هذا الموقف متكرر دائما في مجال رعاية الموهوبين ، فكثيرا ما يواجهني أولياء الأمور باستفساراتهم عن موهبة أبنائهم : ابني ملتحق في برنامج رعاية الموهوبين هل سيخترع ، هل سيكون له بحث علمي ، هل سيكون عبقري في الرياضيات أو في العلوم ، هل سيكون أداءه متميز في الذكاء الصناعي ، هل له سيكون له شأن كبير في هذه السنة ، لماذا لم نرى نتائج سريعة للطالب في برامج الموهوبين ، لماذا نتائج برامج الموهوبين بطيئة جدا ؟ فتكون إجابتي هنا بأن العبقرية لدى الموهوب إنما هي مرحلة بناء و تطور معرفي و إنتاج إبداعي .
فالموهبة حتى تصل إلى النبوغ و التميز إنما هي خبرات معرفية تجمعت منذ الصغر وتم بناء المعرفة في نفس الموهوب من خلال أدوات بناء خاصة و هي القدرات العالية التي لديه التي تميزه عن غيره من الأفراد العاديين و تصفه في نفس الوقت بسمات الموهوب إلى تصل إلى الأداء المتميز ثم الإنتاج الإبداعي ثم ” الإنجاز العظيم ” الذي ينسب إلى موهبته .
و يمكن تلخيص بعض القواعد العامة التي تكشف سر إنجازات الموهوبين الذين لديهم إنجازات عظيمة إلى قاعدتين
أ – القاعدة الأولى : ” تبلور المهارات و اكتساب الخبرة المعرفية ونمو القدرات العقلية في مرحلة الطفولة ” ، و الأمثلة على هذه القاعدة لا حصر لها إذا كانت لدينا الرغبة في تقصي سيرة أولئك الذين كانوا بروزهم كموهوبين نابغين في مرحلة الطفولة ، فإنجازاتهم العظيمة و الخارقة ليس إلا امتدادا لمواهبهم التي ظهرت في سنوات طفولتهم المبكرة و لم تختفي هذه الموهبة مع تقدمهم في العمر .
ب – القاعدة الثانية : طول الفترة الزمنية التي استمر فيها هذا الموهوب في الإنتاج المعرفي و الإنتاج الابتكاري حتى وصل إلى إنجازاته العظيمة .
و لإثبات فعالية هاتين القاعدتين سنبحث من خلالهما قصص بعض الموهوبين الذين لهم إسهامات و إنجازات عظيمة على مر التاريخ الإبداعي .
***
آلبرت إينشتاين
أ – القاعدة الأولى : الخبرة المعرفية لإنيشتاين في مرحلة الطفولة .
تأخر أينشتاين الطفل في النطق حتى الثالثة من عمره ، و في الخامسة من عمره أعطاه أبوه بوصلة ، وقد أدرك أينشتاين آنذاك أن ثمّة قوةً في الفضاء تقوم بالتأثير على إبرة البوصلة وتقوم بتحريكها ، و دخل أينشتاين مدرسة إعدادية وتلقّى دروساً في العزف على آلة الكمان ، و قد تأخر أينشتاين في دراسته ورسب في مادة الرياضيات ، ثم تبنَّى اثنان من أعمام أينشتاين رعايته ودعم اهتمام هذا الطفل بالعلم بشكل عام فزوداه بكتب تتعلق بالعلوم والرياضيات ، و من الثابت أن آلبرت اينشتاين علم نفسه الهندسة التحليلية و الجبر و هو في سن الرابعة عشرة ، وقد أبدى شغفا كبيراً بالطبيعة ومقدرةً على إدراك المفاهيم الرياضية الصعبة وقد درس وحده الهندسة الإقليدية ، و أنهى إينشتاين دراسته الثانوية في سويسرا ، و من ثم تقدَّم بعدها إلى المعهد الإتحادي السويسري للتقنية في زيورخ عام 1895، وقد أحب أينشتاين طرق التدريس فيه ، وكان كثيراً ما يقتطع من وقته ليدرس الفيزياء بمفرده، أو ليعزف على كمانه ، إلى أن اجتاز الامتحانات وتخرَّج في عام 1900 م ، وقد تمكن من الحصول على شهادة الدكتوراه في عام 1905م أي وهو في عمر ” 26 عاما ” .
ب – القاعدة الثانية : طول فترة الإنتاج المعرفي و الإبداعي لإينشتاين .
