ثمة أناس يحبون الغناء.. ويجد أحدهم في نفسه ميلًا لفنان معين.. فيحرص على سماعه إعجابًا بصوته وبأدائه وبأغانيه.. حتى يتطور هذا الميل والحب ويصل إلى سويداء القلب. حينئذً لا يعد سماع أغانيه كافيًا له؛ فهي لوحدها لم تعد تشفي غليلًا ولا تروي ظمأ حبه لهذا الفنان.
وقبل السوشال ميديا كان المرء يتتبع أخبار فنانه المفضل في المجلات والصحف.. يبتاع صحيفة لكي يقرأ حوارًا أو تصريحًا مقتضبًا لمعشوقه.
يجن جنونه عندما يراه متصدرًا لغلاف مجلة.. فيدفع ثمن المجلة ويشعر بأنه ظفر بكنز عظيم، ولربما كان ما كُتب عن نجمه خبرًا تافهًا وبلا قيمة، بيد أن مسؤولي المجلة أذكياء عرفوا شعبية هذا النجم عند الناس فوضعوه على الغلاف لكي يتهافتوا على اقتنائها.
فتجده يمسك المجلة بتلهف وينتقل من صفحة إلى صفحة بسرعة ويعمل (سكيب) للصفحات حتى يصل إلى صفحة نجمه المفضل.
وتنفرج أساريره ويعلوه الحبور عندما يراه على شاشة التلفاز ضيفًا في أحد البرامج، ويود أن يعاود التلفاز بث هذه الحلقة مرارًا وتكرارًا؛ فهو لا يمكن أن يمل أو يتضجر من مشاهدة نجمه بأي حال من الأحوال.. يبتهج عند سماع أغنية له في التلفاز والراديو.
يحفظ أغانيه كلها عن ظهر قلب حتى تلكم الأغاني التي لم تنجح.. ويمتلك عددًا ضخمًا من الكاسيتات لهذا الفنان.. كل أغنية لفنانه يذكرها بالعام ويعرف اسم الشاعر والملحن.. ذاكرته تعد أرشيفًا لكل ما يتعلق بهذا الفنان.
البداية كانت إعجابًا فقط بحنجرة هذا الفنان وطربًا بصوته، ثم تطور الإعجاب إلى بحث وتقصي وتتبع وملاحقة لأخباره ومقابلاته.
بعد السوشيال ميديا الصحيفة والمجلة استبدلتا بزرٍ إلكتروني، ضغط بإصبعه على زر (فولو) لنجمه في سناب شات وإنستغرام ومنصة إكس.
وأصبح يتابع نجمه أولًا بأول.. لا تفوته شاردة ولا واردة عنه.. مع تزايد وانتشار الحفلات الغنائية قرر حجز تذكرة لحضور حفلة فنانه حتى لو دفع كل ما يملك أو حتى لو اضطر للاستدانة.
المهم حضور الحفلة.. وفعلًا حضرها.. بعد ذلك سمع أن نجمه سيكون حاضرًا في أحد الكرنفالات فقرر حضور هذه المناسبة وتزاحم مع آلاف البشر وعزم على الاقتراب ورؤية نجمه على الطبيعة وعن قرب ولأول مرة في حياته مع الكتل البشرية التي تحيط بالنجم.. احتمل الزحام والفوضى والتدافع وأنفاس الجماهير.
شاهد فنانه المفضل وقد بدا على بعد بضعة أمتار وذرفت من عينه دمعة تشي بالفرح.. وبعد عراك وتدافع ومثابرة وجَلَد شق طريقه من بين الأجسام، وصار قريباً جداً من نجمه وبات على بعد خطوة واحدة من تحقيقه حلمًا ظل يراوده سنوات طويلة.
كان السيناريو في رأسه يسير وفقًا للمخطط التالي: أن يصافح هذا الفنان ثم يلتقط معه سيلفي يتوج به هيامه وعشقه ومتابعته الدؤوبة لهذا النجم.
سيلفي يتباهى به ويفاخر عند المقربين منه.. بعد وقتٍ من المجاهدة استطاع أن يقترب من الفنان وما إن همَّ في مد يده لمصافحة تاريخية تسبق السيلفي المنتظر مع النجم الكبير حتى لمحه البودي جارد فبادره بصفعةٍ مدويةٍ على خده لأنه تجاوز في الاقتراب أكثر من المسموح به.
هذه الصفعة المدوية جعلت منه أضحوكة وبات (ترند) وحديث الرأي العام في بلده لبضعة أيام.. وتلقى سيلًا هائلًا من الطقطقة والتندر.
كأنما استيقظ من غفلةٍ طويلة وشعر بالندم على حضور هذا الكرنفال، وتمنى في قرارة نفسه في تلك اللحظة أنه لم يحضر وجلس في بيته من باب صون الكرامة.
الصفعة جعلته يقتنع بضرورة إعادة ترتيب علاقته بهذا النجم مستقبلًا. وحينئذٍ صدح بهذه الحكمة:
“مع المشاهير قف فقط عند الإعجاب.
كلام جميل وحقيقي ويعبر عن واقعنا الحالي