منهال الجلواح يكتب: فلسفة التحرر من العلاقات السامّة

التعليقات: 6
منهال الجلواح يكتب: فلسفة التحرر من العلاقات السامّة
منهال الجلواح
https://wahhnews.com/?p=89935
منهال الجلواح يكتب: فلسفة التحرر من العلاقات السامّة
الواحة نيوز

في رحلة الإنسان، هناك لحظات تبدو كأنها انكسار، لكنها في الحقيقة ولادة جديدة بكل أبعادها. خسارة بعض العلاقات السامّة ليست فراغاً، بل مساحة يتنفس فيها القلب بعد طول اختناق، وكأننا نخلع عباءة مثقلة بالغبار لنرتدي ثوباً جديداً من النور.
فالتحرر من بعض العلاقات ليس هروباً، بل عودة إلى ذواتنا، إلى ذلك الصوت الداخلي الذي يهمس: “أنت تستحق أن تُحاط بمن يرفعك لا بمن يثقل روحك”.
حيث يرى بعض الفلاسفة أن الانفصال عمّا يؤذي هو أول خطوة نحو الحكمة.

العلم يكشف أثر العلاقات
إن كان الشعور الداخلي يطالبنا بالتحرر، فإن العلم يمدّنا بالأدلة التي تؤكد أن هذا القرار ليس عاطفياً فقط، بل صحياً وضرورياً.

– Uchino (أستاذ علم النفس الصحي، جامعة يوتاه، 2005): أثبت أن العلاقات السلبية ترفع مستويات الكورتيزول (هرمون التوتر)، بينما العلاقات الإيجابية تعزز المناعة وتقلل من خطر الأمراض المزمنة.
– Ross وآخرون (جامعة كالغاري، 2020): أوضحوا أن التفاعل بين الإيجابية والسلبية في العلاقات القريبة ينعكس مباشرة على الصحة الجسدية والنفسية.
– Mount Sinai Hospital (علم الأعصاب الاجتماعي، 2025): كشف أن الدماغ يوازن بين التجارب الاجتماعية، وأن اختلال هذا التوازن يؤدي إلى اضطرابات مثل القلق والاكتئاب.

فالعلم يقول لنا بوضوح: التحرر من العلاقات السامّة ليس قراراً عاطفياً فقط، بل خطوة واقعية نحو حياة صحية.

الفلسفة تضيء معنى التحرر
ما يثبته العلم في الجسد، تكشفه الفلسفة في الروح؛ فالفلاسفة منذ قرون تحدثوا عن معنى الانفصال كطريق إلى الحكمة والصفاء الداخلي.

– ماركوس أوريليوس (فيلسوف رواقي): “ليس الموت ما يجب أن يخشاه الإنسان، بل أن لا يبدأ أبداً في العيش”.
– سينيكا (فيلسوف آخر): “ارتبط بمن يجعلك إنساناً أفضل”.

الواقع يروي قصصه
الفلسفة لا تبقى مجرد أفكار في الكتب، بل نجد صداها في حياتنا اليومية، حيث يروي الواقع قصصاً تؤكد أن التحرر من العلاقات السامّة يفتح أبواباً جديدة:

– موظف ترك بيئة عمل مليئة بالنقد الجارح رغم وجود حوافز مالية عالية، ليجد نفسه أكثر إبداعاً حين انتقل إلى بيئة أخرى تقدّر جهوده.
– وآخر أنهى صداقة طويلة لكنها كانت مليئة بالاستغلال والاستنزاف، ليكتشف بعدها دائرة جديدة من الأصدقاء الذين يشاركونه الاهتمامات ويعززون ثقته بنفسه.
– كثيرون يرون أن الانفصال عن دوائر سلبية منحهم وقتاً للتأمل، ممارسة هوايات، أو حتى إعادة بناء علاقتهم بأنفسهم.

التحرر كخطوة نحو الإبداع
ومن هذه القصص الواقعية، ننتقل إلى بُعد آخر: كيف يصبح التحرر شرارة للإبداع، وكيف تتحول الحرية إلى طاقة خلاقة.

– الدراسات الحديثة في علم النفس الإبداعي تؤكد أن البيئة الداعمة ضرورية لتفجير الطاقات، وأن الابتعاد عن العلاقات السامّة يفتح المجال أمام الإبداع، لأن العقل يتحرر من النقد السلبي المستمر والضغط النفسي.
– كثير من العلماء والمفكرين والكتّاب والفنانين وجدوا أن الانفصال عن دوائر سلبية كان الشرارة الأولى لإنتاج أعمال عظيمة.

التحرر كمسؤولية أخلاقية
غير أن التحرر لا يقتصر على الإبداع الفردي، بل يتجاوز ذلك ليصبح مسؤولية أخلاقية، لأن اختيار بيئة صحية ينعكس على المجتمع بأسره.

