لا يمكن أن تُعَدَّ علاقة الأستاذ علي معتوق الحرز بعالم الكتب والقراءة إلا أنها عشق من نوع خاص. فهذا الباحث والمثقف الذي يعيش في إحدى بلدات الساحل الشرقي من القطيف (أم الحمام) استضاف عشرات الآلاف من الكتب، يجمعها منذ عدة عقود، مقترًا على نفسه في المال والمكان؛ إذ أنزلها في أوسع غرف منزله على حساب استفادته منها لأغراضه الأخرى.
بدأ بجمع الكتب منذ سن الثانية عشرة، ولم يكن يسمع بكتاب نادر أو مخطوطة قيّمة أو مجلة نفيسة إلا وشدّ الرحال إليها في سبيل الحصول عليها، إذا كانت أسعارها في متناوله، حتى فاق عدد كتب مكتبته ثلاثين ألف عنوان في مختلف المجالات والاهتمامات، إضافة إلى 100 ألف جريدة ومجلة سعودية وعربية، بعضها يعود إلى عشرات السنين. وتضم مكتبته كذلك متحفًا للمقتنيات القديمة كالأواني والأجهزة والمستلزمات التي لم تعد تستخدم في أيامنا هذه.
ويقضي أبو كفاح ثمان ساعات كل يوم في القراءة وفي أرشفة وتنظيم مكتبته، كما يقوم بنفسه بمتابعة وتوثيق كل ما يكتب عن القطيف في الصحف والمجلات، ثم أرشفته بدقة، علاوة على متابعة وأرشفة كتابات وأنشطة الأدباء والشعراء والمثقفين السعوديين في مختلف المناطق. قال في أحد لقاءاته إن عدد ساعات قراءته وصل في أيام كورونا (مثلًا) إلى ما بين أربع عشرة إلى ست عشرة ساعة في اليوم.
ولأنه قارئ غير عادي وليس مجرد جامع للكتب، فقد أطلق على قاعات مكتبته أسماء الفلاسفة اليونانيين، فهناك قاعة سقراط وأفلاطون وأرسطو. وسمَّى مكتبته (جدل)، وهو اسم استقاه من التراث الإسلامي أولًا (من سورة المجادلة)، ومن قراءاته للفيلسوف هيغل.
وبلغ من تعلقه بعالم القراءة والكتب أنه كان يكرر قراءة بعضها أكثر من مرة، حتى قال إنه قرأ أحد الكتب تسع مرات حتى يستوعب أفكاره كليًّا، كما قال إنه لم يستطع النوم في إحدى الليالي إلا بعد أن أنهى كتابا كان يقرأه رغم ارتباطه بالعمل صباح اليوم التالي.
وعندما زرته قبل مدة وسألته عن دافعه لتأسيس المكتبة قال إنه حبه للكتب والقراءة، ورغبته في دفع الناس لحبها، خاصة الأجيال الجديدة التي قد تستثقل الانتقال لمسافات بعيدة من أجل الوصول إلى مكتبة عامة.
ولم يكتف أبو كفاح بتأسيس المكتبة، بل حوّلها إلى ما يشبه المركز الثقافي، حيث يستقبل فيها وفودًا متنوعة من الأدباء والمثقفين الذي يزورون المنطقة الشرقية ويبدون رغبتهم في زيارة مكتبته. كما يعقد بين حين وآخر لقاءات أدبية لمناقشة بعض الكتب والقضايا الثقافية، ويستقبل حتى طلاب المدارس من صغار السن لكي يطلعهم على شغفه بالكتب وعالم القراءة.