1 – في عام 1905 م وهو في عمر 26 عاما كتب أينشتاين 4 مقالاتٍ علميةٍ دون الرجوع للكثير من المراجع العلمية أو التشاور مع زملائه الأكاديميين، وتعتبر هذه المقالات العلمية اللبنة الأولى للفيزياء الحديثة التي نعرفها اليوم .
2 – في عام 1905 م وهو في عمر 26 عاما وضع أينشتاين نظريته الشهيرة والتي تعرف بالنظرية النسبية الخاصة التي استطاعت هذه النظرية فعل ما عجز عن فعله العالم نيوتن فلقد اهتمت النسبية بتفسير حركة الأجسام في أطر خاصة كالأمواج الكهرومغناطيسية وسرعة الضوء التي تمتاز بالثبات .
3 – في عام 1915 م وضع نظريته الشهيرة النظرية النسبية العامة أي وهو في عمر 36 عاما .
4 – حاز إينشتاين في عام 1921 م على جائزة نوبل في الفيزياء عن ورقة بحثية عن التأثير الكهروضوئي أي وهو في عمر 42 عاما .
5 – استمر إينشتاين في تقديم أعماله الفريدة عبر مسيرة طويلة من العمل الجاد دامت ثلاثة و خمسين عاما .
***
إسحاق نيوتن
أ – القاعدة الأولى : الخبرة المعرفية لنيوتن في مرحلة الطفولة .
تم إرسال نيوتن إلى فصول صباحية صغيرة في القرى المجاورة لقريته وهو صغير فتعلم القراءة والكتابة والحساب ، ثم التحق نيوتن بمدرسة نظامية و هو في عمر 11 سنة ، وقد أحس بالممل من دروس المدرسة ، ثم ذهب إلى المكتبة وأخذ يستعير الكتب حيث بدأ عقل نيوتن بالعمل الجاد من خلال القراءة ، ثم بدأ نيوتن يعمل على نماذجه الخاصة مثل طواحين الهواء و غيره من الآلات المبتكرة ، و بعد أن ترك نيوتن المدرسة وقبل أن يبلغ السادسة عشرة من عمره أقبل على القراءة بلهفة لكل ما وقع تحت يديه من كتب ، وبعد أن أثبت نيوتن فشله في إدارة مزرعة والدته عاد إلى الدراسة وتفوق ثم التحق بالجامعة و حصل على البكالوريوس وهو في عمر 23 وعين باحثا في الجامعة ، و اهتم كثيرا بدراسة الرياضيات .
ب – القاعدة الثانية : طول فترة الإنتاج الإبداعي لنيوتن .
في عام 1687 وهو في عمر 45 عاما وضع نيوتن اكتشافاته الخاصة في قوانين الحركة والجاذبية في كتابه الصول الرياضية للفلسفة الطبيعية التي جعلته من أعظم علماء تأثيرا في تاريخ الإنسانية من الناحية العلمية .
***
توماس إديسون
أ – القاعدة الأولى : الخبرة المعرفية لإديسون في مرحلة الطفولة .
تعلم توماس أديسون على أيدي أمه بعد ترك المدرسة و كانت لديه دافعية قوية للتعلم ظلت ترافقه طوال حياته ، حيث
كان إديسون شريد الذهن في كثير من الأحيان بالمدرسة ، وقد أنهى إديسون ثلاثة أشهر من الدراسة الرسمية ، و يذكر إديسون في وقت لاحق، “والدتي هي من صنعتني، لقد كانت واثقة بي ؛ حينها شعرت بأنه قد أصبح لحياتي هدف ، وشخص لا يمكنني خذلانه .” كانت والدته تقوم بتدريسه في المنزل ، و قد أسهمت كثيرا قراءته للكتب العلمية في الفلسفة الطبيعية كثيرا في تعليمه و في عام 1854 م أي وهو في عمر ( السابعة ) باع الحلوى والصحف والخضار في القطارات ، ومن هنا درس التحليل النوعي وقام بإجراء التجارب الكيميائية في هذه القطارات إلى أن وقعت حادثة حظرت القيام بمزيد من تلك الأعمال ، و بعد ذلك أصبح إديسون عاملا بالبرقيات أو التلغراف و في عام 1866 م حين كان يبلغ 19 عاما ، عمل أديسون بمكتب وكالة الأنباء وطلب إديسون المناوبة الليلية ، مما أتاحت له متسعا من الوقت لممارسة إثنين من هواياته المفضلة وهما القراءة والتجريب ، إلا أن تسليته تلك كلفته وظيفته في نهاية المطاف ، و كان أحد أول اختراعات إديسون يتعلق بالتلغراف، ونال أول براءة اختراع عن مسجل صوت كهربائي عام 1869 م أي وعمره 21 عاما و قد بدأ توماس إديسون مسيرته في نيويورك حيث اخترع المُكَرِّر الآلي وغيره من الأجهزة التلغرافية المتطورة ، و أنشأ أديسون أول مختبر للبحوث الصناعية وهو ابتكار أديسون الرئيسي ، و قد حصل إديسون على الحق الحصري لبيع الصحف على الطريق حيث أطلق نشرة أسبوعية أسماها انطلق إديسون من هذا العمل إلى العديد من المشاريع الريادية ، كما اكتشف مواهبه كرجل أعمال . أدت هذه المواهب في نهاية المطاف إلى إنشاء 14 شركة ، بما في ذلك جنرال إلكتريك والتي لا تزال إحدى أكبر الشركات المساهمة العامة في العالم .
