فتش عن الناقد: تجارب وشهادات عن مهنة النقد والبحث عن الصوت الخاص
أكد مدير مهرجان القاهرة السينمائي والناقد “عصام زكريا” أن النقد والصحافة السينمائية بشكل عام هو الضلع الرابع في العملية السينمائية بالنسبة للفنانين ومنافذ العرض، يحاول إبراز وتأكيد ضرورة الثقافة السينمائية في جزء من الصراع السينمائي والثقافة بشكل عام.
وأشار “زكريا” خلال جلسة حوارية بعنوان “فتش عن الناقد: تجارب وشهادات عن مهنة النقد والبحث عن الصوت الخاص”، إلى الدور الرئيسي للنقد والكتابة عن الأفلام في توصيف وتفسير وتقييم الأعمال الفنية.
ولفت النظر إلى الحياة السينمائية في فترة السبعينيات والثمانينيات، وأنها فترة تفتح الوعي والانتقال إلى أنواع جديدة من الأفلام أكثر فنيًا، وإدراك أكبر بأن السينما فن راقي، وتحديدًا عام 1986 ذروة ازدهار الأفلام الواقعية الجديدة في مصر، حيث نزلت مجموعة كبيرة من الأفلام المهمة لدور العرض.
وأوضح أن مهنة النقد أقرب مهنة للفن نفسه، وشخصية الفنان وخلفيته وثقافته ومصادره الأخرى لها نصيب الأسد في التأثير على تفكيره بعكس المهن الأخرى، مؤكدًا بأن كل فنان أبن ظرفه وبيئته التي ولد وعاش فيها، والمصادر الثقافية التي تكون ونشأ عليها، وعمل على تطويرها.
ونفى بناء النقد السينمائي على معايير الأفلام الجيدة والغير جيدة والبدء في تطبيقها، مستدلًا بعدم اتفاق جميع النقاد على فيلم واحد، وكذلك الخلافات الكبيرة بين النقاد على تفسير وتقييم أعظم الأفلام وأكثرها نجاحًا، وهذا ناتج عن ثقافات النقاد المختلفة.
وذكر “زكريا” أن النقد السينمائي بصفة عامة يحاول الجواب على سؤالين، هما:
– ما هو فن السينما.
– وإذا كانت الفنان أو الفيلم (موضع البحث)، هل ينتمي لهذا الفن وبأي درجة.
ويعتقد بأن الفيلم والفنان ينشغلان بالإجابة على هذان السؤالين، ومن هنا يأتي تميز الفنانين الكبار الشخصية الفريدة للإجابة وتعريف السينما والفنانين.
فكل ناقد لديه تعريفه الشخصي، يتطور مع الوقت، وقد ازدهرت السينما في فترة الثمانينات من خلال كتابات هؤلاء النقاد الكبار، حيث بدأ الكثير مشاهدة الأفلام بعد فترة طويلة من الكتابة عنها، وذلك لأن الأفلام حينها تصل متأخرة بضعة سنوات من عرضها في مهرجان “كان” وفي أمريكا، لتجد كتابات النقاد حينها حيز لإشعال شغف محبي الأفلام لمشاهدتها.
وبما أن السينما تجمع كل الفنون، فعلى الناقد محاولة الإحاطة بجميع الفنون كالموسيقى، الفن التشكيلي، المسرح، الأدب، بالإضافة إلى دراية بالعلوم الأخرى خاصة العلوم الإنسانية كعلم الاجتماع، علم النفس، علم الأنثروبولوجي، علم السياسة، والإلمام بكواليس الحياة الرياضية، فكل ما زادت حصيلة الناقد المعرفية والثقافية زادت مهارته في العمل النقدي.
وأهم مهمة لوظيفة الناقد هي اكتشاف الإبداع والجديد، وتعريف الجمهور بالجماليات والمتعة الفنية التي يمكنهم جنيها خلال مشاهدتهم للفيلم، كما يستطيع الناقد تغير وجهة نظر المشاهد وهي النقطة الأهم في القراءات النقدية.
