الإجازة التي يأخذها الزوجان قبل الولادة. حفلات المولود الجديد. هناك العديد من هذه الفرص للاحتفال بمرور 40 أسبوعًا على الانتقال إلى مرحلة الوالدية. غالبًا ما تفترض ضمنيًا هذه الاحتفالات أن حالة الحمل هي حالة تعاونية ومفيدة لكل من الأم والجنين. لكن هذا الاعتقاد يخفي وراءه حقيقة مثيرة للاهتمام عن الحمل – وهي أن الأم والجنين قد لا يتعايشان بسلام في نفس الجسم بشكل تام.
في الجوهر، هناك تعارض بين مصالح الأم والجنين. على الرغم من أن هذا قد يبدو كبداية قصة مثيرة، فإن هذا التعارض (التضارب) الجيني [التعارض الجيني بين جينات الأم والجنين يقع حين تختار جينات الجنين زيادة نقل العناصر الغذائية إلى الجنين وتختار جينات الأم الحد من عمليات النقل التي تزيد عن بعض حاجة الأم المثلي](1) هو جانب طبيعي من عملية الحمل، مما يؤدي إلى تطور ونمو طبيعي أثناء الحمل وأثناء عمر الشخص – وهو شيء تتمحور حوله أبحاثي(2).
ومع ذلك، على الرغم من أن التعارض الجيني أمر طبيعي أثناء الحمل، إلا أنه يمكن أن يلعب دورًا في مضاعفات الحمل واضطرابات النمو لو خرج عن السيطرة.
ما هو التعارض الجيني؟
يُنظر إلى الحمل عمومًا على أنه فترة يتكون خلالها مولود جديد من مزيج موحد من جينات الأب والأم، لكن هذا ليس صحيحًا على اطلاقه.
الجينات التي يحصل عليها الجنين من كل من الأب والأم تحمل تعليمات مختلفة قليلاً من أجل تطوره. وهذا يعني أن هناك بصمتين متناقضتين وأحيانًا متضاربتين عن كيف يتكون المولود الجديد. التعارض في أي بصمة من هاتين البصمتين تُقتفى لنمو الجنين وتطوره يُعتبر جوهر هذا التعارض الجيني الذي يحدث أثناء الحمل.
على الأم أن تستخدم جسمها لمساعدة الجنين على التطور والنمو أثناء الحمل بينما لا يحتاج الأب إلى ذلك. وهذا يعني أن الجينات التي يرثها الجنين من الأم لا ينبغي أن تتكفل فقط بوجود الجنين الحالي، بل تحاول أيضًا أن تبقي الأم على قيد الحياة وأن تكون بصحة جيدة وتضمن وجود بقاء موارد كافية لحالات حمل محتملة في المستقبل. هذه الاحتياطيات تشمل كلاً من الموارد البيولوجية مثل الجلوكوز والبروتين والحديد والكالسيوم، بالإضافة إلى الوقت والطاقة اللازمين للأم لمساعدة طفلها بعد الولادة على النمو والتطور.
لا تتعرض جينات الأب إلى نفس الضغوط لأنه لا يستخدم جسمه لمساعدة الجنين على النمو أثناء الحمل. لذلك، لا تحتاج جينات الأب أن تتكفل بنمو وترعرع أي جنين آخر في المستقبل غير الجنين الحالي.
مقطع فيديو: آثار عملية الحمل: https://youtu.be/F_ssj7-8rYg
الحمل يؤثر في كل عضو من أعضاء الجسم.
لفهم هذه الحالة بشكل أفضل، تخيل أن جميع الموارد التي تتمكن الأم أن توفرها لجيننها تأتي في شكل مخفوق حليب (ميلك شيك milkshake وهو شراب بارد حلو معظمه من الحليب ويُحضر بعدة نكهات). بمجرد أن ينفد هذا المشروب، لم يبقَ لدى الأم أي شيء لتزود به جنينها. لذلك، جينات الأم تريد أن يقوم كل جنين بشرب قدر ما يحتاجه للنمو والتطور، وبهذا تضمن إمكانية أن “يتشارك” في الحليب المخفوق الجينين الحالي والأجنة الذين ستحمل بهم هذه الأم في المستقبل.
