تحتفي المملكة قيادةً وشعبًا يوم غدٍ السبت الموافق 23 سبتمبر 2023م باليوم الوطني الثالث والتسعين للمملكة العربية السعودية.
ويستذكر أبناء الوطن ومن يقيمون على أرضه اليوم، هذا المناسبة الوطنية وهم ينعمون برخائه، ويتمتعون بنموه، معتزين بشموخه، ومتفاخرين بإنجازاته، وطامحين لمستقبل يحقق أحلامهم ويرسم طريقاً ذا خطى ثابتة للأجيال المتعاقبة، تحت ظل قيادة حكيمة سارت بالوطن إلى مصاف الدول المتقدمة، وسخرت كل السبل لراحة المواطن والمقيم، ليعيشوا بكرامة وعزة وسلام وأمان.
وما نعيشه اليوم هو امتداد لتاريخ صنعه رجلٌ عظيم، كان له الفضل بعد الله سبحانه وتعالى، في تأسيس دولة على شرع الله، رايتها التوحيد، ودستورها كتاب الله، وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، تنعم بالأمن والأمان والاستقرار، غايتها بناء دولة حضارية ذات قوة فاعلة على المستويين المحلي والدولي.
وأكمل المسيرة أبناؤه البررة من بعده، لنصل اليوم إلى عصرنا الزاهر في ظل قائد مسيرتنا وحامي بلادنا ومصدر فخرنا خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، وسمو ولي عهده الأمين -حفظهما الله -.
تستذكر “واس” في هذا التقرير، سيرة القائد الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل آل سعود – رحمه الله وجزاه الله عنا خير الجزاء -، الذي أفنى عمره في مواجهة تحديات الحياة في الجزيرة العربية التي كانت ترزح قبل أكثر من ثمانية عقود تحت وطأة التناحر والخوف والهلع وشظف العيش، ليؤسس بفضل الله تعالى دولة فتية تتمتع بالأمن والاطمئنان والخيرات الوفيرة، ويقف لها العالم احترامًا وتقديرًا.
ولقد ارتسمت على أرض المملكة العربية السعودية ملحمة جهادية، تمكَّن فيها الملك عبدالعزيز -رحمه الله- من جمع قلوب أبناء وطنه وعقولهم على هدف واعد نبيل، وبتوفيق الله وما حباه الله من حكمة وصل الملك عبدالعزيز إلى إرساء قواعد وأسس راسخة لوطن الشموخ قادته لنشر العدل والأمن ممضيًا من أجل ذلك سنين عمره.
وفي 23 من سبتمبر عام 1932م جاء الإعلان التاريخي للملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود -رحمه الله-، لتوحيد بلادنا المباركة تحت راية “لا إله إلا الله، محمد رسول الله” وإطلاق اسم المملكة العربية السعودية عليها بعد جهاد وكفاح استمر اثنان وثلاثون عاماً وضع خلالها قواعد راسخة لهذا البنيان العظيم، وذلك على هديٍ من كتاب الله الكريم وسنة الرسول الأمين، عليه الصلاة والسلام، سائراً في ذلك على نهج أسلافه من آل سعود.
وقد نشأت آنذاك دولةً فتيةً تزهو بتطبيق شرع الإسلام، وتصدح بتعاليمه السمحة وقيّمه الإنسانية في كل أصقاع الدنيا، ناشرةً السلام والخير والدعوة المباركة، باحثةً عن العلم والتطور سائرةً بخطى حثيثة نحو مستقبل أفضل لشعبها وللأمة الإسلامية والعالم أجمع.
وبحسب ما ورد في مجلد “سيرة وشخصية الملك عبدالعزيز ومراحل بناء الدولة السعودية الثالثة” -طباعة دارة الملك عبدالعزيز-، ولد الملك المؤسس في مدينة الرياض عام 1293هـ وترعرع فيها، ونهل من علمائها، حيث تعد الرياض امتدادًا تاريخيًا لمسيرة الآباء والأجداد.