وأشار إلى كتاب “موت الناقد”، الذي يتحدث عن موت الناقد الكلاسيكي التقليدي كصاحب سلطة وأحكام وتقييميات، وفي تاريخ السينما كثير من البلدان رأي الناقد يحسم نجاح الفيلم من عدمه، مؤكدًا أن الناقد بهذا المفهوم لم يعد موجدًا، وفي عالم السوشيال ميديا لم يعد الناقد التقليدي هو الوحيد صاحب السلطة والقدرة على توجيه ذائقة المشاهد، ناهيك أن الأجيال الجديدة لا تتقبل أصحاب السلطات، ورغم كل ذلك سيضل المعيار والفيصل هو ماذا تقدم للمشاهد من فائدة، وكيف تساعده على مشاهدة الأفلام بشكل مختلف.
إشكالية الوسيط بين النقد المكتوب والنقد المصور، هل البقاء للأسرع؟
وأكدت رئيسة القسم الثقافي في جريدة النهار اللبنانية الناقدة “مايا الحاج” خلال ندوة “إشكالية الوسيط بين النقد المكتوب والنقد المصور، هل البقاء للأسرع ؟”، على الاستعانة بالمرونة الداخلية لمواكبة العصر والانتقال إلى الكاميرا، فالصحافة لم تمت بل أصبح دورها اليوم أهم منذ قبل، ولكن شكل الصحافة الذي تغير، حيث ولدت صحافة الموبايل وجميعها شكل من أشكال الإعلام.
وتتساءل “أين مكان الناقد وسط كل هذه الحالة الإعلامية الجديدة”، فغالبية القائمين عليها من الشباب الذين تمكنوا من الحصول على أرقام عالية من المشاهدات، مع قيمة معرفية بسيطة وضئيلة تسببت في تهميش دور الناقد المحترف الحقيقي، وإلى حد ما أصبح خارج الصورة العامة، رغم أن بعض الصحفيين وبعض النقاد اختاروا التواجد بصورة خجولة كي يقدموا قيمة ومعرفة مفيدة وسط هذه الجعجعة الموجودة على وسائل التواصل الاجتماعي.
نحن ننتقل من مرحلة زمنية إلى أخرى، وهذا ليس بالأمر السهل، يحتاج إلى كثير من المرونة والجهوزية النفسية، وليس كل ناقد وإن كان لديه الجهوزية المعرفية هو جاهز نفسيًا لهذا التغير، ولهذا نرى بعض النقاد يفضلوا الانكفاء والبعد على ركوب موجة التغير من جانب، ومن جانب أخر يفضل عدم تواجده بين الغالبية الفوضوية كتصنيف داخلي بعدم انتمائه لهذا المكان الافتراضي.
وتطالب “الحاج” بتواجد الناقدين الحقيقين ذوي المعرفة والخبرة والقيمة على هذه منصات التواصل الاجتماعي، حتى لا يكون انقياد تام للمتابعين على صيغة معينة من الأشخاص، ولتصبح المنصات متنوعة بالكفاءات، فالموجودين على منصات التواصل اليوم غير قادرين على وضع أصابعهم على مكامن القوة والضعف في العمل السينمائي، ويفضلون قول حبيت العمل أو لم أحبه، أعجبني أو لم يعجبني، دون أي أسس معرفية أو منهجية قد تعطي رأيه البعد المتين القوي.
النقد هو ليس الرأي، وليس الجيد والرديء، وبالأحرى النقد هو تفكيك العمل سواء العمل فيلم أم أدب أو فن تشكيلي أو غيرها، بالنهاية النقد هو تفكيكه وإعادة بناءه تبعًا لرأي الناقد والمناهج المقضية التي يعرفها، ولكل شخص الأحقية للتقييم بطريقته الخاصة.