ب – القاعدة الثانية : طول فترة الإنتاج الإبداعي لأديسون .
1 – الاختراع الذي أكسب أديسون الشهرة لأول مرة كان في سنة 1877 م أي وعمره 30 عاما حيث اخترع الفونوغراف وكان هذا الإنجاز غير متوقع على الإطلاق .
2 – اشتهر أديسون باختراع المصباح الكهربائي في عام 1879 أي وهو في عمر 32 عاما .
3 – لم تنطفئ قدرة إديسون على العطاء حتى بعد بلوغه سن الثمانين .
4 – أنتج أديسون عددا قياسيا من براءات الاختراع بلغ 1093 براءة .
***
ابن سينا
أ – القاعدة الأولى : الخبرة المعرفية لابن سينا في مرحلة الطفولة .
العالم ابن سينا فيوصف بالمعلم الثالث للإنسانية بعد أرسطو و الفارابي ، بدأ ابن سينا رحلة في تلقي العلوم في بخارى حيث حفظ القرآن بأكمله وعمره لم يتجاوز العاشرة ، ثم تلقي علوم الفقه والأدب والفلسفة والطبK ويُذكر أن ابن سينا درس على يد عالم بُخاري متخصص بعلوم الفلسفة والمنطق اسمه “أبو عبد الله النائلي” وهو اشد ما يكون إعجاباً من تلميذه ” ابن سينا ” حين وجده يجيب على الأسئلة المنطقية المحورية إجابات صائبة تكاد لا تخطر على بال معلمه ، بدأ نبوغ ابن سينا منذ صغره , إذ يحكي أنه قام وهو لم يتجاوز الثامنة عشر بعلاج السلطان نوح بن منصور الساماني، وكانت هذه هي الفرصة الذهبية التي سمحت لابن سينا بالالتحاق، ببلاط السلطان ووضعت مكتبته الخاصة تحت تصرف ابن سينا ، ولقد كان ابن سينا كان متوقد الذكاء، امتاز بمواهبه الفذة، و عبقريته المتميزة في تعلم القرآن والأدب وهو ابن عشر سنين وتعلم حساب الهند، واشتغل بالفقه .
ب – القاعدة الثانية : طول فترة الإنتاج الإبداعي لابن سينا .
بدأ ابن سينا يصنف الكتب و عمره 21 سنة ، وضع مؤلفات في الفلسفة و الموسيقى و اللغة و المنطق و الطبيعيات و الرياضيات و الفلك والأرصاد والأجرام السماوية و في النبات و الحيوان و المعادن تصل في مجموعها على 276 كتابا .
اشتهر بالطب من خلال كتابه القانون في الطب والذي ألفه في عام 1006 هجرية أي في عمر 26 عاما ، و ظل كتابه ” القانون في الطب ” من المراجع الرئيسية في دراسة الطب في الجامعات الأوروبية حتى منتصف القرن السابع عشر .
***
بياجيه
أ – القاعدة الأولى : الخبرة المعرفية لبياجيه في مرحلة الطفولة .
عالم النفس السويسري المعروف بياجيه كان اهتمامه الأول بالتاريخ الطبيعي ، ونشرت له مقالة علمية و عمره عشر سنوات و أثارت كتاباته حول الرخويات مدير المتحف الطبيعي في جنيف فقرر تعيينه قيما على قسم الرخويات و كم كانت دهشته عندما وجد نفسه أمام شاب عمره أربعة عشر عاما فقط ، وبعد سنوات عمل مساعدا لسيمون في مختبر بينيه بباريس و تحركت اهتماماته نحو علم النفس و بخاصة نحو التعلم و تطور اللغة و علاقاتها بعلم الأحياء ، وقد حصل على الدكتوراة وهو في عمر الثانية والعشرون.