وحرصًا على تنشئته وتعليمه، عهد به والده الإمام عبدالرحمن بن فيصل آل سعود –رحمه الله– إلى القاضي عبدالله الخرجي لتعليمه القرآن الكريم والقراءة والكتابة وهو في سن السابعة من عمره، وفي سن العاشرة تلقى تحصيله في الفقه والتوحيد على يد الشيخ عبدالله بن عبداللطيف آل الشيخ، وبالتوازي مع ذلك كان الملك عبدالعزيز يتعلم ركوب الخيل، ومهارات الفروسية.
تأثرت شخصية الملك عبدالعزيز كثيرًا بشخصيّة والده الإمام عبدالرحمن الفيصل –رحمهما الله- حيث كان أبًا وُمعلمًا وأخًا وصديقًا لابنه، فضلًا عن شخصية والدته الأميرة سارة السديري التي كانت من أكمل النساء عقلًا وتدبيرًا، وكان محبًا لإخوته (خالد، وفيصل، وفهد، ومحمد ونورة)، لكن علاقته بالأميرة نورة -رحمها الله- كانت أكثر حميمية، واحتلت مكانة كبيرة في نفسه -رحمه الله-، حتى أنه ينتخي بها بالقول: “أنا أخو نورة أنا أخو الأنوار”، ويحرص على زيارتها يوميًا في منزلها.
وللملك عبدالعزيز شخصية قوية آسرة ومهابة تأثر بها كل من قابله، وصورة باسمة مشرقة بأسارير متهلّلة بما عُرف عنه -رحمه الله- من لين الجانب والتواضع والمرح، وعدم تكلّفه في الحديث مع أبناء شعبه ورعيته، فضلاً عن كرمه وسخائه مع الجميع، فلم يكن ملكًا فقط، بل كان رب أسرة ومحبًا للجميع، ورجل قدوة في أفعاله وسلوكياته.
وعُرف عن الملك عبدالعزيز احترامه الكبير للعلماء طيلة فترة حياته –رحمه لله–، فكان يقدمهم على إخوته في مجلسه، ويستمع إليهم، ومبعث ذلك إيمانه التام بقيمة العلم والعلماء وأثرهم في الحياة، وأن احترامهم وحسن العلاقة بهم والاستئناس بآرائهم واجب تمليه العقيدة الإسلامية التي ظل مطبقًا لمنهجها –رحمه الله- في حياته الخاصة والحياة العامة في البلاد، ومضى على ذلك النهج من بعده أنجاله الملوك البررة.
ومرّ الملك عبدالعزيز -رحمه الله- بأحداث ومحطات متعددة في حياته كانت مؤثرة في بناء شخصيته الفذّة -رحمه الله- خاصة منذ أن بلغ سن الخامسة عشر، حيث أسهمت هذه الأحداث في صقل شخصيته، وعلمته الصبر والقوة والإقدام.
وعدّ المؤرخون خروج الملك عبدالعزيز، مع والده الإمام عبدالرحمن –رحمهما الله– وبعض أفراد أسرته من الرياض عام 1308هـ الحدث الأصعب في حياته، وكانت محطتهم الأولى بعد الرياض واحة “يبرين” في الأحساء ثم البحرين إلى أن وصلوا فيما بعد إلى الكويت واستقروا بها عدة سنوات ظل فيها الملك عبدالعزيز معلق القلب بالرياض.
واتخذ الملك المؤسس “يبرين” -مقرًا له لتنفيذ خطته في إعادة الرياض– وهي واحًة من واحات الأحساء بمحاذاة رمال الربع الخالي من الشمال.
وعندما بلغ الملك عبدالعزيز سن العشرين من عمره وهو في الكويت توجّه في الخامس من شهر رمضان عام 1319هـ إلى الرياض في رحلة بطولية قاد مسيرتها بصحبة رجاله ليتمكنوا بفضل الله تعالى من اختراق جوف الصحراء التي تلتهب رمالها تحت أشعة الشمس الحارة، صائمين رمضان لربهم، قبل أن يأتي عليهم يوم العيد وهم في موقع يطلق عليه “أبو جفان”.