أما ترندات منصات وسائل التواصل فغالبًا لها مرادفات سلبية مع ناس كثيرة من العالم، مشيرة إلى أشخاص على وسائل التواصل يتابعهم ملايين من الأشخاص ويتأثرون بما يقولون، لا يمتلوكن أدنى المعرفة ولا حتى القيمة الحقيقية لما يتحدثون عنه، وإن حاولنا إيصال فكره إليهم يختبئون خلف سلطة الرقم، لأن الرقم للأسف أصبح سلطة قد تفوق سلطة الناقد الحقيقي، بدليل أصبح بعض الكاتب يحجز صفحات مقدمة كتابه لأشخاص تتحدث عن الكتاب بصورة سطحية بسيطة، وذلك لأنهم يمتلكون متابعين، وكثير من الكتاب يحلمون بأن يكتب هؤلاء عن كتبهم، فذلك تلقائيًا سيترجم على نسبة المبيعات إن كان كتاب وعلى نسبة المشاهدات إن كان ذلك فيلم.
وعن وجود الترندات بإيجابياتها وسلبياتها داخل حياتنا، فيجب النظر إليها على أنها شيء من الواقع وإن كنا نراها سخيفة، واهتمام العالم بالترند يعني أنه يخبئ مزاج عام، وهذا المزاج حليف بأن يلتقط، ولابد من وجود ناقدًا للناقد داخل منصات التواصل، فحالة الترند الموجودة حاليًا وما فيها من ظواهر على شبكة الإنترنت أصبحت ناقد حقيقي، لأن الأبعاد النفسية والاجتماعية جعلت من هذا الترند ترندًا، ناهيك عن اللجان الإلكترونية التي تدير الترند، ومن ثم حتى نعيش علينا فهم بأي زمن وبأي مجتمع نعيش.
أما رئيس القسم الفني بقناة الشرق للأخبار “محمد عبدالجليل” فيرى أن الأزمة الكبرى هي في التعدد الموجود بشكل كبير جدًا، وقائمة القنوات الكبيرة على منصة “اليوتيوب” لأشخاص لا يملكون القدر الكافي من المعرفة في عالم السينما تمكنهم من الحديث عنها لذا هذه القنوات بحاجة إلى ترشيح، مؤكدًا بأن الناقد لابد أن يكون مطلع عن قرب على عالم السينما، كما هو حال بعض النقاد في الوسط الفني الذين يقدمون محتوى جاد، مشيرًا إلى نماذج عديدة من نقاد السينما في أمريكا وأوربا استطاعوا مواجهة تغيرات الإعلام بنسبة كبيرة، حتى أصبح تواجدهم على وسائل التواصل الاجتماعي والقنوات التلفزيونية موازي لتواجدهم في الصحافة المطبوعة.
وذكر بأن التحدي الأكبر للنقد السينمائي في الوقت الحاضر يتمثل في تواجد النقاد الحقيقين حتى من خلال المادة المكتوبة وإلا مع الوقت سيخسر الجمهور هذا التراكم المعرفي الموجود لديهم، فهم من شكل بقدر كبير الثقافة السلمية الموجود في الوقت الحالي.
الموسيقى والسينما، حين تصبح الصورة مسموعة
وذكرت الناقد السينمائي والباحث والمترجم “سعاد بشناق” في جلستها الحوارية “الموسيقى والسينما، حين تصبح الصورة مسموعة”، أنه بالإمكان تطبيق أسلوب التأليف الموسيقى التصويرية على أكثر من عمل سينمائي، فالمؤلف يمكنه تطبيق أسلوبه على فيلم كوميدي أو فيلم رعب أو فيلم دراما، وإن أسلوب المؤلف الموسيقي يأتي من خبرته المهنية والحياتية.
