في زمنٍ تتسارع فيه المشروعات وتعلو فيه الأصوات، يظلُّ العطاء الصامت هو الأكثر بقاءً في ذاكرة الناس. وفي محافظة القطيف شرق المملكة، تُروى اليوم قصة إنسانية بطلها الدكتور عبد الله بن محمد السيهاتي، رجل الأعمال الذي اختار أن يجعل من نجاحه وسيلةً لخدمة غير القادرين، وأن يُخلِّد اسمه لا في سجلات المال، بل في قلوب المرضى وعائلاتهم.
أحد أبرز أوجه عطائه كان تبرعه بإنشاء مركز متكامل لغسيل الكلى في القطيف، مشروعٌ إنسانيٌّ ترك أثرًا عميقًا، وفتح بابًا واسعًا من الراحة والكرامة لمئات المرضى الذين أرهقهم التنقل والانتظار.
من بيت العطاء خرجت الحكاية
تبدأ القصة من جذورها. فالدكتور عبد الله السيهاتي لم يأتِ من فراغ، بل تربّى في بيت عُرف بالكرم والبذل. والده، الحاج علي بن أحمد السيهاتي، كان من رجالات القطيف الذين احترفوا التجارة البسيطة، لكنهم تميّزوا بعظمة النفس ونقاء السريرة. لم يكن ثريًّا بالمال، بل غنيًّا بالأخلاق والمبادئ.
عُرف بين الناس بحبّه للخير، وحرصه على مدّ يد العون لكل محتاج. وقد زرع في أبنائه قيم العطاء دون انتظار مقابل، والتواضع مهما ارتفع المقام.
“أبي علّمني أن التاجر لا يُقاس بحجم تجارته، بل بحجم أثره في الناس”،
– هكذا يصف الدكتور عبد الله واحدة من أعظم الوصايا التي تلقّاها من والده.
الدكتور عبد الله السيهاتي… مسيرة بين الاستثمار والمسؤولية
واصل الدكتور عبد الله السيهاتي مشواره بتوازن لافت بين عالم الأعمال والعمل الإنساني. أسّس عددًا من المشاريع الاقتصادية الناجحة، وبرز اسمه في مجالات الصناعة والخدمات، لكنه ظل وفيًّا لقيمة راسخة: أن النجاح لا يكتمل إلا بالعطاء.
وتُعد مساهمته في المجال الصحي نموذجًا حيًّا لهذا الالتزام، وتحديدًا مشروع مركز غسيل الكلى في محافظة القطيف، الذي أتى تلبيةً لحاجة مجتمعية ملحّة.
مركز لغسيل الكلى… كرامة قبل العلاج
ما بين الألم الجسدي والمعاناة النفسية، يقضي مرضى الفشل الكلوي ساعاتٍ طويلةً أسبوعيًا في جلسات الغسيل. وفي ظلّ الضغط على المستشفيات الحكومية، كانت الحاجة إلى مركزٍ متكامل في المنطقة ملحّة.
تبرّع الدكتور السيهاتي بإنشاء المركز وتجهيزه، لتقديم خدمات عالية الجودة، بإشراف وزارة الصحة التي قامت بدورٍ بارز في هذا المجال، خصوصًا للفئات الأشدّ حاجة. المركز لم يكن فقط منشأةً طبية، بل مساحة أمل وطمأنينة.
“قبل هذا المركز، كنا نضطر للانتقال لمسافات طويلة. الآن نحن نتلقى العلاج في بيئة إنسانية تحترم كرامتنا”،
– بهذه الكلمات عبّر أحد المرضى عن امتنانه.
من جيل إلى جيل… العطاء لا يُورّث بالكلام فقط
يُمثّل الدكتور السيهاتي امتدادًا طبيعيًّا لقيم والده، حيث انتقل العطاء من يد الأب إلى فكر الابن. فالجيل الأول أعطى بما امتلك، والجيل الثاني وسّع الأثر بأساليب أكثر تنظيمًا وفاعلية. وكأن هذه العائلة عقدت العزم أن يكون اسمها مرادفًا للخير في القطيف.
رجل أعمال.. ورجل إنسان
لم تمنع النجاحات التجارية الدكتور السيهاتي من الانخراط العميق في العمل الخيري. فهو يرى أن رجل الأعمال الحقيقي لا يُقاس فقط بالأرباح، بل بأثره الاجتماعي ودوره الوطني. وقد دعمت مؤسساته العديد من المشاريع التنموية، الصحية، والتعليمية، داخل وخارج المنطقة.
كلمة ختام
في قصة الدكتور عبد الله السيهاتي تتجسّد حقيقة بسيطة: أن العطاء ليس فعلًا عابرًا، بل ثقافة تُغرس، وتُورّث، وتُمارس. وما بين رجلٍ أعطى من ماله، ووالدٍ علّمه أن يكون نافعًا للناس، تُكتب فصولٌ جديدة من الإنسانية، تستحق أن تُروى، وأن تُحتذى.