وفي اليوم الرابع من شهر شوال من عام 1319هـ وصل الملك عبدالعزيز ورجاله إلى “ضلع الشقيب” الذي يبعد عن مدينة الرياض نحو ساعة ونصف مشيًا على الأقدام، ومن الضلع تقدموا إلى الرياض التي دخلها الملك عبدالعزيز بذكاء القائد المحنك وأعاد الأمور إلى نصابها الصحيح بعد عملية بطولية حامية الوطيس لم تدم طويلًا، طوى خلالها الملك عبدالعزيز زمن العهد الغابر في الرياض، معلنًا بداية العهد الزاهر في نجد بعد أن بايعه أهالي الرياض وأعيانها عام 1320هـ أميرًا على نجد وإمامًا لأهلها، وذلك عقب صلاة الجمعة في ساحة المسجد الكبير بالرياض، فدبّ الاستقرار السياسي في مدينة الرياض بعد سنين من الاضطراب، وكانت وحدة الحكم من أهم العوامل التي مهّدت دخول الرياض مرحلة جديدة من النمو والازدهار الحضاري.
وتمكن الملك عبدالعزيز آل سعود –رحمه الله – بفضل الله تعالى عبر رحلة طويلة أضناه فيها طول المشي والتفكير من لملمة شتات البلاد، وإعادة الأمن، والتصدي للفوضى التي كانت سائدة في الجزيرة العربية آنذاك، وأصبح بمحبة الناس ملكًا لدولة سهر على بنائها وأوجد نظامها حتى أصبحت لها مواقف مشرّفة مع الأمتين الإسلامية والعربية والعالم أجمع.
واهتم الملك عبدالعزيز بتطوير البلاد، فأصدر مرسومًا ملكيًا يقضي بتحويل اسم الدولة من (مملكة الحجاز ونجد وملحقاتها) إلى المملكة العربية السعودية، وذلك في 21 جمادى الأولى 1351 هـ الموافق 23 سبتمبر 1932م.
ووجَّه الملك عبدالعزيز عند بداية تنظيم الدولة بالاهتمام بالحرمين الشريفين وتوسعتهما، وخدمة الحجاج والمعتمرين، فضلاً عن البدء في فتح المدارس، وإنشاء المستشفيات، وبناء القرى، وإصلاح التربة، وتوطين البادية، والتنقيب عن مياه الري من أجل دعم الزراعة، بيد أن هذه الجهود كانت تتطلب توفير المال لتنفيذها.
وتماشيًا مع الرغبة في النهوض بالبلاد، بدأت في خريف عام 1933م عمليات التنقيب عن النفط في بعض أراضي المملكة، لكن مضت أربعة أعوام عجاف لم تثمر أعمالها عن الوصول إلى نتيجة إيجابية مرضية لاكتشاف مكامن النفط، إلى أن قرّر الخبراء التنقيب حول بئر ماء في منطقة تسمى “عين جت” كان الملك عبدالعزيز قد توقّف عندها عام 1319هـ في طريقه من الكويت إلى الرياض، فكانت المفاجأة وجود النفط على عمق 5 آلاف قدم تحت الأرض.
وانتعشت الأرض الصحراوية بخروج الذهب الأسود الذي حوّل الصحراء القاحلة المؤنسة بهبوب الرياح إلى مدينة مزدحمة بالعمال والمهندسين وخبراء النفط.
وفي عام 1939م ضخ النفط أول بشائره في احتفال شهده الملك عبدالعزيز –رحمه الله-، ليستهل بعدها مشروعات الدولة التي خطط لها -رحمه الله-.
وكان اهتمام الملك عبدالعزيز –رحمه الله– بالشأن الخارجي بنفس اهتمامه بالشأن الداخلي، حيث كان يتعامل مع جميع دول العالم بدبلوماسية عالية المستوى، آخذًا بعين الاعتبار استقلال المملكة بقرارها واختيار طبيعة علاقاتها مع الدول دون الإخلال بمكانتها الدينية والحضارية والثقافية وهو ما جعله محبوبًا من مختلف قادة دول العالم، وأصبح حديث الإعلام العربي والإقليمي والدولي في ذلك الوقت.