ب – القاعدة الثانية : طول فترة الإنتاج الإبداعي لبياجيه .
أشهر بياجيه بمؤلفاته مثل كتاب ” اللغة والفكر عند الأطفال ” و مثل كتاب ” الحكم والاستدلال عند الأطفال ” و في عام 1924 أي وهو في عمر 28 عاما ، اشتهر بنظرية التطور المعرفي والنظرية البنائية حيث كان لمفاهيمه التطويرية للذكاء و المعرفة الأثر الأكبر في جعله واحدا من عمالقة علم النفس في تاريخنا المعاصر وفي عام 1965 أنشأ بياجيه مركز نظرية المعرفة الوراثية في جنيف أي وهو في عمر 69 عاما . لقد كرس بياجيه حياته كلها التي زادت عن الثمانين عاما لدراسة النمو العقلي عند الأطفال حتي أصبح هذا الاهتمام هو المميز له بين علماء النفس المحدثين بصفة عامة ، وعلماء نفس النمو بصفة خاصة .
***
أرسطو
أ – القاعدة الأولى : الخبرة المعرفية لأرسطو في مرحلة الطفولة .
أرسطو يقرأ اليونانية قبل أن يبلغ الثالثة عشرة من عمره ، وقد كان لوالده الذي كان يعمل طبيبا تأثيرا كبير عليه لدخوله مجال التشريح ودراسة الكائنات الحية التي منحته القدرة على دقة الملاحظة والتحليل ، التحق بأكاديمية أفلاطون وهو في السابعة عشرة من عمره . وكان أفلاطون قد جمع حوله في أكاديميته مجموعة من الرجال المتفوقين في مختلف المجالات العلمية من طب وبيولوجيا ورياضيات وفلك بهدف إثرا وتنظيم المعارف الإنسانية ، وإقامتها على قواعد نظرية راسخة ، ثم نشرها في مختلف الاتجاهات ، مما كان له الأثر الكبير في التوجه المعلن لتعاليم وأعمال أرسطو ، وقد ظل أرسطو على هذا الحال تلميذا في أكاديمية أفلاطون لمدة عشرين عاما إلى حين وفاة معلمه الكبير أفلاطون .
ب – القاعدة الثانية : طول فترة الإنتاج الإبداعي لأرسطو .
بعد عشرين عاما من التعلم في أكاديمية أفلاطون و موت أفلاطون ، تمايز أرسطو عن أستاذه وقد أسس مدرسته الخاصة في أثينا ، أي و هو في عمر الأربعين 40 عاما ، إن ما تركه أرسطو من مؤلَّفات كان موسوعيًّا وضخمًا جدًّا ، وصلنا منها بشكل شبه كامل فقط 47 مؤلَّفًا، بالإضافة إلى خماسيته الشهيرة التي عُرِفَت ( بـالأورغانون ) وهي مجموعة تتعلق بالعلوم النظرية وأخرى ذات علاقة بالعلوم التطبيقية ، وتعني كلمة “أورجانون” الأداة، لأنَّ تلك المؤلفات كانت تبحث عن موضوع الفكر، الذي هو الأداة أو الوسيلة للمعرفة ، فكتاب الأورغانون يعطينا أسُس المنطق الصوري من خلال ما عُرِفَ بنظرية البرهان ، وخاصة منه ما سمِّي بعدئذٍ بالقياس .
ويمكن تلخيص مآثر أرسطو على البشرية في الآتي :
1 – كان أرسطو أول فيلسوف قام بعملية الاستدلال المنطقي والتي تقوم على شكل من أشكال البرهان سماه ( القياس ) .
2 – أرسطو هيمن بفكره على المعارف البشرية طوال أكثر من عشرين قرناً ، وترجمت كتبه إلى معظم لغات العالم ، واعتبره العرب المعلم الأول ، أما في الغرب فقد ظلت فلسفته هي السائدة كفلسفة إلى القرن السادس عشر .
3 – يعود الفضل إلى أرسطو في وضع أسس علم الأخلاق و المنطق ، كما أنه أنشأ « المنطق الصوري » الذي لا يزال يلعب دوره إلى الآن في تطور المعرفة البشرية .