جينات الأب، من ناحية أخرى، ليس لديها هدا التكليف بضمان حق الأجنة الآخرين الذين ستحمل بهم هذه الأم في المستقبل – قد لا يكون والد الجنين الحالي والدًا للأجنة التي قد تحمل بهم هذه الأم في المستقبل. عدم التكليف بضمان حق الأجنة التي قد تحمل بهم الأم في المستقبل يعني عدم وجود ضغط على الأب في “ضمان حق” هؤلاء الأجنة من الحليب المخفوق، وأفضل استراتيجية عندما يتعلق الأمر بالجينات الأبوية، إذن، هي أن يشرب الجنين أكبر قدر ممكن من هذا الحليب المخفوق.
تلعب هاتان الإستراتيجيتان لعبة شد حبل رمزية طوال فترة الحمل. يحاول كلا الجانبين جر النار الى قرصه ويجذب نمو الجنين أكثر قليلاً إلى جانبه. جينات الأب تشجع الجنين على النمو والتطور بسرعة وحيازة المزيد من الموارد ، بينما تشجع جينات الأم الجنين على النمو واستخدام فقط ما هو ضروري لتطوره السليم. التعارض بشأن مدى عمق زرع الجنين(3) في الرحم ومدى سرعة نمو المشيمة(4) والجنين(5) ليست سوى عدد قليل من المجالات التي وثق الباحثون فيها لعبة شد الحبل هذه أثناء مرحلة الحمل.
مسألة الحليب المخفوق تفيد الباحثين في تحديد أين يبحثون عن التعارض الجيني وذلك بتبسيط أين ربما تحدث فيها المقايضات أثناء الحمل. ولأن نمو الجنين هو لب هذا التعارض الجيني، فقد ركز الباحثون على العمليات التي يمكن فيها ملاحظة هذا الصراع على الموارد من الأم إلى الجنين. وجدت هذه الدراسات أن المشيمة، وهي عضو جنيني مسؤول عن جميع عمليات نقل الموارد أثناء الحمل، تهيمن عليها الجينات التي تحولت فيها المعلومات الى وظائف (تعبير جيني) من قبل الأب(5). فهي تفرز عوامل نمو شبيهة بالأنسولين مصدرها الأب والتي تجعل الأم أقل حساسية للأنسولين الخاص بها و الهرمونات التي تزيد من ضغط دم الأم(6)، وكلاهما يزيد في نهاية المطاف من كمية الموارد التي يمكن للجنين استخدامها للنمو أثناء الحمل ولكن ربما تضر بصحة الأم.
التعارض الجيني ومضاعفات الحمل
إذا خرج هذا التعارض الجيني عن نطاق السيطرة، فإنه قد يسبب مضاعفات الحمل(7)عند الأم واضطرابات نمائية عند الطفل(8)،[تشكل الاضطرابات النمائية مجموعة من الحالات النفسية الناشئة في مرحلة الطفولة مسببةً أضرارًا جسيمة في جوانب مختلفة(9)]. في الواقع، هناك إجماع مضطرد بين الباحثين على أن بعض مضاعفات الحمل الأكثر شهرة، ومنها ما قبل تسمم الحمل(10، 11) والسكر الحملي [ارتفاع سكر الدم لدي الأم في الثلث الثالث من حملها(12، 13)] والاجهاض التلقائي للجنين الميت(14، 15) والولادة المبكرة(16، 17)يمكن أن تُفسَر بشكل أفضل بالتعارض الجيني الخارج عن نطاق السيطرة.
على الرغم من الدور المحتمل الذي يلعبه التعارض الجيني في مضاعفات الحمل، فإن العلاجات الطبية الحالية هي علاجات تفاعلية وليست استباقية. إذ لابد أن تظهر على المرأة الحامل علامات المعاناة من مضاعفات الحمل(18) قبل الاقدام على التدخل والعلاج الطبي.
