محمد الخرس يكتب: التوريق في السعودية.. أداة استراتيجية لإعادة تشكيل منظومة التمويل

التعليقات: 0
 محمد الخرس يكتب: التوريق في السعودية.. أداة استراتيجية لإعادة تشكيل منظومة التمويل
 محمد الخرس
https://wahhnews.com/?p=80667
 محمد الخرس يكتب: التوريق في السعودية.. أداة استراتيجية لإعادة تشكيل منظومة التمويل
الواحة نيوز

مع تنامي الجهود الوطنية لتنويع الاقتصاد وتعزيز كفاءة القطاع المالي في المملكة العربية السعودية، يبرز التوريق (Securitization) كإحدى الأدوات المالية الواعدة التي يمكن أن تسهم في تحقيق التحوّل المطلوب في هيكلة التمويل والاستثمار. ورغم أن هذه الأداة كانت تاريخياً حكرًا على الأسواق المتقدمة، إلا أن التوجهات التنظيمية والاقتصادية في المملكة تهيئ البيئة لاحتضانها بشكل ممنهج وفعّال.

‏ما هو التوريق؟
‏التوريق هو عملية تحويل الحقوق المالية المستقبلية، مثل أقساط التمويل العقاري أو التدفقات الإيجارية أو التمويل الاستهلاكي، إلى أوراق مالية قابلة للتداول في السوق. ويتيح هذا النموذج للجهات المالكة للأصول أو الحقوق الحصول على سيولة فورية، من خلال بيع تلك الحقوق إلى مستثمرين مقابل تدفقات نقدية مستقبلية.

‏أهمية التوريق في المرحلة الراهنة
‏تزايد الزخم حول التوريق في المملكة يعود إلى تقاطع عدد من العوامل الجوهرية، من أبرزها:
‏   •   تطور التشريعات المالية ضمن برنامج تطوير القطاع المالي (أحد برامج تحقيق رؤية المملكة 2030)، وتشجيع تنويع أدوات التمويل وتقليل الاعتماد على التمويل البنكي.
‏   •   نمو سوق الإسكان وتمدد نماذج البيع على الخارطة، مما وفّر قاعدة كبيرة من الذمم المدينة المؤهلة للتوريق.
‏   •   تطور البنية التحتية الرقمية في القطاع المالي، مما أسهم في تسهيل عمليات التصنيف، والتحصيل، وإدارة المخاطر.
‏   •   وجود طلب متزايد من المستثمرين – الأفراد والمؤسسات – على أدوات استثمارية ذات عوائد مستقرة ومخاطر محدودة.

‏الفرص المتاحة في السوق السعودي
‏1.التوريق العقاري:
‏القطاع العقاري يعد من أبرز القطاعات المؤهلة للاستفادة من التوريق، حيث يمكن توريق أقساط التمويل العقاري الخاصة بالمطورين أو البنوك وتحويلها إلى صكوك أو أوراق مالية مدعومة بأصول حقيقية، مما يوفّر سيولة مبكرة ويخفف الضغط التمويلي.
‏2.توريق الإيجارات:
‏الأصول المدرة للدخل مثل المراكز التجارية، المستودعات، والمدارس الخاصة يمكن توريق تدفقاتها الإيجارية، مما يمكّن المالكين من تعجيل القيمة المستقبلية لأصولهم واستخدامها في التوسعات.
‏3.توريق التمويل الاستهلاكي:
‏مع تطور خدمات التمويل الاستهلاكي والتقسيط، تتزايد فرص توريق محافظ القروض الاستهلاكية، مما يساهم في تعزيز قدرة شركات التمويل على التوسع مع تقليل المخاطر.
‏4.التوريق الأخضر:
‏يتسق التوريق أيضاً مع التوجهات البيئية والاجتماعية، من خلال توريق التدفقات النقدية من مشاريع الطاقة المتجددة أو المباني الخضراء، وطرحها على شكل أدوات استثمارية تتماشى مع المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة (ESG).

‏الأثر الاقتصادي والاجتماعي للتوريق
‏التوريق لا يُعد أداة تمويلية فحسب، بل يمثل آلية لتدوير رأس المال وتحفيز النمو عبر منظومة أوسع:
‏   •   على مستوى الاقتصاد: يساهم في تحرير السيولة وتوجيهها نحو مشاريع جديدة، ويقلل من الضغط على التمويل الحكومي والمصرفي، ويدعم الشمول المالي.
‏   •   على مستوى المواطن: يؤدي إلى تحسين الوصول إلى التمويل العقاري والاستهلاكي، عبر تسهيل تدفق السيولة إلى مقدمي التمويل، ما يقلص أوقات الانتظار ويخفض تكلفة التمويل.
‏   •   على مستوى المستثمر: يوفر أدوات استثمارية متنوعة ذات مخاطر موزونة وعوائد مستقرة، مدعومة بأصول حقيقية.

‏الإطار التنظيمي والتحديات
‏خطت هيئة السوق المالية والبنك المركزي السعودي خطوات مهمة في تنظيم البيئة الممكنة للتوريق، من أبرزها:
‏   •   تنظيم صناديق الاستثمار المغلقة كأوعية مناسبة لعمليات التوريق.
‏   •   إصدار لوائح خاصة بالتوريق المصرفي واستخدام الشركات ذات الغرض الخاص (SPVs) لعزل المخاطر.
‏   •   تطوير نماذج للإفصاح وحوكمة المنتجات المالية المركبة.

‏رغم ذلك، لا تزال السوق بحاجة إلى استكمال عدد من العناصر:
‏   •   تفعيل سوق ثانوية نشطة للأوراق المالية المورقة.
‏   •   تطوير شركات تصنيف محلية ذات خبرة في تقييم مخاطر منتجات التوريق.
‏   •   دعم بنوك الاستثمار المحلية لبناء الكفاءات في تصميم وهندسة المنتجات المالية المركبة.
‏   •   ترسيخ بيئة قانونية متكاملة تحكم تنفيذ الضمانات ونقل الحقوق المالية.
الخاتمة:
‏تمثل أدوات التوريق في السعودية فرصة استراتيجية لإعادة تشكيل منظومة التمويل والاستثمار، وتمكين القطاع الخاص، وتعزيز قدرة الاقتصاد على النمو الذاتي. وفي ظل البيئة التنظيمية الداعمة، والطلب المتنامي على حلول تمويلية مرنة ومستدامة، من المرجح أن يلعب التوريق دوراً محورياً في المرحلة المقبلة، ليس فقط كمصدر للسيولة، بل كوسيلة لإعادة هيكلة العلاقة بين الأصول والمخاطر، وبين التمويل والتنمية.

‏الأسواق المتقدمة اعتمدت على التوريق في مراحل نموها، والمملكة اليوم تمتلك المقومات اللازمة لتطوير نموذجها الخاص — نموذج يأخذ خصوصية السوق المحلية، ويستفيد من الخبرات العالمية، ويخدم هدفاً أسمى: اقتصاد سعودي أكثر تنوعًا، كفاءة، واستدامة.

التعليقات (٠) اضف تعليق

اضف تعليق

بريدك الالكترونى لن نقوم بأستخدامه.

You may use these HTML tags and attributes:
<a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <s> <strike> <strong>