4 – أرسطو صاحب الفضل الأول في دراستنا اليوم للعلوم الطبيعية، والفيزياء الحديثة . و هو مؤسس علم الأحياء وشعره يعتبر أول أنواع النقد الدرامي في التاريخ، وتأثيره واضح على جميع الأعمال الشعرية الكلاسيكية في الثقافة الغربية ويرجع سبب هذا التأثير إلى أن أعمال أرسطو كانت شاملة ، وتحيط بجميع الجوانب الحياتية ، وتروق لجميع أنواع البشر والثقافات .
***
فرويد :
أ – القاعدة الأولى : الخبرة المعرفية لأرسطو في سن الطفولة .
كان فرويد الأول من بين ثمانية أشقاء و نظرا لذكائه المبكر، كان والداه يفضلانه على بقية إخوته في المراحل المبكرة من طفولته وضحوا بكل شيء لمنحه التعليم السليم ، كان فرويد تلميذا متفوقا تخرج من المدرسة مع مرتبة الشرف وهو في عمر 17 عاما ن ثم التحق فرويد بكلية الطب وظل فيها ثمانية سنوات بدلا من أربع سنوات ويرجع ذلك إلى متابعته وانشغاله بكثير من الاهتمامات خارج مجال الطب ولم يكن فرويد مهتما في الحقيقة بأن يصبح طبيبا ولكنه رأى ان دراسة الطب هي الطريق إلى الانغماس في البحث العلمي ، و قد حصل على الدكتوراة وهو في عمر 25 عاما ، ثم عمل طبيبا في مستشفى ونشر أبحاث عديدة في الأمراض العصبية وهو في عمر 26 ، بعد ذلك عين محاضرا في علم أمراض الجهاز العصبي وهو في عمر 29 عاما ، و قد نشر بحثاً في العوامل النفسية للهستيريا وهو في عمر 37 عاما .
ب – القاعدة الثانية : طول فترة الإنتاج الإبداعي لفرويد .
نشر فرويد وهو في عمر 39 عاما كتاب دراسات في الهستيريا وكان نقطة تحول في تاريخ علاج الأمراض العقلية والنفسية، فهو بمثابة حجر الأساس لنظرية التحليل النفسي ، فقد توصل فرويد إلى نظريته التحليلية بعد عمل استمر خمسة و أربعين عاما .
***
ما هو سر العبقرية لدى عباقرة العالم ؟
لا يتعلق جوهر العبقرية بإحراز درجة عالية جدا في التفوق الدراسي ، أو إتقان عشر لغات في سن السابعة ، أو إكمال مسابقة الكلمات المتقاطعة المنشورة في صحيفة في زمان قياسي ، أو ارتفاع معامل اختبار الذكاء العقلي للإنسان بصورة غير عادية ، و لكن سر العبقرية : هو الإنتاج الإبداعي ، ففي دراسة عن 2036 عالما على مر التاريخ ، خلص دين كيث إلى أن العلماء الأكثر تمتعا بالاحترام لم ينتجوا فقط المزيد من الأعمال العظيمة ، بل أيضا المزيد من الأعمال ” الرديئة ” ، و من الكم الغزير والهائل لأعمالهم جاءت الجودة في إنجازاتهم العظيمة .
***
كيف نستفيد من قصص عباقرة العالم و التاريخ في برامج رعاية الموهوبين ؟
بعد استعراضنا لقصص بعض العباقرة من خلال القاعدة الأولى ” طول فترة الإثراء المعرفي و تنمية المهارات في مرحلة الطفولة ” و من خلال القاعدة الثانية ” كثرة الإنتاج المعرفي و الابتكاري ” ، كيف يمكننا الاستفادة منها في برامج رعاية الموهوبين ؟
عند تصميم برامج رعاية الموهوبين للأطفال الموهوبين تكون عملية الرعاية طويلة الأمد و ممتدة الزمن من بداية مرحلة الطفولة إلى مراحل التعليم العالي حيث تتضمن هذه الفترة برنامج مكثف من الإثراء العلمي مع تطوير المهارات بشكل مستمر على أن تكون في مجال علمي واحد أو في مجالين بشرط مساندة و دعم الأسرة .
بالإضافة إلى التدريب المستمر للموهوبين على تصميم الإنتاج المعرفي مثل البحث العلمي أو الإنتاج الابتكاري مثل الابتكار و البرمجة و الذكاء الصناعي بناء على خطة محددة و بناء على تحديات معرفية مثل تحديات المشاركة في المسابقات ، مع التأكيد على تشجيع الموهوبين على الاستمرار في الإنتاج المعرفي حتى بعد التحاقهم بالتعليم العالي في الجامعات و حتى بعد التحاقهم في سوق العمل .