في الخامس عشر من مايو، لا نُحيي مجرد مناسبة رمزية تُضاف إلى قائمة الأيام العالمية. نحن نحيي “أصلَ الإنسان”، و”منبعَ المعنى”، و”الفضاء الأول الذي تعلّمنا فيه كيف نُحب، كيف نغفر، كيف نُخطئ ونعتذر، وكيف نكون أنفسنا دون خوف”.
الأسرة…
هي تلك النواة التي تبدو صغيرة في عين الجغرافيا، لكنها أعظم من كل مؤسسات العالم.
هي اليد التي امتدت لنا أول مرة لنقوم… وصوت الأمس الذي يُشكل وعينا اليوم.
هي المأوى حين تضيع الخارطة… والسند حين تنكسر الأرض تحت أقدامنا.
في زمن التحولات… هل ما زلنا نُجيد حفظ الأسرة؟
لقد تغيّر كل شيء:
صيغ العلاقات، شكل البيوت، لغة الأبناء، إيقاع الحياة، مفهوم الأدوار.
لكن هل تطوّرنا في الحفاظ على الروح الأسرية؟
هل نجحنا في العبور بأسرتنا من زمن الورق والقرب الفيزيائي إلى زمن الشاشات والتباعد الشعوري؟
في عصر السرعة والضجيج، أصبحت الأسرة مهددة بـ:
• الفتور العاطفي: حيث نعيش تحت سقف واحد، لكن كلٌّ منا في كوكب شعوري مختلف.
• الاستبدال بالبدائل: الصديق الرقمي، اللعبة، الشهرة، الاستقلالية المفرطة… صارت بدائل عن حضن الأب ودفء الأم.
• العبء بدل الانتماء: حين يشعر أحد أفراد الأسرة أن وجوده يُثقل، لا يُثمّن.
اليوم العالمي للأسرة ليس احتفالا… بل سؤالًا جوهريًا: كيف حال بيتك؟
• هل نُتقن الإصغاء لبعضنا؟
• هل يجد الأبناء فينا الأمان والاحتواء؟
• هل الأزواج شركاء أم متجاورون؟
• هل نربي أولادنا على القيم أم نُحاصرهم بالمحظورات؟
الأسرة ليست مجرد رابطة دم، بل عقد وجداني، تجديده لا يتم تلقائيًا، بل يحتاج إلى جهد، ووعي، وصدق.
حين تنهض الأسرة… ينهض المجتمع كله
الأسرة ليست شأنا خاصًا فقط.
حين تُهدم أسرة، لا ينكسر بيت واحد، بل تُولد قضايا جديدة في المحاكم، وآلام في العيادات، وقلق في المدارس، وشرخ في النسيج المجتمعي.
الأسرة هي البنية التحتية للقيم.
منها ينبثق احترام القانون، وتتشكل مفاهيم الرجولة والأنوثة، وتنشأ النظرة للمرأة، وتُغرس أصول الرحمة، وتُفهم معاني الكرامة.
رسائل في هذا اليوم…
إلى الآباء والأمهات:
أنتم لستم موظفين في مؤسسة عائلية… أنتم الذاكرة، والمأوى، والقدوة.
كونوا نبلاء في التعبير، صادقين في الاعتذار، ثابتين في الحب… فأنتم الجذر، وإن بدا الآخرون أغصانًا أقوى.
إلى الأبناء:
أهلكم ليسوا معصومين. هم بشر يخطئون كما أنتم. لا تُديروهم بالاستياء، بل بالعرفان.
لا تؤجلوا “شكرًا”، لا تؤخروا “أنا آسف”، ولا تنسوا: أن تكونوا أبناء صالحين، هو أكبر ما يُهدى في هذا اليوم.
إلى صناع القرار:
ادعموا الأسرة لا بالشعارات بل بالأنظمة،
بإجازات أمومة حقيقية، بحماية من العنف، بمراكز إرشاد، بتشريعات تكرّس العدالة داخل البيت.
فالأسرة التي تنهار بصمت، ستنطق يومًا بصوت الفوضى.
إلى كل فرد يشعر بالوحدة:
ابحث عن أسرة من نوع آخر… علاقة صادقة، صديقٌ يسترك، قلبٌ يمنحك مكانًا دون شروط.
فالأسرة ليست دائمًا ما نُولد فيه… بل أحيانًا ما نصنعه بالحب.
في الختام…
في اليوم العالمي للأسرة، فلنقف قليلًا أمام مرآة البيت.
لا لنتجمّل، بل لنسأل بصدق:
هل نحن قريبون بما يكفي؟
هل نُشبه الأسرة التي نحلم بها؟
وهل ما زلنا نصلح أن نكون جذرًا لأرواح تستند إلينا؟
الأسرة ليست فكرة قديمة… بل مستقبلٌ لا يُبنى بدونها.
فلنمنحها ما تستحق من اهتمام، ووقت، وصدق… قبل أن نصحو على بيتٍ يسكنه الصمت، وتغادره الروح.
بارك الله فيك يا استاذة معصومة على هذا المقال الرائع والجميل الذي يحتوي على رسائل مهمة للجميع وان شاء الله تصل هذه الرسائل للبيوت التي على وشك الانهيار وتنقذها وتنقذ الارواح التي بداخلها ، وندعو الله ان يملأ بيوتنا وبيوت جميع الأحبة والمؤمنين والمؤمنات بالحب والمودة والسعادة والاحترام والتسامح والتقدير لتبقى الاسر متماسكة متحابة وفي أمن وآمان يا رب العالمين.
مع تحيات الأستاذة وفاء جواد الرمضان
في مقالها الرائع “عندما تهتز الجذور… نبحث عن ظلالها”، أبدعت الدكتورة معصومة العبدالرضا في تسليط الضوء على جوهر الأسرة كحاضنة أولى للقيم والإنسانية، مستعرضةً بأسلوب رشيق وشفاف التحديات العصرية التي قد تزعزع هذا الكيان الأساسي في المجتمع. لغة النص عذبة ومؤثرة، تعبر بصدق عن احتياجنا لإعادة ترميم جسور التواصل الأسري وسط زخم الحياة الحديثة. كل الشكر للدكتورة معصومة على هذا النص الملهِم والدعوة الصادقة إلى استعادة دفء الأسرة وأصالتها.
عاطف بن علي الأسود
كلمة الشكر تقف خجلة أمام مرورك وتعيقك على المقال .. شكرا جزيلا دكتور عاطف .
كلمة الشكر تقف خجلة أمام مرورك وتعيقك على المقال .. شكرا جزيلا دكتور عاطف .
( حين تُهدم أسرة، لا ينكسر بيت واحد، بل تُولد قضايا جديدة في المحاكم، وآلام في العيادات، وقلق في المدارس،وشرخ في النسيج المجتمعي )
فعلا هذا الذي يحصل في أهل زماننا هذا إن لم ندرك الموقف ونضع لكل شيء حد ونسير على مااراده الأسلام منا في حسن الرعاية وتحمل المسؤلية. نخسر كل شيء حولنا ويقل الاحترام بيننا وتكثر المجاملة التي تتحول السراب..
شكرا دكتورتنا الغالية بارك الله فيك وفي جهودك الجبارة.
حالات الطلاق في عام ٢٠٢٤ فقط ٣٥٠ الف حالة طلاق هل من تعليق او لا
هل من حل لتدمير الأسرة او لا
هل من حل لضياع الاولاد او لا
الجواب هو لا