معرفة كيف يساهم التعارض الجيني الخارج عن نطاق السيطرة في مضاعفات الحمل يمكن أن تزود الباحثين بطريقة أخرى لتطوير علاجات استباقية، ومن ناحية مثالية، علاجات وقائية . ومع ذلك، لا توجد حاليًا علاجات لمضاعفات الحمل التي تُعزى إلى التعارض الجيني. على الرغم من أن السكر الحملي(19) يمكن أن يعزى إلى التعارض الجيني، لابد أن تظهر على المرأة الحامل مستويات مرتفعة من السكر في الدم قبل أن يتمكن الأطباء من معالجة التعارض بين إفراز الأنسولين وبين سكر الدم.
الحمل أثناء جائحة كوفيد-19 كان يمثل تحديًا للكثيرات.
معاناة الحوامل أثناء جائحة كوفيد-19 تقدم مثالاً على الحاجة إلى مزيد من الدراسات في التعارض الجيني. أثناء الجائحة، شهد الأطباء انخفاضًا كبيرًا في عدد الولادات المبكرة (المبسترة) بالإضافة إلى زيادة في عدد حالات الإملاص (ولادة أجنة،ميتة) وعدد حالات الإجهاض التلقائي: كلا النوعين من المضاعفات يتأثران بالتعارض الجيني، لكن الأسباب الكامنة وراء ذلك غير واضحة.
مقطع فيديو : حالات الحمل أثناء الجائحة : https://youtu.be/PO2Z2afWib8
بصفتي امرأة حملت في أول حدوث الجائحة، كان حملي مخيفًا ومرهقًا من الناحية النفسية، ومكثت طوال هذه الفترة في البيت بعيدًا عن ضغوط الحياة “الطبيعية” المزيد من الدراسات في عملية الحمل المعقدة ودور التعارض الجيني في المضاعفات قد تساعد الباحثين على فهم كيف أدت التغييرات التي أحدثتها الجائحة إلى مخرجات حمل مختلفة تمامًا.
مصادر من داخل وخارج النص
1- https://www.journals.uchicago.edu/doi/10.1086/418300
2- https://scholar.google.com/citations?user=YBPxHqkAAAAJ&hl=en&oi=ao
3- https://www.sciencedirect.com/science/article/abs/pii/016895259190230N?via%3Dihub
4- https://www.sciencedirect.com/science/article/abs/pii/S0143400412001956?via%3Dihub
5- https://www.hup.harvard.edu/catalog.php?isbn=9780674027220
6- https://academic.oup.com/humrep/article/16/1/13/3113872
7- https://www.journals.uchicago.edu/doi/10.1086/418300
8- https://onlinelibrary.wiley.com/doi/10.1002/ajhb.10150
9- https://ar.wikipedia.org/wiki/اضطراب_نمائي
10- https://www.science.org/doi/10.1126/science.1111726
11- “ما قبل تسمم الحمل، أو مقدمات الارتعاج (preeclampsia) هو حالة طبية يصاحب الحمل فيها ارتفاع ضغط الدم (وهي حالة معروفة بارتفاع ضغط الدم الحملي)، ويصاحب هذه الحالة ظهور كميات ملحوظة من البروتين في البول.” مقتبس من نص ورد على هذا العنوان:
https://ar.wikipedia.org/wiki/ما_قبل_الإرجاج
12- https://link.springer.com/referenceworkentry/10.1007/978-3-319-19650-3_3044
13- https://ar.wikipedia.org/wiki/سكري_حملي
14- https://www.sciencedirect.com/science/article/pii/S1084952122000155?via%3Dihub
15- https://ar.wikipedia.org/wiki/إجهاض_تلقائي
16- https://ar.wikipedia.org/wiki/ولادة_مبكرة
17- https://academic.oup.com/aje/article/170/11/1373/116499
18- https://www.mayoclinic.org/diseases-conditions/preeclampsia/diagnosis-treatment/drc-20355751
19- https://diabetesjournals.org/diabetes/article/69/3/484/39766/Interplay-of-Placental-DNA-Methylation-and
المصدر الرئيس
https://theconversation.com/pregnancy-is-a-genetic-battlefield-how-conflicts-of-interest-pit-moms-and-dads-genes-against-each-other-193807