– علماء الاجتماع يرون أن الفرد الذي يختار بيئة صحية يساهم في بناء مجتمع أكثر توازناً.فمن هنا يصبح التحرر بعيداً عن الأنانية، بل يساهم في خلق دوائر مجتمعية أكثر إيجابية.

التحرر كإعادة بناء العلاقات الصحية
وإذا كان التحرر مسؤولية، فهو أيضاً بداية لإعادة بناء علاقات أكثر صحة وتوازن.

– علم النفس الاجتماعي يؤكد أن الانتماء إلى مجموعات داعمة يقلل من الشعور بالعزلة ويزيد من الرضا عن الحياة.
– الفيلسوف أرسطو وصف الصداقة بأنها “مرآة للفضيلة”، أي أن العلاقات الصحيّة تعكس قيمنا وتدعم نمونا.

وهكذا، يصبح التحرر من العلاقات السامّة بداية لتأسيس دوائر جديدة قائمة على الاحترام والدعم المتبادل.

همسة أخيرة
بين العلم الذي يثبت، والفلسفة التي تُضيء، والواقع الذي يروى، والإبداع الذي يتفجر، والمسؤولية التي تتسع، ندرك أن التحرر من العلاقات السامّة ليس نهاية، بل بداية طريق أكثر إشراقاً. إنه ولادة جديدة للروح، وإعادة بناء للذات، وتأسيس لعلاقات أكثر صحة وإعلان صامت بأننا اخترنا أن نعيش بصدق، وأن نحيط أنفسنا بما يرفعنا لا بما يثقلنا.

“وما الفقد إلا بدايةٌ أخرى، كغصنٍ يُقطع ليزهر الشجر من جديد.”

 

التعليقات (٦) اضف تعليق

  1. ٦
    زائر

    موضوع جميل من لدن الكاتب و المدرب المتميز استاذ منهال. هذا المقال بمثابة علاج لكثير من الامراض و السموم التي لا نتخلص بها عبر غسيل الكلى و لكن من قبل بتر العلاقة السامة. قد يؤلم البتر في حينه و لكن حياة جديدة تبرأ هذا الجرح و بسرعة.
    هناك فرق بين ان تقرأ سطور الكاتب و بين ان تعيش الكلمات و تسقطها على حياتك و تذهب إلى ماهو ابعد من التسلية إلى التغير و الهروب للأفضل من خلال اكتشاف العلاقات السامة و التخلص منها و ليكن بشكل تدريجي.
    استاذ منهال كنت موفقا جديد في تتويج مقالك بالهمسة الاخيرة فلقد كانت بمثابة التغذية الراجعة و بمثابة الختم الاحمر الذي زين مقالكم الرائع

  2. ٤
    زائر

    تحية طيبة لك استاذي العزيز أبا تسنيم وفي صدد هذا المقال الرائع الذي يتحدث عن تجربة شخصية حول هذا الموضوع التي فعلا بدأت حياة جديدة وكأنها ولادة لعهد جديد لي بعد التحرر من علاقة سامة دامت طويلا وكيف وجدت الجانب المشرق من حياتي التي طالما اخفته هذه العلاقة .
    فعلا وبكل اختصار تحررك من مثل هذه العلاقات تجعلك تسمو بروحك الحقيقة والحياة الرائعة التي لطالما أنتظرتها مثل هذه العلاقات تسلب منك كل في حياتك وتجعلك تعيش حياة فقط مسمى ولكن في الواقع أنت ميت بمعنى جسد بلا روح .

    • ٣
      زائر

      اتوجّه إليك بخالص الشكر على هذا المقال المضيء، الذي جمع بين لغة رقيقة، وطرح واعٍ، ورؤية متوازنة تُعيد للذات صوتها وللروح هدوءَها. لقد نجحت في تقديم معنى التحرر من العلاقات السامّة كخطوة نحو النضج لا الهروب، وكبداية لتجدد داخلي لا كنهاية مؤلمة.

      وأثريتنا بربطك بين العلم الذي يثبت أثر العلاقات على الصحة، والفلسفة التي تضيء الطريق بالحكمة، والواقع الذي يروي تجارب قريبة من القلب، إضافة إلى إبراز التحرر كمسؤولية تؤثر على الفرد والمجتمع معاً.

      شكراً لك على هذا الطرح الذي يذكّرنا بأن الفقد ليس دائماً خسارة، بل أحياناً بداية تُزهر فيها الروح من جديد، كما قلتَ في خاتمتك الجميلة:
      “وما الفقد إلا بدايةٌ أخرى، كغصنٍ يُقطع ليزهر الشجر من جديد.

  3. ٢
    زائر

    طرح مميز جدا يمس الواقع كل التوفيق أستاذ منهال يا مبدع

  4. ١
    زائر

    مقال عميق جدا يعكس عمق تجربة الكاتب
    موفق استاذ منهال، دائما مقالاتك في الصميم

اترك تعليق على زائر الغاء الرد

بريدك الالكترونى لن نقوم بأستخدامه.

You may use these HTML tags and attributes:
<a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <s> <strike> <strong>