أكد أستاذ الآثار والحضارات القديمة في بلاد الرافدين والخليج العربي البروفسور العراقي قصي بن منصور التركي بأن المناخ والجغرافية هما المسرح الذي تقع عليه الأحداث التاريخية، والجغرافية هي الأساس، والإنسان هو الممثل على هذا المسرح، حيث تلزمنا الجغرافية على تحديد التواصل الحضاري والثقافي والأركيولوجي “الآثاري”، وفي غياب المسرح الجغرافي “الأرض” لا توجد آثار ولا كشوفات للإنسان، لذا لا يمكن فصل سومر بلاد الرافدين وسومر الأحساء.
وعرف الدكتور “التركي” في محاضره نظمتها جميعة الآثار والتراث بالمنطقة الشرقية في غرفة الأحساء بعنوان “الأصل الرافديني الخليجي المشترك للسومريين”، أسم “سومر” بالحضارة المكونة من ثلاث مصطلحات سومرية، هي: “كي” ويمثل الأرض، و “أن” يعني سيد أو رئيس أو شيخ أو مسؤول، و “جي” ويعني أرض القصب، لتصبح الكلمة “أرض سيد القصب”.
وكمسمى “سومر” باللغة العربية – حسب رأيه – جاء من خلال عنصر بشري يسكن في سامراء العباسية، قبل وصولهم إلى جنوب بلاد الرافدين، فإذا ما حذفنا حرف ألف والهمزة (حروف التأكيد) من “سامراء”، ستكون “سامر” أو “سومر”، مؤكدًا على وجود نصوص وردت من القرن الرابع الميلادي تثبت مسمى المنطقة “سومر”، وتدل على شعب قدم من وسط وشمال بلاد الرافدين بسبب الجفاف، واستقر على ضفاف نهري دجلة والفرات في السهل الرسوبي جنوب بلاد الرافدين.
أما عن طبيعة السومريون فهم شعب يعيش حياة حضارية هادئة، يميلون للثقافة والاستقلالية والتمدن والغناء والموسيقى والتجارة والتكتل في المدن، وليس لديهم رغبة في التوسع والسياسة وخوض الحروب والمعارك، ولذلك سميت بلاد سومر بالمصطلح الإنجليزي “City State”، وهم أول من أنشاء المدن في الحضارات القديمة.
وتمتد حدود بلاد “سومر” من مدينة بابل الحالية وتنتهي إلى أطراف المنطقة الشرقية بالمملكة العربية السعودية وصولا إلى دولة قطر، إما “دلمون” فهي حضارة تبدأ من رأس الخليج العربي مرورا بدولة الكويت والساحل الشرقي للمملكة العربية السعودية ودولة البحرين وصولا إلى دولة قطر، وعاصمتها الدينية البحرين وتحديدًا في قلعة تسمى البرتغالية، وعاصمتها الاقتصادية والتجارية والحياتية هي منطقة الأحساء.
ولفت إلى جغرافية “سومر” الثابتة منذ الأزل، وأنها لم تتغير ولم تتأثر بالعوامل الجغرافية، بينما “دلمون” لعب العامل الجغرافي دورًا كبيرًا في تغيبها كدويلات مدن، لكنها حاضرة في الأذهان كموقع جغرافي، فهناك دويلات مدن في المنطقة الشرقية، ومن خلال الأبحاث والدراسات ربما سبقت تكوين بعض دويلات مدن السومرية، ولها أدلة منها الاهتمام في صناعة الفخار، الذي ربما يكون انتقل من عين قناص إلى بعض دويلات مدن السومرية وليس العكس.
وأكد الدكتور “التركي” على وجود علاقة جيوبوليتيكية “الجغرافية السياسية” بين سومر والخليج العربي كعلاقة أهل، قرابة، نسب، استيطان، تمازج، ولا يمكن التفريق بين دلموني الأحساء وسومري بلاد الرافدين، بسبب طبيعة الحياة والبيئة الجغرافية.
وعن أول حضارة واستيطان بشري مشترك بين سومر بلاد الرافدين وسومر الخليج العربي، قال: الجغرافية تلعب دورًا والعامل الاقتصادي وطريقة المعيشة تحدد التكوين البيولوجي وتفكير الإنسان، فسكان دلمون في الخليج يتغذون على التمور والمنتوجات البحرية “الأسماك” أحد أسباب ذكاء الشعوب، وكذلك سكان بلاد الرافدين، مبينًا أن عادة جميع الشعوب التي تعيش على السواحل وتقتات على منتجات البحر تكون أذكى بسبب الأوميجا 3، إذا فالشعب الدلموني والسومري في بلاد الرافدين التقوا في العنصر الغذائي والاقتصادي.
وأشار إلى أوجه التشابه بين مجتمع جنوب بلاد الرافدين “العراق الحالي”، ومجتمع المنطقة الشرقية في المملكة العربية السعودية في الملابس، نوع الأكل، طبيعة الحياة والسلوك المجتمعي على مستوى الأفراد، وأنه جزء من الموروث الحضاري والثقافي.
ونفى تسمية الكتابة المسمارية، بل يجب تسميتها بالمصطلح الذي تكلم به أهل سومر وأهل بابل وآشور، حيث كانوا يسمون الكتابة بـ “شطارو” أو “سطارو”، من التسطير أي من الكتابة، كقوله سبحانه وتعالى: “ن والقلم وما يسطرون”، لأنه معرف “الشين” و “السين” إبدال لغوي في الكتابات القديمة، إذا يفترض نسميها الكتابة المسطرة.
ولفت إلى الخلط في مصطلح “سومر” والحضارة السومرية، فعصر السومري القديم يبدأ من منتصف الألفية الرابعة وينتهي بوجود “الأكاديين” القادمين من الجزيرة العربية في تأسيس أول إمبراطورية في التاريخ سنة 2371 قبل الميلاد، أسسها الملك الأكادي شاروكين “الملك المكين”، وبعدها حكم “الأكاديين” بلاد الرافدين لمدة ثلاثمائة سنة، وبعد سقوط حكم “الأكادي” على يد “القوتين” بدأ عصر سومري أخر يسمى العصر السومري الحديث، وينتهي حكمهم بظهور الدولة البابلية سنة 2004 قبل الميلاد.
ويناشد البروفسور “التركي” بمشروع تنقيب في منطقة الساحل الشرقي للمملكة العربية السعودية لإظهار الكتابات المسمارية، فالمستوطنات كعين قناص والدوسرية جنوب الظهران كلها مدن تحتوي على كتابات ومظاهر حضارية.