المرض ألمٌ ومُكابدة ،والموتُ فَقْدٌ ولوعة ،والخسارةُ ضياعٌ وحرمان ،والجوعُ تضورٌ ومعاناة ،والخوفُ صراعٌ وعتمة ،وجميعُها وبمختلف شِدة درجاتها ووقعها على النفس سوف تكون مَحطات مُتنوعة الأشكال في مسيرة حياة كُل إنسان( وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ … ).
والبلاءُ بأي نوعٍ مِما سَبق بَلاءُ أسباب وُضعت مُعَادلاتها ومُجرياتها بكل دقة من الله ،وإنَّ طريق تَجاوزها والانتقال من حَال إلى حَالٍ هو أيضا ضمن قانون الأسباب التي وضعها الله ( وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ .. ) .
فالصبرُ وَحْدهُ هو القادر على إحداث طاقة التَّحول من كُتلة البَلاء مَهما كان حجمها ونوعها إلى طاقة الدفع للخروج من رَحِمها ،وتحويلها إلى فرصة استثمارية للاستفادة منها( الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ .. ) والنتيجة الحتمية لتلك الطاقة وَعدٌ من الله بالمكافأة العظيمة التي يتمناها كلُ إنسان( أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ).
لقد تجذَّر في العقل اللاواعي مفاهيم خاطئة أو مُشتتة أو سَطحية حول مفهوم ( البَلاء والصَّبر والمُصيبة ) وشكلت مَفاهيم كُتلة كُل واحد منها في تعاملنا وسلوكنا انعدام طاقة الفائدة والجدوى ،وينحصر دورنا في كيفية اجتناب الإنسان الدخول في عالمها أو الاستفادة من وجودها في حياتنا.
ووصفنا أن كل إنسان يمر بنوع من أنواع البلاء هو شخص سَيءُ الحظِ وعديم الخبرة والتصرف ويحتاج إلى المُواساة والدعم والانتظار ،وأن عليه تحمل ما وقع عليه من بَلاء ( وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً )وأننا لن يطالنا ما أصاب غيرنا.
ومن هُنا تتبلور عُقدة المشكلةُ النفسية والصحية والاجتماعية والاقتصادية والعلمية والمهنية وغيرها في أي مجتمع يتعامل أفراده بسطحية وسذاجة مع تلك المفاهيم بعيدا عن لغة العلم والدين.
ففي الفيزياء تكافؤ الكُتلة والطاقة هو مفهوم يُوضح أن أي كُتلة لها ارتباط بالطاقة وأن أي طاقة لها ارتباط بالكتلة ،وكذا في المفاهيم يُمكن انعكاس هذا التكافؤ على البَلاء والصَّبر والمُصيبة ،فكلُ بَلاء يتمخض مصيبة وكلُ مُصيبةٍ يخرجُ من رَحِمها صبرٌ ،فلا مُصيبة بِلا بَلاء ولا بَلاء مِن دُون صَبر.
وهُنا يطرح علم النفس التطوري وعلم الأعصاب المعرفي مفهومه حول الصبر على أنه اتخاذ القرارات تجاه المشكلة التي تنطوي على اختيار مكافأة صغيرة في الأجل القصير أو مكافأة أكثر قيمة على المدى الطويل للخروج من المشكلة ( أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ).
من هُنا نُدركُ أن لكل مُصيبةٍ رَحِم تحمل في داخلها مكافأة تنتظر الأمل والمُثابرة والبحث عن قوانين الأسباب والمُسببات الواقعية والخفية ،وبذل كل ما يُناسبها من قُوة تُخرجها إلى الواقع مُفْعمة بالتعايش مع المُتغيرات والمستجدات من ناتج كُتلة المصيبة التي تم تحويلها إلى طاقة البِشارة التي من رَحِمها تُولد الحياة.
احسنت خصوصا في حالة الربط بين القوانين والأسباب ياريت تزيد من هذا العلم لانه البرهان
احسنت مستر بكر
جزاك الله كل خير
كلام جميل ويستحق الوقوف عليه وتأمل عباراته
كم أنتَ رائعُ سيدي أبا محمد . . . حقَّاً إلتفاتةٌ في غاية الروعة أن البلاءَ وقوعه بِكلِّ اصنافهِ وأشكالهِ هو أمرٌ طبيعيٌّ وقضاءٌ وقدرٌ محتوم ولكن هناك درجة أعلى منه هو الاستثمار الحقيقي وهو الصبررررررر !! رائع . . . رائع
سَلِمتَ وسَلِمت أناملك !!!
جزاك الله خير استاذنا الفاضل
واعاننا على الصبر والابتلاء
سلمت ابو محمد. موضوع في الصميم والصبر على المصيبة والبلاء والمرض واحتسابه عندالله سبحانه وتعالى تأتي بعدها البشارة من الله سبحانة وتعالى بالرحمة والهداية…..
تسلم أستاذنا العزيز موضوع في قمة الروعه
التعليق
احسنت ايها العزيز:
قال الله : “لقد خلقنا الإنسان في كبد” (البلد/٤)، فالنص الإلهي واضح وصريح أن الإنسان سيعيش في ألم ومعاناة طوال حياته يتخلل ذلك لحظات هادئة وجميلة ولكن الأصل فيها أنها دار شقاء وابتلاءات وذلك ليس دعوة للتشاؤم وكره الحياة، بل هو تذكير بحقيقتها وبأهمية اتخاذ ما يحمي منها. فالصبرُ هو حماية من الاستسلام لنوائب الحياة و هو مفتاحُ النجاحِ و به يُبلغُ الأملْ.
و لكن الانسان لعدم قدرته على رؤية النتائج المستقبليه، لا يدرك قيمة الصبر .
و قد قال زهير:
وَأَعلَمُ عِلمَ اليَومِ وَالأَمسِ قَبلَهُ. قَبلَهُ
وَلَكِنَّني عَن عِلمِ ما في غَدٍ عَمي.
موضوعُ حكمة و تفائل. جزيت خيرا
ابو احسان
أحسنت أبا محمد. لا أحد يحب البلاء أو يختاره طوعاً. ولكن إذا ابتُلِيَ الإنسان فليس أمامه سوى الصبر والتجلّد ومحاولة تجاوز التجربة واكتساب ثمرات الصبر والرضا بالقضاء التي أولها القدرة على مواصلة الحياة والحفاظ على اللياقة النفسية والمعنوية اللازمة اللازمة للمضي في الحياة.
السلام عليكم
اعتقد ان مفاهيم البَلاء والصَّبر والمُصيبة تعتمد على وضع الفرد ومدى ادراكه وفلسفته من الناحية العقائدية والعلمية والاجتماعية والنفسية وووو .
فمفهوم البلاء عند الانبياء والاولياء رحمة ونعمة وعند الملتزم اختبار وامتحان وعند البعض نقمة وعند وآخرين نتيجة وعند غيرهم حظ .. الخ
ومفهوم الصبر يختلف بين عالم وجاهل، وغني وفقير ووو.
وهكذا
فالمفاهيم تختلف باختلاف البيئة المحيطة بجميا جوانبها.
احسنت ورحم الله والديك سأبعثها الى ام حسن فهي تحتاج ان تذكر دائما بهذا الفهم الرسالي لفلسفة البلاء واهمية تحويلها الى فرصة للإرتقاء النفس والروح
رحم الله والديك وحفظك الله من كل كل سوء
الحمد لله على السلامة
سلمت أناملك الذهبية أستاذنا العزيز .
التعليق