الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فإن من نعم الله سبحانه على بعض عباده ، أن يستعملهم في نفع خلقه ، وأن يبارك لهم في أموالهم وأعمالهم ، وأن يكونوا قدوة حسنة في مجتمعاتهم ، وأحبُّ الناسِ إلى الله أنْفَعُهم لِلنَّاسِ َ والْإِنْسَان -أَي إِنْسَان، وَمِنْ أَيِّ جنْس كَانَ- هُوَ مَذْكور بِأَعْمَالِه وَمُنْجَزَاتِه فِي حَيَاتِه، حَتَّى لو قيل: الْإِنْسَان إِنْجَاز، لَكَانَ صَحِيحا؛ لكَوْنهِ لَا يعْرَف إِلَّا بِمَا أَنْجزَ، وَلَا يُذْكَر إِلَّا بِمَا عَمِل. نعم هو فارس وجواد العطاء والكرم ، والأخلاق ، العم الشيخ عبداللطيف الجبر رحمه الله – شرفت بالجلوس معه بل وتتلمذت على يديه ، فهو مدرسة وأستاذ في نبل الأخلاق ، والموفق من يغادر هذه الدنيا فَيَجْعَلَ لَهُ أَثَرًا طَيِّبًا فِي حَيَاتِهِ؛ فَيَصِيرَ ذَلِكَ أَثَرًا حَسَنًا بَعْدَ مَمَاتِهِ يَمُدُّ بِهِ عُمْرَهُ وَيَزِيدَ بِهِ فِي حَسَنَاتِهِ؛ وَهَذِهِ النَّمَاذِج المباركة -وَإِنْ مَاتَتْ أَجْسَادُهُمْ- فَحَسَنَاتُهُمْ لَمْ تَمُتْ، وَإِنْ وَارَى التُّرَاب أَجْسَامَهمْ، فَأَفْعَالُهُمُ الطَّيِّبَة وَآثَارُهُم الْحَسَنَة لَا زَالَتْ تَرْسُم صُوَرا ذِهْنِيَّة لَدَى الْمُجْتَمَع يَذْكُرُونَه فِيهَا بِخَيْرٍ وَيَحْتَذُونَ بِهَا ، ويدعون له ، ويترحمون عليه ، بسبب أعماله التي قدمها ، والعم رحمه الله تنوع في صور العطاء من تعليم وصحة وخدمات اجتماعية ، ووقاية من المخدرات وأشكالها ( مستشفى الجبر لعلاج الإدمان ) ، أثر عن السلف قولهم : «إذا أردتم أن تعلموا ما للعبد عند ربّه فانظروا ما يتبعه من حسن الثناء» وفي قوله سبحانه «{وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ} : أي ذكراً جميلاً وثناء حسناً وقبولاً عاماً وهنا لفته جميلة في تفسير القرطبي عند قوله سبحانه ( واجعل لي لسان صدق في الآخرين ) قال القرطبي : هُوَ الثَّنَاءُ الْحَسَنُ وَخُلْدُ الْمَكَانَةِ . ثم قال : في قوله «إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا” أَيْ حُبًّا فِي قُلُوبِ عِبَادِهِ وَثَنَاءً حَسَنًا، فَنَبَّهَ تَعَالَى بِقَوْلِهِ:” وَاجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ” عَلَى اسْتِحْبَابِ اكْتِسَابِ مَا يُورِثُ الذِّكْرَ الْجَمِيلَ .. قَدْ مَاتَ قَوْمٌ وَهُمْ فِي النَّاسِ أَحْيَاءُ» «وقال أكثم بن صيفيّ حكيم العرب: ذلّلوا أخلاقكم للمطالب، وقودوها إلى المحامد، وعلّموها المكارم …وتحلّوا بالجود يكسبكم المحبة» وقيل لحكيم: أي فعل للبشر أشبه بفعل الباري تعالى، فقال: الجود» نعم
من يفعل الخير لا يعدم جوازيه … لا يذهب العرف بين الله والناس» وما هذه الندوة المباركة إلا رد جميل لما قدمه العم رحمه الله لمجتمعه ووطنه ، فالعم ترك بصمة مضيئة يشع نورها من خلال منجزاته وأعماله ، ومن خلال مجالستي للعم كثيرا ، وأرى أعماله الخفية ، يذكرني بقول حاتم :
«أماويّ قد طال التجنّب والهجر … وقد عذرتنا في طلابكم العذر
أماويّ إنّ المال غاد ورائح … ويبقى من المال الأحاديث والذّكر
أماويّ إنّ المال مال بذلته … فأوّله شكر وآخره ذكر ، يذكرني أيضا بقول زهير :
قد جعل المبتغون الخير في هرم … والسائلون إلى أبوابه طرقا
من يلق يوما على علّاته هرما … يلق السماحة منه والندى خلقا»
ابن عبد ربه صاحب العقد الفريد ذكر أجواد أهل الإسلام وأجواد أهل الكوفة وغيرهم ، وأنا أقوال العم بو ماهر رحمه الله من أجواد ورموز العطاء في المملكة العربية السعودية …. يصدق فيه قول الشاعر :
سأبذل مالي كلما جاء طالب … وأجعله وقفاً على القرض والفرض
للعم رحمه الله صدقات خفيه وكنت بنفسي أباشرها معه للفقراء والأرامل والمساكين ، يصدق فيه ، قول الشاعر : يخفي صنائعه والله يظهرها … إن الجميل إذا أخفيته ظهرا
العم وقبل موته بأشهر يسيره ، عالي الهمة وبنفسه يباشر أمور الخير ، وبنفسه يكلم ويتصل على المدعوين ، همته في العطاء ذكرني بعلماء السلف السابقين ، وأجمل ما يوصف بأنه :
ما شاب عزمي ولا حَزْمي ولا خُلُقي … ولا ولائي ولا ديني ولا كرمي
وإنما اعتاضَ رأسي غير صِبغته … والشيب في الرأس غير الشيب في الهممِ
وهنا أمر مقترح لجمعية أدباء ، لكي يكتمل العقد ، وتستفيد الأجيال الناشئة ، جميل أن تعقد ندوة ، والأجمل أن تكتب سيرته وتدون كما قال الجاحظ في كتابه ( الحيوان ) مبينا أهمية الكتابة والتدوين : «ولولا الكتب المدوّنة والأخبار المخلّدة، والحكم المخطوطة التي تحصّن الحساب وغير الحساب، لبطل أكثر العلم، ولغلب سلطان النّسيان ، سلطان الذكر، ولما كان للناس مفزع إلى موضع استذكار»
ختاما شكر ودعاء ، شكر لسمو الملكي الأمير سعود بن طلال على رعايته لهذه الندوة ، ولجمعية أدباء على هذه المبادرة ولمسة الوفاء .. ونسأله سبحانه بمنه وكرمه أن يغفر للعم أبي ماهر ، ويسكنه فسيح جناته _ ويجعل قبره روضة من رياض الجنة ، اللهم آمين .