وفي شهر محرم من عام 1373هـ ترجل الفارس الملك عبدالعزيز عن صهوة جواده بعد أن اشتد عليه المرض أثناء إقامته في الطائف، وفي فجر الثاني من شهر ربيع الأول من عام 1373هـ الموافق 9 نوفمبر 1953م فاضت روحه –رحمه الله- إلى بارئها.
تُوفي –رحمه الله- بعد أن سار في رحلة طويلة عاش فيها أعظم الأحداث، وواجه أكبر التحديات، لكنه ترك للأجيال من بعده إرثًا عظيمًا يهنأ فيه الجميع بين أحضان دولة أسّست على التوحيد لتظل -ولله الحمد- في نماء مستمر، وأمن وخير وسلام حتى وقتنا الحاضر.
وُوري جثمان الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود –رحمه الله- في مقبرة العود وسط مدينة الرياض.
وقد اهتم الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود -رحمه الله- بجمع المؤلفات العلمية خلال حياته على الرغم من انشغاله بمرحلة بناء الدولة في ذلك الوقت، فكان شغوفًا بالاطلاع على الكتب العربية المعنية بمختلف العلوم خاصة العلوم الشرعيّة وطباعة معظمها على نفقته، وتوزيعها مجانًا للاستفادة منها، ليتم حاليًا رصد 1468 مجلدًا نادرًا في مكتبته الخاصة.
وتناولت كُتب ودوريات مكتبة الملك عبدالعزيز الخاصة في مقرها بدارة الملك عبدالعزيز بالرياض معارف نادرة ومتميّزة في مجالات العلوم الشرعية، والتراجم، والجغرافيا، والتاريخ الإسلامي والعام، واللغة العربية وآدابها، مرتبة وفق فهرسة رقمية تسهّل على الباحثين والدارسين عناء البحث في المجالات العلمية والفكرية والإسلامية.
وعدّت المكتبة مصدرًا مهمًا من مصادر التاريخ الحديث في المملكة العربية السعودية، خاصة ما يتعلق بعلاقة الملك عبدالعزيز -رحمه الله- بالعلم والمعرفة، كما تحمل كتبها في طياتها وأغلفتها عبارات وشواهد تاريخية سطرها العديد من المؤرخين والمؤلفين المعروفين في العالمين العربي والإسلامي في ذلك الزمان.
وحرص الملك عبد العزيز -رحمه الله- أثناء حياته على نشر الكتب وطباعتها وتوزيعها على الناس عامة وطلبة العلم خاصة في داخل المملكة وخارجها، كما ساعد بعض المؤلفين على الاستمرار في نشاطه العلمي من خلال شراء نسخ عديدة من الكتب المطبوعة وتوزيعها على نفقته الخاصة.
وتخصّصت الكتب التي أمر بطباعتها –رحمه الله- إبّان فترة حياته في مصنفات العقيدة والتفسير والفقه لأعلام السلف مثل: الشيخ أحمد بن حنبل، وشيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم والشيخ ابن قدامه المقدسي، ومن بينها كتابا “المغني” و “الشرح الكبير” كما شملت الكتب التي طُبعت تخصّصات اللغة العربية وآدابها، والتاريخ الإسلامي، والجغرافيا.
وقد طبعت تلك المؤلفات المنشورة في مطابع عدة منها: المطبعة المصطفوية في بومباي بالهند، ومطبعة القرآن والسنة في أمرتسد بالهند، ومطبعتي المنار والنهضة في مصر، ومطبعتي الاعتدال والترقي في دمشق، والمطبعة السلفية في مكة المكرمة والقاهرة، ومطبعة أم القرى بمكة المكرمة.
