة بالشعور لتخلق لحظة تنوير متوازية ومتزامنة مع أحداث هذا الشهر. ففي بدايات ديسمبر، بدأت مع فريقي العمل على مشروع كبير.كنا نتحرك بنيّة واضحة، ولكن بإجابات ناقصة عن المكان، الزمان، العدد، حجم المشروع. لم نكن متأكدين من كل شيء، ومع ذلك… بدأنا وتحركنا بثقة.

اليوم، ومع انتصاف الشهر، تجلت لي معاني هذا الفعل في قصة موسى والخضر:الفهم لم يسبق الحركة. الفهم نتيجة تزامن. موسى لم ينطلق وحده، والخضر لم يسر أمامه، بل انطلقا معًا رغم اختلاف المعرفة، واختلاف الدور، واختلاف زاوية الرؤية. في لحظة الالتقاء تلك، تحول الفعل إلى دعوة واعية للحركة، للثقة، وللفهم المشترك. وكأنها دعوة لإعادة تعريف معنى العمل المشترك: في الفرق، وفي الشراكات، وفي المشاريع.

نعم، كثيرًا ما نميل إلى الاعتقاد بأن النجاح أوالتقدم لا يأتي إلا بعد اكتمال الصورة، وبعد وضوح الرؤية، وبعد الوصول إلى يقين.

لكن الواقع يعلمنا المرونة في التحرك وفي الفهم. فكثير من المشاريع الإبداعية لا تولد مكتملة، بل تبدأ برؤى غير واضحة، وبإجابات ناقصة.

ما بدأ ناقصًا في أول ديسمبر، اكتمل بالأمس، واكتملت معه الصورة ببهاء. تكللت المساعي بالنجاح، وكأن الطريق نفسه كان يبني المعنى خطوةً خطوة. وهنا أدركت أن الانطلاق معًا يعكس الثقة بالحركة التي لا تُكتسب من الاندفاع وحده، بل من التزامن الواعي والثقة المشتركة، حين يقرر الطرفان المشي معًا رغم عدم اكتمال الفهم. فالحركة تكتسب قوتها حين نشاركها مع الآخرين، وما يبدو غامضًا أو غير واضح في البداية، ليس بالضرورة عائقًا؛ بل قد يكون داعما لفرصة أكثر توسعا ووعيا.

في منتصف ديسمبر، أتعلم أن الانطلاق ليس مجرد حركة، بل هو فعلٌ فكري، وعاطفي، وجسدي. وأن ما هو غير واضح، غير مكتمل، غير محسوم… ليس بالضرورة دليلاً على التأخر، بل قد يكون دعوة للاتساع، وللتأمل، ولتشكّل الفهم تدريجيًا.

د.هاجر خليفه السلطان

أستاذ مساعد الثقافة وتعليم اللغة الانجليزية كلغة ثانية/أجنبية

جامعة الملك فيصل

التعليقات (٣) اضف تعليق

  1. ٢
    Sama Adel

    لم يكن تأمل رائع وإنما أكثر من ذلك!
    حملتني تلك الكلمات وبلاغة الوصف للتخيّل كقصة واقعية
    في ذهني أدّت إلى القشعريرة🌟..
    ماشاءالله تبارك الرحمن🩵

  2. ١
    زائر

    شكرا على افكارك وأطروحاتك الرائعة زادك الله علما وعملا وبركة

اترك تعليق على زائر الغاء الرد

بريدك الالكترونى لن نقوم بأستخدامه.

You may use these HTML tags and attributes:
<a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <s> <strike> <strong>