في نهاية رواية (البؤساء) للرائع “فيكتور هيجو” ختم “جان فالجان” حياته بهذه الكلمات: الموت ليس شيئًا.. الشيء الرهيب هو أن لا نعيش!
ويقول لاري بروان بعد عامٍ من العلاج قال لي الطبيبُ النفسي: ربما الحياة ليستْ للجميع، في حين يقول الفنان “تشاري تشابلن” والذي أضحك الملايين: أُحِبَّ المشي تحت المطر؛ لأن لا أحد يرى دموعي هناك!
مخزون رهيب من المعاناة خلف تلك الكلمات السابقة، وصورة قاتمة للحياة تختبئ خلف ألوانها الصاخبة، ومحاولات متواضعة للظفر بالخروج منها بابتسامة على أقل تقدير.
لم يكُن سهلًا علينا أن نبدو بمظهر ثابت وداخلُنا ينتفِض.. أن نقابل الجميع بوجوه بشوشة وأرواحنا تبكي بصمت.
ليسَ سهلًا أبدًا أن نُهمِّش أحزاننا ونبتلِع أتراحنا ونُدمِن الكتمانَ والفراغَ لنعيش مجددًا، أو على الأقل نحاول التعايش في فصول رواية نحن إحدى أبطالها المهزومين، ولكن نمثِّل دور المنتصر فيها، ومن ثَمَّ نمضي في رحلة الحياة ببقايا محطَّمة. ونفس منكسرة.
ليسَ هيِّنًا علينا أن نكمِل ما تبقَّى من أعمارنا عكس ما كنَّا نحلم ونرغَب، وبكل شجاعة نحاول أن نخرج من فم الأوجاع أحياءً.
كمية من الأحلام خذلتنا، والأمنيات تسرَّبت بين أيدينا، والآمال التي خالفت التوقعات.
هذا وذاك يجبرك على أن تكون شخص آخر غيرك.. يختفي خلف ابتسامة شاحبة، ولباس أنيق، وعطر جذَّاب، ومع ذلك تظل تطل بمشاعر رحبة تمنحها لمن حولك، وأنت تبتسم لذاك، وتمازح الآخر، وتهتم بمن لا يهتم له أحد.
يقول توماس أريسكسون في كتاب (محاط بمرضى نفسين):
إن 2% من سكان العالم مختلون نفسيًا يخالفون كل توقعاتنا السلوكية.. يفتقرون إلى الإحساس بالشفقة والتعاطف، ويميلون إلى التلاعب بالآخرين بلا ندم من أجل خدمة أهدافهم.
المرضى النفسيون يستمتعون برؤية شخص آخر في وضع محرج أو مؤذٍ؛ لأن ذلك يعطيهم طاقة إضافية، وهم عادة يضحكون على سوء حظ هذا الشخص الذي وضعه في هذا الموقف، وهم دائمًا يلفِّقون سببًا للبدء بالصراخ على الشخص الآخر ويتعمدون تحطيم الأشخاص الآخرين، ويحبون مشاهدة هؤلاء الأشخاص يتحطمون أمامهم تحت الضغط الذي يسببونه لهم.
يَحكي عملاق الأدب الروسي ليو تولستوي عن موقف صادفه بينما كان يسير في قريته حيث شاهد صبيًّا صغيرًا ينهال ضربًا على ابن إحدى عمال المزرعة التي كان يمتلكها والد تولستوي، وهو يقول له: كيف تجرؤ على أن تمد يدك القذرة إلى كرتي وتلعبُ بها؟
عاد تولستوي إلى بيته متأثرًا مما شاهده، وأمسك بقلمه ليكتب قصة الطفولة والتي كانت أول أعماله الأدبية وهو شاب لم يناهز بعد عامه الرابع والعشرين، إذ كتب: “ما أقسى طبيعة البشر! لقد كانا طفلين أحدهما أعطته الحياة كل شيء، والثاني حرمته الحياة كل شيء، ولقد كانت هذه هي جريمته الوحيدة ومن أجلها استحق العقاب”.