ويمضي بنا هذا التاريخ الجميل لنعيش معاني قوة الرجل الباني المؤسس الملك عبدالعزيز ورجاله الذين -وبرغم قلة عددهم وعتادهم- انطلقوا من الرياض بذلك الإيمان الصادق في جهاد حتى جمع الله به الصفوف وأرسى دعائم الحق والعدل والأمن والأمان لتتوحد القلوب على كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وكذلك أرجاء البلاد، حيث أينعت حينها تلك الجهود أمنًا وأمانًا واستقرارًا وتحول المجتمع من قبائل متناحرة إلى شعب متحد ومستقر يسير على هدي الكتاب والسنة.
وانطلاقًا من النهج الإسلامي القويم دعا -رحمه الله- إلى التعاون العربي والتضامن الإسلامي وأسهم إسهامًا متميزًا في تأسيس جامعة الدول العربية، وفي الأمم المتحدة عضوًا مؤسسًا، كما سجّل له التاريخ مواقف مشهودة في كثير من الأحداث العالمية والقضايا الإقليمية والدولية.
ولقد انتهج الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود – يرحمه الله – في تعامله مع مواطنيه سياسة قائمة على الشورى وعلى التناصح مع الرعية، واغتنام الفرص لتبادل الرأي والنصح، مسترشدًا بما جاء به ديننا الإسلامي الحنيف.
وكان لهذا النهج القويم الذي سار عليه الملك عبدالعزيز -رحمه الله- وتبعه في ذلك أبناؤه من بعده الأثر الكبير فيما تعيشه المملكة من تطور كبير قائم على تعاضد الدولة والمواطنين.
وقد أدرك الملك عبدالعزيز بثاقب بصره، أن التلاحم والتواصل بين القيادة والشعب وسياسة الباب المفتوح هما من أفضل السبل وأنجعها لخدمة الوطن والمواطنين ولتقدم البلاد ورقيها، ففي الحفل الذي أقامه الملك عبدالعزيز في جدة في الخامس والعشرين من محرم عام 1355هـ بمناسبة انتهاء موسم الحج وقرب سفره إلى الرياض، قال -رحمه الله- : “المقصد من اجتماعنا الليلة أن نتناصح ونتعاضد ويطلع كل منا على ما عند الآخر من جهة ومن جهة أخرى لنودعكم لأننا على جناح سفر وسنغادر هذا البلد قريبًا وأنه ليُعزّ علينا مغادرته ولكن المصلحة تقضى بهذه التنقلات ثم هناك مسألة أحب أن أشرحها لكم لأن في نفسي منها شيئًا … أنا لا أحب أن أشق على الناس ولكن الواجب يقضي بأن أصارحكم.. إننا في أشد الحاجة إلى الاجتماع والاتصال بكم لتكونوا على علم تام بما عندنا ونكون على علم تام بما عندكم، وأود أن يكون هذا الاتصال مباشرة وفي مجلسي لتحملوا إلينا مطالب شعبنا ورغباته وتحملوا إلى الشعب أعمالنا ونوايانا.. إنني أود أن يكون اتصالي بالشعب وثيقًا دائمًا لأن هذا أدعى لتنفيذ رغبات الشعب.. لذلك سيكون مجلسي مفتوحًا لحضور من يريد الحضور”.
واستمرارًا على نهجه الكريم في توجيه النصح للرعية وشرح مالها وما عليها قال -يرحمه الله- في الخطاب الذي ألقاه في الحفل التكريمي الذي أقيم على شرفه بمناسبة سفره إلى الرياض في الثاني من صفر 1355هـ: “إنّ على الشعب واجبات وعلى ولاة الأمر واجبات.. أما واجبات الشعب فهي الاستقامة ومراعاة ما يرضي الله ورسوله ويصلح حالهم والتآلف والتآزر مع حكومتهم للعمل فيما فيه رقي بلادهم وأمتهم … إن خدمة الشعب واجبة علينا لهذا فنحن نخدمه بعيوننا وقلوبنا ونرى أن من لا يخدم شعبه ويخلص له فهو ناقص”.
ومن ذات المنطلق الذي أدار به الملك عبدالعزيز شؤون بلاده ومواطنيه بنى -يرحمه الله- علاقات بلاده مع أشقائها العرب والمسلمين وأقام علاقات قوية مع المجتمع الدولي.
