عبدالله المسيان يكتب: هاشتاق أقوى من مانشيت

1 تعليق
عبدالله المسيان يكتب: هاشتاق أقوى من مانشيت
https://wahhnews.com/?p=85286
عبدالله المسيان يكتب: هاشتاق أقوى من مانشيت
الواحة نيوز

من السبعينيات حتى التسعينيات، كان المشهد الإعلامي تقليديًا بامتياز؛ الجرائد سيدته الكبرى، وإلى جوارها الراديو والتلفاز، تشكل وعي الناس وتؤثر في قرارات المسؤولين. كانت لكتاب الأعمدة هيبة لا تُضاهى، يقرأ لهم المسؤولون قبل العامة، وتؤخذ كلماتهم على محمل الجد.

لكن عام 2000 جاء نقطة تحول فاصلة. مع دخول الإنترنت البيوت، وظهور مقاهي الإنترنت، بدأ فصل جديد يطيح تدريجيًا بالإعلام الكلاسيكي. شيئًا فشيئًا، أخذ الناس يقتنون الحواسيب المنزلية، ويشتركون في الخدمة الجديدة آنذاك: الإنترنت. ومع مرور الأعوام، ازداد عدد المستخدمين، وبدأت تتشكل ملامح قوة إعلامية مختلفة، تنافس وتزاحم الإعلام القديم على جمهوره.

هذا التحول لم يكن فجأة، بل بالتدريج. بدأ الإعلام الجديد صغيرًا، كمتفرج بعيد، ثم اقترب ليزاحم، ثم ينافس، حتى غدا اللاعب الأقوى، فيما تراجع الإعلام التقليدي إلى الظل.

طلائع الإعلام الجديد بزغت من المنتديات الإلكترونية بعد عام 2000، ثم جاءت ثورة الهواتف المحمولة. مع ظهور جوالات الكاميرا من نوكيا في منتصف العقد الأول من الألفية، انفتح باب جديد تمامًا. فالمواطن العادي صار يملك أداة لم يملكها من قبل: كاميرا في جيبه. هذه الأداة حوّلته إلى شاهد وموثق وصاحب خبر، يردم الثغرة التي كان يتركها الصحفيون المحترفون.

ثم جاءت الأجهزة الذكية، لتضاعف من هذا الأثر. ومع انطلاق منصات السوشال ميديا: فيسبوك، إكس، إنستغرام، سناب شات، تيليجرام، وتيك توك، صار كل إنسان صحفيًا محتملًا. بين يديه جهاز يضم دفتر ملاحظات ومسجل صوت وكاميرا عالية الدقة وبثًا فوريًا للعالم كله.

اليوم، هاشتاق واحد في منصة إكس قد يكون أقوى عشرات المرات من مانشيت عريض في أكبر جريدة. مقطع فيديو عابر قد يقيل مدير مستشفى أو يطيح بمسؤول في غضون ساعات. منصة إكس تحديدًا باتت تملك تأثيرًا مدويًا، يتفوق بما لا يقاس على مقالات الرأي والزوايا الصحفية التي كانت تُهاب قديمًا.

حتى الكتّاب والصحفيون أنفسهم لم يعودوا يكتفون بالصحف الورقية أو النسخ الإلكترونية. صاروا ينشرون مقالاتهم في حساباتهم على إكس طلبًا لصدى أكبر، وتفاعل أسرع، وانتشار أوسع.

لقد تبدلت الموازين؛ صار الهاشتاق أقوى من المانشيت، والمواطن العادي أقرب إلى الناس من الصحفي المحترف. ومع ذلك، فدوام الحال من المحال؛ وما الإعلام الجديد اليوم إلا تقليدي الغد.

التعليقات (١) اضف تعليق

  1. ١
    عبير ناصر السماعيل

    مقال عميق للأستاذ عبدالله يصف تحولاً جوهرياً في طبيعة السلطة والتأثير. فالمانشيت، أو التغريدة كما نعرفها اليوم، لم تعد مجرد خبر، بل تحولت إلى ما يشبه “سلاحاً يُغرس” أو “بذرة تُزرع”، لا في الأرض، بل في أرض الوجدان الجماعي.

    وهنا تكمن قوتها الهائلة وخطورتها؛ فهي قادرة على إشعال نار قد تضيء الطريق، أو حريق قد يلتهم كل شيء. والموضوع ليس في كونها إيجابية أو سلبية، بل في حقيقة قوتها التي غيّرت موازين اللعبة.

    لقد وصلنا إلى زمن تتجرد فيه الكلمة من قائلها. فكم من شخص ظنناه مغموراً، أصبحت كلماته فجأة أقوى من الصدى، تتحول إلى مصدر صوت لا مجرد انعكاس له. وفي المقابل، كم من شخصية شهيرة، أصبح الناس يتساءلون عن هويتها أو أهميتها، لأن كلماتها، عندما عُرضت مجردة، لم تجد لها مكاناً في وعي الناس.

    هذه هي الحقيقة الجديدة: لم تعد القوة في اسم القائل، بل في أثر الكلمة في ساحة الوجدان الجماعي. فالسلطة لم تعد حكراً على من يملك المنبر، بل أصبحت في جوهر الكلمة ذاتها ومدى قدرتها على ملامسة الحقيقة في أرواح الناس.

اضف تعليق

بريدك الالكترونى لن نقوم بأستخدامه.

You may use these HTML tags and attributes:
<a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <s> <strike> <strong>