نحن لا نأخذ حظوظنا من الحياة بنفس القدر، كما الحال في أرزاقنا منها، وحتى الآلام والمعاناة لاتوزَّع على البشر بالقدر نفسه؛ فهناك من تثقله كاهله الحياة بالمصائب، وتفترس جسده بالمرض، وتقسو عليه بلا شفقة.
نحن لا نختار الفقر، ولا المرض، ولا الظروف حولنا والتي تساهم وبشكل كبير في الروح نقابل بها الحياة في حال ابتسامتها أو عبوسها، حلوها وكدرها، جمالها وقبحها، ونحن نتعامل مع الآخرين يجب أن نتلطف في ذوي القلوب المنكسرة، والأرواح المراهقة، والأجساد المتعبة، فقد أخذوا حظًّا من الشقاء لا تعرفه، ونال الألم منهم موطن تجهله، وخابت آمال تعلقول بها.
ومع ذلك تجدهم يدفعون دولاب الحياة بأيادٍ مرتعشة، ويفتحون نوافذ الأمل بقلوب وَجِلة، ويتسولون دقائق الفرح بضحكات واهنة.. لا يحتاجون منَّا إلا الابتسامة في وجوهم الموجوعة، وكلمة تخفِّف خيباتهم المتوالية، ومواساة تعيد الحياة لأرواحهم المتهالكة؛ ففي أعماقهم صخب لا يهدأ رغم ملامحهم الهادئة، وعيونهم لا تدمع رغم أن محاجرهم تمتلِئ بالدموع، وظاهرهم مبتسم رغم مراسم العزاء في أرواحهم.
يبكون تحت المطر، ويستعذبون الألم، ويختارون الصمت، ويغرقون في الوحدة.
إنها الإنسانية.. أن تكون إنسانًا أو أن تموت وأنت تحاول كما يقول ليو تولستوي.
التعليق
هذا وذاك يجبرك على أن تكون شخص آخر غيرك.. يختفي خلف ابتسامة شاحبة، ولباس أنيق، وعطر جذَّاب، ومع ذلك تظل تطل بمشاعر رحبة تمنحها لمن حولك، وأنت تبتسم لذاك، وتمازح الآخر، وتهتم بمن لا يهتم له أحد. ( قمة الجمال والرقة في الطرح .. متألقة ومبدعة دائمًا وأبدًا )
رائعه جميل ماكتبتي استاذتي وقدوتي❤️❤️
مبدعة كما عهدتك دوما وكتاباتك تلامس الوجدان لصدقها وقربها من القلب 🌺فاطمة القحطاني
نعم بداخل كل منا صخب لا يهدأ ؛ فخلف قناع الهدوء الذي نرتديه يوجد قلب يتوجع و نفس كسرت بالخذلان ، لكنني لن أهزم و لن أستسلم أبدًا ..نعم سأسقط مرات لكنني سأنهض في كل مرة لأصبح أقوى و أقوى ، و سأحول انهزماتي الى أمل يجدد بي الحياة و سأعد نفسي بأنني سأستمتع بها حتى اخر نفس لي . …لن يكسرني شي
جميل ما كتبتي أ/ أمل …تحياتي
ناهد العتيق
استمتعت بكتاباتك الرائعة كروعتك
دائما متميزة دمتي بحب وتميز
أبدعتي فيما كتبتي استاذة امل فعلا ليس من السهل بالسير وانت محملا بالاثقال ..تظهر عكس ماتخفي ….لانها تحتاج قوة ولكنها الحياة ونحن فيها نتحرك وفق ماتعلمنا وماااكتسبناه منها بل هناك درس تختازه وانت لم تتعلمه فيعود لك من جديد ….احسنت
احسنت فيما كتبتي.
التعليق
نعم بداخل كل منا صخب لا يهدأ ؛ فخلف قناع الهدوء الذي نرتديه يوجد قلب يتوجع و نفس كسرت بالخذلان ، لكنني لن أهزم و لن أستسلم أبدًا ..نعم سأسقط مرات لكنني سأنهض في كل مرة لأصبح أقوى و أقوى ، و سأحول انهزماتي الى أمل يجدد بي الحياة و سأعد نفسي بأنني سأستمتع بها حتى اخر نفس لي . …لن يكسرني شي
جميل ما كتبتي أ/ أمل …تحياتي
ناهد العتيق