لم نعد في زمنٍ يكفي فيه حسن النية لتأمين العلاقات، ولا باتت الطيبة وحدها قادرة على أن تردع الاستغلال أو تحصّن كرامة الإنسان. كثيرون خرجوا من التجارب بعينين ممتلئتين بالخذلان، لا لأنهم لم يكونوا أوفياء، بل لأنهم لم يكونوا واعين بحقوقهم. الطيبون هم أكثر من يُستهدف، لا لأنهم ضعفاء، بل لأنهم لا يضعون حدودًا، ويظنون أن النقاء يعفي من الاحتياط، وأن الحب يحمي من الخيبة.
ثقافة الحقوق ليست وثيقة قانونية تُوقَّع، ولا درسًا جامعيًا يُمتحَن فيه، بل هي شعور داخلي بالحفاظ على الذات دون أن تنغلق، وبالحزم دون أن تفقد الرحمة. هي وعيٌ لا يُولد مع الإنسان، بل يُصاغ من التجارب، من لحظات الصمت التي لم يكن ينبغي أن نصمت فيها، من المرات التي غفرنا فيها ما لا يُغتفر، ومن السنوات التي مشيناها حفاة في طرق كان ينبغي أن نسير فيها بوعيٍ وحذاء.
التجارب القاسية التي مر بها كثير من المثقفين والمخلصين كانت أكبر معلم لثقافة الحقوق. من لم يُخذَل يومًا ممن وثق بهم، لن يعرف قيمة الحذر. ومن لم يُستغل في عطائه، لن يدرك أهمية أن يزن العلاقات بالوعي لا بالمشاعر. إن أجمل ما يمكن أن يولده الألم هو التحول من الضحية إلى الشاهد، ومن الانكسار إلى البصيرة.
إن السؤال عن الحق لا يفسد العلاقة، بل يحميها من الاستغلال. والتوثيق لا يُعد سوء ظن، بل احترامًا للوضوح. أما التساهل تحت اسم الحب، فهو بداية للتنازل عن الذات. لقد آن الأوان أن نربي أبناءنا لا على الطاعة العمياء، بل على السؤال، والوضوح، وتقدير الذات، وأن نعلّمهم أن الحب لا يتعارض مع الحزم، وأن الاحترام لا يعني التنازل.
ليست الدعوة إلى الوعي الحقوقي تمردًا على القيم، بل ترسيخًا لها في عالم بدأ يفقد تماسكه الأخلاقي. ولأننا نعيش في زمن فيه الأقنعة كثيرة، فإن الصدق مع النفس، والمعرفة بالحق، والحدود التي نرسمها بوعي، هي شكل من أشكال النجاة.
الوعي لا يُقصي الرحمة، لكنه يهذبها. والإنسان الذي يعرف حدوده، ويُدرك ما يستحق، يستطيع أن يحب دون أن يُستنزف، وأن يعطي دون أن يُستغل، وأن يفتح قلبه دون أن يَسقط. فلتكن طيبًا، نعم، لكن لا تكن ساذجًا. ولتعطِ، نعم، لكن لا تُسلِّم مفاتيحك بلا شروط. الطيبة وحدها لا تحميك، لكن الطيبة المحروسة بالوعي، قادرة أن تبني لك حياة لا تُهدَم بسهولة.
شكرا لمروركم الكريم وتعليقكم الإثرائي دمتم ودام وصلكم الأنيق .
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
احسنتِ الإختيار والنشر سلمت يداك الوضاءة وقلبك الطاهر يحفظك ربي دين ودنيا وآخرة.
. .
ألا ياللي في النوم غاطسيني
اصـحوا غـيركم يجمع المـال
إلى متى بلا شغله جـالسيني
اسعوا ترى ماتجيكم الأعمال
واتركوا الفلسـفة يادارسيـني
وارجعوا لي ترى البعد بهذال
قال مستحيل انساك ياسيني
والسـعـادة في القـلب تنقــال
آه مادام إنك ماأنت بناسيني
تكفى حـول لي المليون ريال
احطها عـنـد رأسي تواسيـني
اصرفها على كيفي بلا إهمال
ماهي عطا ولا سلف راسيني
أنا أتمـل والله يحـقق الآمـال
سنين ما نطق بكلمة داسيني
لساني ذرب واتجاهل الجهال
حسوا بي لا تقولون حاسيني
ترى نبـــع المحـبة ماله جــال
لا لا تقول بالمعروف كاسيني
اوزن الكلمة وتكلم بإعـتـدال
آه اليوم تبين إنكم ناحسيني
ماودي أقول كلمة لكم تنشال
ما كل لامع ذهب يا عابسيني
واتركوا الحسد وكونوا عقال
الشاعر/ حمد بن فهد المخالده السبيعي
كلام عميق وراقي ويهذب النفس ومن ثم يؤدي بها إلى الشخصيّة القوية احسنتي سلمت أناملك دكتورة معصومة
التعليق
ماشاء الله تبارك الله رائع جميييل بوركت اناملك الموضوع مصاغ بتوازن يخاطب العقل والعاطفه 👏👏
مقال موزون و محكم أحكمته التجارب و صاغته الأيام لولا أن الأسباب ليست هي كل شيء بل هي ممهدة لما يقع
وفقك الله
التعليق
أحسنت د. معصومة
مقال يخلق حالة التوازن في العلاقات..بارك الله فيك وفي جهودك
احسنت د.معصومة واتفق معك فيما ذكرتيه في مقالك الراقي .بوركت وبورك قلمك .
صحيح لا تكن ساذجًا. و لا تُسلِّم مفاتيحك بلا شروط.
الطيبة وحدها لا تحميك
و الطيبة المحروسة بالوعي، قادرة أن تبني لك حياة لا تُهدَم بسهولة.
موضوع يستحق التقدير والاعجاب
كل الشكر دكتورة معصومه