وكان صريحًا في تعامله مع القضايا التي تهم أمته على الصُّعُد كافة، وقد أثبتت الأحداث المتعاقبة حتى يومنا هذا رؤيته الصائبة ونهجه الصحيح في أقواله وأفعاله فكانت تلك الرؤية، وذلك النهج القاعدة والأساس القويم الذي تسير عليها المملكة في جميع تعاملها داخليًا وخارجيًا، ففي الخطاب الذي ألقاه -يرحمه الله- في المأدبة الكبرى التي أقامها لكبار حجاج بيت الله الحرام في مكة المكرمة في 9 ذي الحجة عام 1364هـ الموافق 15 نوفمبر 1945م خصّص الجانب الأكبر من خطابه للحديث عن قضية فلسطين حيث قال -يرحمه الله- : “إنّ مسألة فلسطين هي أهم ما يشغل أفكار المسلمين والعرب في هذه الأيام وهي المسألة التي يجب أن تكون موضع عناية الجميع ومدار اهتمامهم، ومع أنني لا أحب كثرة الكلام وأفضّل العمل الصامت المثمر فإنني أقول بصراحة: إنّ السكوت عن قضية فلسطين لا يوافق المصلحة وقد سبق لي أن تكلمت مع أركان الحكومة البريطانية كما تحدثت مطولًا مع الرئيس روزفلت وذكرت بكل صراحة الحيْف الذي أصاب إخواننا عرب فلسطين والإعنات والقهر اللذين خضعوا لهما وطالبت وطلبت من الرئيس الراحل إنصاف عرب فلسطين إن لم يكن بالمساعدات الفعلية فعلى الأقل الوقوف على الحياد وعدم مساعدة اليهود عليهم”.
ويقف الباحثون والمؤرخون وقفة تأمل وإعجاب في تاريخ هذا الكيان الشامخ على البناء وتخطي العوائق والصعاب والتغلب على كل التحديات بفضل من الله وتوفيقه أولاً، ثم بالإيمان القوي والوعي التام بوحدة الهدف وصدق التوجه في ظل تحكيم شرع الله والعدل في إنفاذ أحكامه لتشمل كل مناحي الحياة، متأملين قيام الدولة السعودية الأولى 1139هـ بمناصرة الإمام محمد بن سعود دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب الهادفة إلى العودة إلى الإسلام الصحيح وتصحيح المعتقدات مما شابها من الشبهات، حيث تعاهدا -رحمهما الله- على التعاون للعودة بالمجتمع في جزيرة العرب إلى عقيدة الإسلام كما كانت عليه في صدر الإسلام، وسارا على هذا السبيل لتحقيق هذا الهدف الكبير.
بعد ذلك تتابع جهاد آل سعود منطلقين من ذات المنطلق فلم تنطفئ جذوة الإيمان في قلوب الفئة المؤمنة بانتهاء حكم الدولة السعودية الأولى بعد زهاء ستة وأربعين عامًا بسبب التدخل الأجنبي.
وفي العام 1240هـ، قامت الدولة السعودية الثانية بقيادة الإمام المؤسس الثاني تركي بن عبدالله بن محمد بن سعود -رحمه الله- الذي واصل ومن بعده أبناؤه نهج أسلافهم نحو ثمانية وستين عامًا.
وبزغ فجر اليوم الخامس من شهر شوال من العام 1319هـ إيذانًا بعهد جديد حيث استعاد الموحّد الباني الملك عبدالعزيز -رحمه الله- مدينة الرياض ملك آبائه وأجداده في صورة صادقة من صور البطولة والشجاعة والإقدام فوضع أولى لبنات هذا البنيان الكبير على أسس قوية هدفها تحكيم شرع الله والعمل بكتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
وأرسى والدنا الملك عبدالعزيز -رحمه الله- منهجًا قويمًا سار عليه أبناؤه من بعده لتكتمل أطر الأمن والسلام وفق المنهج والهدف نفسه.
وكان الملك سعود -رحمه الله- أول السائرين على ذلك المنهج والعاملين في إطاره حتى برزت ملامح التقدم واكتملت هياكل عددٍ من المؤسسات والأجهزة الأساسية في الدولة.
