تتهادى الأعياد في تقويم الأيام كزهور موسمية، لكنها لا تُزهر في كل القلوب.
لأن العيد الحقيقي ليس موعدًا ننتظره، بل حالة نبلغها.
وما كل من لبس الجديد بعائد، ولا كل من ضحك في العيد بمسرور.
ففي الحقيقة الخالدة:
ليس العيد من لبس الجديد… وإنما العيد من فاز بالوعيد.
الوعيد الذي نخافه، والنجاة التي نرجوها
الوعيد الذي في بطون الكتب، وعلى ألسنة الأنبياء، وفوق منابر الهدى، لا يُخيف إلا من كان قلبه حيًّا.
فمتى كان العيدُ لباسًا جديدًا، والأرواح مثقلةٌ بقديم الذنوب؟
متى كان العيدُ وليمةً، والقلوب جائعةٌ إلى رحمة الله؟
الفرح المشروع لا يكون إلا بعد توبة، والضحكة المباحة لا تكتمل إلا بعد غفران.
لذا فإن العيد، في جوهره، ليس لمن عاد إلى الدنيا متزينا،
بل لمن عاد إلى الله متطهّرا.
قصة إبراهيم.. العيد حين يكون وجعًا مُقدّسًا في كل عيد أضحى، نعود إلى مشهد إبراهيم. شيخٌ هرم، يحمل في عينيه بُشرى السماء، وفي قلبه سكينًا مطيعًا.
يمضي ليذبح الحلم، ليقدّم فلذة الكبد قربانًا.
لكن الله لا يريد الدم، بل الطاعة.
لا يريد السكين، بل اليقين.
وما نجّى إسماعيل من الموت، إلا لأن قلب أبيه مات فيه كل شيء إلا الله.
فمن منا ذبح كبش الهوى؟
من قدّم حُبّ الدنيا قربانًا؟
من نظر في وجه ولده وقال: “إني أرى في المنام أني أذبحك، فانظر ماذا ترى”؟
من وقف على عرفة قلبه وبكى فوات الطهر؟
اللباس الحقيقي في يوم العيد في الأسواق نشتري أثوابنا، ونتفنّن في الألوان والأقمشة، لكن من ينسج ثوب الطاعة؟
من يخيط عباءة التوبة بخيط الصدق؟
من يتعطّر بذكر الله، لا بزجاجات العطور؟
اللباس في العيد لا يُرى، بل يُحَسّ.
إنه لباس التقوى، وهو خيرٌ من كل جديد.
فوز من؟ وخسارة من؟
في صبيحة العيد، بينما يتبادل الناس التهاني والابتسامات، هناك في ملكوت الله من يُنادى باسمه في ديوان المغفورين…
وهناك من كُتب مع المحرومين، الذين أقبلوا على العيد بثياب جديدة، ووجوه مشرقة، لكن قلوبهم مغلقة، ونياتهم خاوية.
ليس العيد من لبس الجديد، وإنما العيد من فاز بالوعيد.
من خاف مقام ربه، وتطهّر، وتطهّر، ثم تطهّر… حتى غُفر له، وعاد كما ولدته أمّه.
العيد… بدء لا نهاية
العيد ليس ختام موسم، بل انطلاقة قلبٍ جديد.
لا نحتفل بنهاية الطاعة، بل ببداية العهد من جديد.
كأن الله يقول لنا: “عدتم إليّ، فاقيموا عيدكم على عهدي.”
فالعيد لا يُصنع من لحم الأضاحي، بل من دمعةِ التائب، وندمِ العائد، ونقاءِ من لم يُصّر على خطاياه.
فلنُعِد تعريف العيد في أرواحنا دعونا نُعِد تعريف العيد:
* هو يومٌ تتزيّن فيه القلوب، لا الجدران.
* هو موعدٌ مع السماء، لا استعراض أرضي.
* هو عناقٌ مع الذات بعد طول جفاء.
* هو ارتقاء من وهم الدنيا إلى وعي الآخرة.
فيا من لبست الجديد، تأمل: هل لبست التقوى؟
ويا من ضحّيت بكبش، تأمل: هل ضحّيت بهواك؟
ويا من ضحكت، تأمل: هل بُشّرت بمغفرة؟
عيدك ليس اليوم إن لم تُبشر بالنجاة.
وعيدك أعظم، إن علمت أن الله قد قبِلك في الراجعين إليه
وكل عام وأنتم أقرب إلى الله، وأبعد عن الوعيد.
د. معصومة العبد الرضا تكتب: ليس العيدُ من لبسَ الجديد.. بل من فازَ بالوعيد
التعليقات: 9
سطور ضمت بين حروفها موعظه وتوجيه وأحياء لروح الإيمان … عيد مبارك وتقبل الله لكل من تقبل منه وسلمت افكار تنيرين فيها عقول الغافلين … تحياتي ….
مقال جميل د ام زهير بارك الله فيك
وبارك لنا متابعتك دكتور
شكرا لمرورك دكتور
شكرًا لمرورك
كلام من ذهب 🥇
التعليق
دكتورتنا الغالية
> “بارك الله لكِ هذا القلم، وجعل ما خطّه شاهدًا لكِ لا عليكِ، ورفعك به في الدنيا قدرًا، وفي الآخرة أجرًا.
فوالله إنّ حروفكِ لَأصدق من كثيرٍ من خطب العيد، وأبلغ أثرًا في النفوس من ألف زينةٍ تُعلّق في الطرقات.”
فالف شكر لك . تحياتي
ابوماريا
شكرا جزيلا