الرواية ليست مجرد حكاية تُروى، ولا كلمات تُنسج على ورق، بل هي محاولة إنقاذ، وبحثٌ حميم عن المعنى.
نكتب الرواية حين تضيق بنا الحياة الواقعية، ونشعر أنَّ ما لا يُقال في جلساتنا اليومية، يمكن أن يُقال في صفحاتٍ تستقبلنا بلا حكم ولا خوف.
نكتب الرواية لأننا نحتاج إلى مرآة.. لكن ليست تلك التي تُظهر وجوهنا، بل التي تعكس دواخلنا: أسئلتنا، خيباتنا، شكوكنا، ورغبتنا العميقة في التماسك وسط التناقض.
نكتب الرواية كي نمنح أنفسنا فرصةً للبوح المؤجل، للحديث باسم شخصيات خيالية، تُشبهنا أكثر مما نُدرك.
نتخفّى خلف أبطالنا، ونواجه العالم بألسنتهم، ونُرمم شروخًا لم يجرؤ الواقع على مداواتها.
نكتب الرواية حين نصمت طويلًا في الحقيقة، فنثور في الخيال.
نكتب لأن هناك وجعًا لم يفهمه أحد، فصغناه في قصة؛ لأننا نحتاج أن نحكي، لا للناس فقط، بل لأنفسنا أولًا.
الرواية، في جوهرها، ليست عن الآخرين، بل عنّا، نحن الذين نكتبها.
نكتب لأن الذاكرة ثقيلة، واللحظة عابرة، ولأن ما عشناه لا ينبغي أن يضيع.
الرواية تحفظ التفاصيل، تُخلّد الصوت الخافت، وتمنح الحياة الثانية لمن لم يُنصفهم الواقع في المرة الأولى.
وقد نكتب كي نسامح، أو نفهم، أو نُعيد ترتيب ما اختلّ.
الرواية فسحة تأمل.. نكتب فيها ما كان يمكن أن يكون، ونختبر من خلالها خيارات لم نجرؤ على اتخاذها.
وفي أعماقنا، ربما نكتب الرواية لأننا نريد الخلود، لا بجسدٍ أو اسم، بل بأثر.
أن تصل كلماتنا إلى من يشبهنا في مكانٍ ما، ويقول: هذا النص يتحدث عني.
أن يجد القارئ في صفحاتنا صوتًا كان يبحث عنه دون أن يدري.
فلماذا نكتب رواية؟
لأننا بشر، نحمل في أرواحنا الكثير، ونحتاج إلى مساحة تقول عنا ما لم نعد نستطيع قوله بصوتٍ عالٍ.
نكتب الرواية.. كي لا نضيع.
وها أنا أكتب قصة وأكتب رواية لأني أجد متنفسي في مسرحها!
التعليق
جميل ماسطرته سلم القلم والبراع ونحن في الانتظار لسحر الحكايا والروايه
من جمال ذائقتكم الأدبية .. شكري وامتناني .
دوما تبهرينا بما هو مفيد
تسلم لنا أياديك الوضاءة وقلبك الطاهر يحفظك ربي دين ودنيا وآخرة
وما هو أشد إبهار مروركم الكريم