وجاء من بعده رائد التضامن الإسلامي الملك فيصل -رحمه الله- فتتابعت المنجزات الخيّرة وتوالت العطاءات وبدأت المملكة في عهده تنفيذ الخطط الخمسية الطموحة للتنمية.
وتدفقت ينابيع الخير عطاءً وافرًا بتسلم الملك خالد -رحمه الله- الأمانة فتواصل البناء والنماء، خدمة للوطن والمواطن خاصة، والإسلام والمسلمين عامة، واتصلت خطط التنمية ببعضها؛ لتحقق المزيد من الرخاء والاستقرار.
وازداد البناء الكبير عزًا ورفعة وساد عهد جديد من الخير والعطاء والنماء والإنجاز بعد مبايعة خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز آل سعود -رحمه الله- ملكًا على البلاد، حيث تميزت الإنجازات في عهده -رحمه الله- بالشمولية والتكامل لتشكل عملية تنمية شاملة في بناء وطن وقيادة حكيمة فذّة.
وشهدت المملكة العربية السعودية في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود -رحمه الله- المزيد من المنجزات التنموية العملاقة على امتداد الوطن في مختلف القطاعات التعليمية، والصحية، والنقل والمواصلات، والصناعة، والكهرباء، والمياه، والزراعة، والاقتصاد.
وهانحن اليوم، نعيش عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود –حفظه الله- عهد الاستدامة والنمو والتطور، ونشهد فيه قفزات كبيرة وخطوات غير مسبوقة في جميع المجالات داخليًا وخارجيًا، ورسمت ملامح المملكة، وأرست دعائم مكانتها السياسية والاقتصادية والثقافية، ورسخت دورها المؤثر في الاقتصاد العالمي، كونها قائمة على قاعدة اقتصادية صناعية صلبة، جعلتها ضمن أقوى 20 اقتصادًا على مستوى العالم.
ومن عامٍ إلى عامٍ ومع كل احتفاء بيوم الوطن، يحتفل الوطن أيضاً بمنجزات جديدة داخلياً وخارجياً، ومنذ الاحتفاء باليوم الوطني في العام الماضي 2022م، شهدت المملكة أحداثًا وحققت منجزات وقفزات تنموية منها: إطلاق صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود ولي العهد رئيس مجلس الوزراء لـ:
– الإستراتيجية الوطنية للصناعة الهادفة للوصول إلى اقتصاد صناعي جاذب للاستثمار يسهم في التنوع الاقتصادي.
– المخطط العام لمطار الملك سلمان الدولي، لتكون الرياض بوابة للعالم، ووجهة عالمية للنقل والتجارة والسياحة، وجسراً يربط الشرق والغرب بما يرسخ مكانة المملكة كمركز لوجستي عالمي.
– الإستراتيجية الوطنية للملكية الفكرية.
– صندوق الفعاليات الاستثماري لتمكين قطاعات الثقافة والسياحة والترفيه والرياضة.
– شركة تطوير المربع الجديد؛ بهدف تطوير أكبر داون تاون حديث عالمياً في مدينة الرياض.
– اطلاق أربع مناطق اقتصادية خاصة؛ تهدف إلى تنويع اقتصاد المملكة.
– إطلاق مسمى “حي الملك سلمان” على حيّي “الواحة” و”صلاح الدين” وتطويرهما؛ وذلك بهدف أنسنة الحي بمسماه الجديد ورفع معدلات جودة الخدمات الأساسية والأنشطة الترفيهية والترويحية وتطويره.
– مشروع الاستثمار والتخصيص للأندية الرياضية بعد اكتمال الإجراءات التنفيذية للمرحلة الأولى.
– الإستراتيجية الجديدة لجامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية “كاوست”.
– المخطط العام للمراكز اللوجستية؛ بهدف جعل المملكة مركزاً لوجستياً عالمياً.
– إطلاق شركة “داون تاون السعودية” لإنشاء وتطوير مراكز حضرية ووجهات متعددة في أنحاء المملكة.