وأشارت “بشناق” إلى الفيلم الكوميدي كونه من أصعب الأعمال التي تواجه مؤلفي الموسيقى التصويرية، وأن بعض مواقف الأفلام لا تتحمل الموسيقى ليبقى الصمت هو موسيقى الموقف، كما أن الموسيقى قد تسد بعض أخطاء التصوير.
النقد السينمائي في مواقع التواصل الاجتماعي
وأكد صانع المحتوى “محمود مهدي” أن بعض شركات الإنتاج تحاول تستميل مرجعي الديجيتال والمؤثرين للحديث بشكل إيجابي بكلمات قد تكون محددة مسبقًا لدعم ودفع الجمهور إلى مشاهدة أفلامهم، وإن ذلك لا يشكل عامل ضغط على الناقد الحقيقي صاحب المبادئ الرئيسية الملتزم بها.
ولفت “مهدي” النظر خلال جلسة حوارية بعنوان “النقد السينمائي في مواقع التواصل الاجتماعي”، أن الشريحة صاحبة الصوت الأعلى هي من تشاهد الفيلم أولا ثم ترى المراجعة، لأنهم يأتون محملين بآراء وأحاسيس يريدون تفسيرها.
وإن فكرة الثنائي “مؤلف ومخرج” أو “سينرست ومخرج” دائمي التعاون مع بعض دليل على درجة التفاهم الممتازة، واستطاعتهم على قراءة الغرض والإخلاص لأدوارهم، وإن الثنائي المتفاهم موجود في السينما العالمية بكثافة.
وعن مشاركة نجوم السوشيال ميديا في الأفلام، قال: “شاهدت لبعضهم أعمال عظيمة، لدرجة أنني تفاجأت ببعض الأسماء المشهورة بالفاشن والميكب على السوشيال ميديا وظهورها في الأفلام، وبعدها مثلت دور بطولة مسلسل تدور أحداثه حول السوشيال ميديا”.
وأضاف، ولأنني أتامل في المقاطع الصغيرة على السوشيال ميديا بعين خبيرة، يوجد بعض الأداءات في تقديم الشخصية مبهرة في مشاهد خفيفة، ومن خلال تمثيل سريع نرى درجة كفاءة جيدة، ربما لا ترتقي إلى درجة ممثل محترف قادر على حفظ حوار والدخول في جلد شخصية ودراستها وفهم مكنونها وأهدافها والقدرة على تجسيدها، ولكن هي بذرة تستحق شيء من الرعاية والتعليم والاحتضان وتحمل أخطائها لفترة من الزمن، فقد تكون موازية للدراسة الأكاديمية، وربما لديه موهبة.
وينصح باستمالة بعض الشخصيات ممن لهم حضور في السوشيال ميديا، والبدء في صقل مهاراتهم وتعليمهم وتطويرهم وإعطائهم أدوار لتقديمها بألوان مختلفة وأشاكل جديدة قريبة للناس، فهم يمتلكون جمهورهم على السوشيال ميديا، ويمثلون شريحة من الناس الذين يرون أنفسهم فيهم، وربما يحتاجون بعض التطوير والإخلاص والجدية للوصول بهم إلى نتائج مبهرة.
ورفض “مهدي” تقديم مشاهير السوشيال ميديا لمجرد أنهم مشاهير، وإعطائهم دور في السينما دون تعليم أو تطوير لمجرد جلب إيرادات فذلك مفهوم تجاري، لافتا أننا نعيش على هذا الكوكب ومضطرين لقبولهم، ولكننا نؤمن بأنه تصرف غلط ومحبط ويضايق أصحاب الموهبة الحقيقية والأشخاص المتعلمين.
جاء ذلك خلال ملتقى الأحساء للنقد السينمائي الذي نظمته هيئة الأفلام في قصر خزام بمدينة الهفوف يوم الجمعة الماضي، تحت مظلة وزارة الثقافة، للتبادل الثقافي والنقدي في المنطقة، وتحفيز الحركة النقدية والبحثية في القطاع السينمائي وإثراء المعرفة السينمائية.