في تاريخ الفن الإسلامي، تجنّب الفنان المسلم تصوير الأرواح، سواء الإنسان أو الحيوان، التزامًا بمعتقداته الدينية. فقد جاء الإسلام ليحرر الإنسان من عبادة الأوثان، فتطوّرت لدى الفنان حساسية خاصة تجاه تجسيد الأرواح لما تحمله من تذكير مباشر بالمرحلة الوثنية السابقة للإسلام.
ومن هنا اتجه الفنان إلى ابتكار بدائل جمالية غنية وعميقة، كان من أبرزها الزخارف الهندسية التي تعكس النظام واللانهاية. فقد ظلّ الفن الإسلامي قروناً طويلة موضع إعجاب لجمال هندسته الدقيقة؛ ما يبدو للعين مجرّد زخرفة، هو لغة عميقة من النظام والتوازن والروحانية. وفي قلب هذه اللغة يكمن مبدأ واحد: الجمال في التكرار.

أصبحت الهندسة لغة بصرية مقدّسة، تُترجم التناظر واللانهاية، وتعكس صلة الإنسان بالمطلق. إن تكرار الأشكال الهندسية، من الدائرة والمربع إلى النجمة والمضلّع، يمثّل رمزاً لطبيعة الله اللامتناهية. فعنصر واحد حين يُعاد مراراً على الجدران والقباب والساحات يتحوّل إلى خريطة كونية تُشعر الناظر بالرهبة وتفتح أمامه باب السموّ.
وجمال الزخارف الهندسيه هو ثمرة حسابات دقيقة. فقد استعان الفنانون والمعماريون بالبوصلة والمسطرة لرسم تصاميم تُبنى على قياس صارم وانسجام رياضي. من النجمة ذات الثماني نقاط إلى الشبكات المعقدة من التكرارات، كل خطّ مرسوم يعكس تزاوجاً بين الفن والعلم.
هذا الانضباط لم يكن تقنياً فحسب، بل روحياً أيضاً. فالتكرار الدقيق لعنصر واحد هو وسيلة للتأمل، يمارس فيها الفنان طقساً من الانسجام بين إبداعه البشري وكمال الخالق. التكرار في الفن الإسلامي يتميز بإيقاع حي؛ فالأنماط تتسع وتتداخل وتتطوّر، فتوحِي بالثبات والنموّ في آن واحد، سواء في مقرنصات قباب المساجد أو زخارف أفنية المدارس، ليخلق موسيقى بصرية تُغمر العين والقلب معاً بشعور من الانسجام.

وبهذا التكرار والتداخل الإبداعي يتحوّل العنصر العادي إلى استثنائي. فالخطّ البسيط حين يُعاد يصبح نسيجاً من المعاني، كقصيدة بصرية، وهو صدى لحقيقة روحية: كالصلاة اليومية التي تتكرّر ولا تفقد عمقها، كذلك الأنماط الهندسية تتجدّد مع كل نظرة، وتفتح أفقاً جديداً للتأمل.
الزخارف الهندسة الإسلامية ليست لتزيين الجدران فحسب، بل لتشييد فضاءات للسكينة والتأمّل. فحين يحيط بالمصلي جمال متوازن ومنظوم، يتهيأ قلبه للسلام والسمو. إن التكرار هنا ليس عبثاً، بل هداية بصرية توجه الروح نحو المطلق.
ويظهر هذا الإبداع جليا في قصر الحمراء بالأندلس من أهم النماذج للزخرفة الهندسية، إذ يحير العقول بإتقان شبكاته المعقّدة والنجوم المتداخلة، التي تعكس توازنًا مدهشًا بين الفن والرياضيات وتُجسّد روعة العمارة الإسلامية في أوجها. ويزخر العالم الإسلامي بالكثير من النماذج المعماريه في القاهره وتركيا ودمشق وتعد تحف فنيه عظيمه في زخارفها
وهكذا يبقى تكرار الهندسة في الفن الإسلامي سيمفونية بصرية تخاطب الروح بعذوبتها، وتُشعر المتأمل بأن الجمال الحقيقي لا ينفصل عن النظام والتوازن، بل يولد منهما في تناغم أبدي يلامس القلب قبل العين. إنه الفن الذي يجمع بين العقل والروح، بين العلم والجمال، ليصبح رسالة خالدة لكل من يتأمل فيه.

بنين الحرز بالتوفيق يا بنين
المقال جميل جدًا، يظهر القصة التاريخية خلف جمال الفن الهندسي الاسلامي والحلول التي يبتكرها الفنان للتناسب مع الثقافة الدينية مع المجتمع، ويبين لنا أيضًا أن الزخرفة ليست مجرد زينة للمكان وإنما لغة من التوازن والانسجام والروحانية 👌🏻
التعليق