– إطلاق المبادرة الوطنية لسلاسل الإمداد العالمية التي تُرسّخ دور المملكة كحلقة وصل رئيسة تعزز كفاءة سلاسل الإمداد العالمية.
– إطلاق أول علامة تجارية سعودية لصناعة السيارات الكهربائية في المملكة “سير”.
كما أعلن سموّه عن:
– قيام صندوق الاستثمارات العامة بتأسيس 5 شركات استثمارية إقليمية.
– اعتماد التوجه التنموي لجزيرة دارين وتاروت والمبادرات المستقبلية للجزيرة.
– تطوير جزيرة “سندالة”، أولى وجهات نيوم للسياحة البحرية الفاخرة.
– ضم مشروع الدرعية كخامس المشاريع الكبرى المملوكة لصندوق الاستثمارات العامة.
– تأسيس المكتب الإستراتيجي لتطوير منطقة الحدود الشمالية.
– تأسيس صندوق الاستثمارات العامة لشركة “طيران الرياض”، الناقل الجوي الوطني الجديد.
– تأسيس منظمة عالمية للمياه مقرها الرياض؛ لتعزيز الجهود العالمية في سبيل معالجة تحديات المياه بشكلٍ شمولي.
– سمو ولي العهد يُعلن مع عددٍ من قادة دول العالم توقيع مذكرة تفاهم لإنشاء ممرٍ اقتصاديٍ جديد يربط الهند والشرق الأوسط وأوروبا.
وتنوعت أحداث المملكة خلال العام وجاء من أبرزها:
– افتتاح دورة الألعاب السعودية الأولى 2022م.
– ترؤس سمو ولي العهد وفد المملكة المشارك في قمة قادة دول مجموعة العشرين بإندونيسيا.
– توقيع عددٍ من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم الثنائية، خلال القمة السعودية الصينية.
– مشاركة سمو ولي العهد في حفل استقبال المملكة الرسمي لترشح الرياض لاستضافة إكسبو 2030 في باريس.
– ترؤس سمو ولي العهد وفد المملكة المُشارك في قمة “من أجل ميثاق مالي عالمي جديد” المنعقدة في باريس.
– استضافة المملكة أعمال الدورة العادية الثانية والثلاثين لمجلس جامعة الدول العربية.
– استضافة المملكة اللقاء التشاوري الثامن عشر لقادة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية في جدة.
– استضافة المملكة قمة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية ودول آسيا الوسطى في جدة.
– مشاركة المملكة في حوار بريكس بلس، وبريكس أفريقيا في مدينة جوهانسبرغ.
– فوز المملكة بـ 6 من جوائز التميّز الحكومي العربي لعامي 2021 – 2022.
– إنهاء المملكة لعمليات الإجلاء الإنسانية لمواطنيها ورعايا الدول الشقيقة والصديقة من السودان، حيث شملت(8455) شخصًا.
– تحقيق المملكة المركز الأول في مؤشر نضج الخدمات الحكوميّة الإلكترونية والنقّالة لعام 2022م.
– فوز المملكة بالمركز الأول في مسابقة أطباء زمالة القلب في المؤتمر السنوي للجمعية الأمريكية.
– تحقيق المملكة 5 شهادات تميز في القمة العالمية لمجتمع المعلومات “WSIS 2023”.
– تحقيق المملكة المركز الثاني عالميًّا في نمو أعداد السياح الدوليين وفقًا لتقرير منظمة السياحة العالمية.
– إطلاق المملكة الرحلة العلمية المتجهة إلى الفضاء من محطة الفضاء الدولية (ISS) بولاية فلوريدا.
– تحقيق المملكة المركز (17) عالميًا في تقرير الكتاب السنوي للتنافسية العالمية 2023.
– فوز المملكة برئاسة لجنة أمن الطيران في منظمة “الإيكاو” تأكيدًا لدورها الريادي عالميًا.
– ترؤس سمو ولي العهد وفد المملكة المشارك في قمة قادة دول مجموعة العشرين الهند.
#