لو كان لنا أن نقسم الإدمان إلى إيجابي وسلبي لصنَّفنا إدمان القراءة على أنه إدمان إيجابي أو محمود. ويا ليت هذا النوع من الإدمان ينتشر في مجتمعاتنا؛ إذ إن القراءة مرتبطة بالتطور في أي مجتمع؛ لكونها تعتمد على الكتب، التي هي الوعاء الذي تُراكَم فيه العلوم الإنسانية في كل جيل ليبني عليه الجيل الذي يليه.
فبينما نرفض جميع أنواع الإدمان تقريبًا فإن هذا الإدمان ندعو له ونبشر به دون حدود. ذلك أنه الإدمان الذي يمكن أن يقوم بعمل عكسي للإدمانات الأخرى كإدمان المخدرات والكحول والتدخين، أو يكون حائط صد أو مضادًّا حيويًّا بالغ القوة يساعد في منع حصولها حين يكون الفراغ سببها ويكون أصدقاء السوء مشجعيها.
فالقراءة التي بإمكانها أن تحل محل الأصدقاء يمكنها أن تعوض عنهم، بل إن بعض الكُتَّاب الكبار وبعض كبار القراء يفضلونها على الأصدقاء؛ لأن الكتاب صديق لا يمل ولا يضجر منك كما قال الجاحظ، ولكن في الحدود المعقولة التي لا توصل إلى الانعزالية عن المجتمع ونبذ الأصدقاء.
ويعد الإدمان على القراءة مرحلة متقدمة جدًّا على لياقة القراءة التي تعني فيما تعنيه مواصلة القراءة دون ملل مع استيعاب المقروء. وهناك علامات على إدمان القراءة؛ منها وجود مكتبة مكتنزة بالكتب، مع استمرار شراء كتب جديدة حتى قبل الانتهاء من قراءة ما هو موجود. كذلك فإن مدمن القراءة عادة ما يصطحب الكتب معه في كل مكان، ويستغل أي وقت فراغ في قراءة ولو سطور محدودة من الكتاب، مع شعور بنشوة عند قراءة كتاب لا تضاهيها نشوة أخرى، وأحيانًا شعور بالأسى عند الانتهاء من قراءة بعض الكتب.
ويلاحظ في مدمن القراءة أنه يجهز كتابًا ثانيًا في حال وجود كتاب يقرؤه؛ بحيث ينتقل بسرعة من كتاب لآخر في حال الانتهاء من الأول دون توقف. وعادة ما يكون حديث مدمن القراءة في كل مكان عن الكتب والإصدارات الجديدة منها، وعن معارض الكتاب المنتشرة في مختلف المدن والعواصم.
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: أحقًّا لا يتضمن هذا السلوك أي جوانب سلبية؟ الحقيقة هي أن الأمور تبقى تحت السيطرة ما دام هذا الإدمان لا يؤثر في مسار حياة القارئ ولا يدفعه للإخلال بواجباته أو حتى ببعضها، وهنا نتذكر ما حدث مثلًا للكاتب العراقي وعالم الاجتماع الشهير الدكتور علي الوردي، بسبب حبه للكتب؛ إذ أرسله أبوه لكي يعمل في أحد محال بيع العطور فما لبث رب عمله أن طرده بسبب انشغاله عن الزبائن بالقراءة.
أو ذلك الكاتب الذي كان دائمًا يخبئ كتابًا في درج مكتبه في عمله حتى يسرق بعض أوقات العمل في القراءة، أو مؤرخ القراءة الأرجنتيني ألبرتو مانغويل الذي بلغ من إدمانه لقراءة الكتب والروايات أن قال إنه لم يقابل أحدًا في حياته إلا ربط بينه وبين شخصية إحدى الروايات التي قرأها في حياته.
أما كيف تصبح مدمنًا على القراءة فيجب أن تجتاز أولًا عقبة لياقة القراءة، وأن تحرص دائمًا على قراءة ما يستهويك من كتب، لا ما ينشر أنه أكثر الكتب مبيعًا أو الكتب التي تكررت طباعتها أو تلك التي تُرجمت. فالكتب كما الأطعمة؛ ما يروق لشخص ويعده أفضل طعام قد يعده آخر سيئًا، وكما قيل: لولا الأذواق لبارت السلع.
حاول كذلك استغلال أوقات الفراغ الكثيرة في يومك لملئها بالقراءة؛ وذلك بحملك لأي كتاب، ولو كان مستواه عاديًّا، وحتى لو كان كتابًا إلكترونيًّا تقرؤه من جهازك الذكي في أي مكان. وأخيرًا قلل ما أمكنك من تصفح وسائل التواصل الاجتماعي التي تسرق الأوقات مع قليل جدًّا من الفائدة، وحاول انتقاء أفضل أوقات يومك للقراءة مثل وقت ما قبل الخروج للعمل.
اعترف بشكل سوداوي بأنني بحاجة لإدمان القراءة للهرب من العالم أكثر من حبي للأدب! مجهول.