نعمَّا رجالٌ عرفتهم( 35).. الوجيه عبدالعزيز بن محمد الموسى حفظه الله

التعليقات: 2
نعمَّا رجالٌ عرفتهم( 35).. الوجيه عبدالعزيز بن محمد الموسى حفظه الله
د.محمد إياد العكاري
https://wahhnews.com/?p=35568
نعمَّا رجالٌ عرفتهم( 35).. الوجيه عبدالعزيز بن محمد الموسى حفظه الله
د.محمد إياد العكاري

شخصيةٌ فريدةٌ بحسِّها وسَمْتها، راقيةٌ بمظهرها ومخبرها،جميلةٌ بلقائهاومقالها، أجل هو كذلك شخصيةٌ متميِّزة تركت بصماتها الجميلة على هذه البلدة الطيبة الأحساء بهذا الصَّرح الأحسائي المتميِّز الذي ابتناه ليرسم صورة الأحساء الحقيقية في الأذهان أجل صورة الأحساء الجذَّابة المتألقة ، الأحساء التراث والحضارة،الأحساء التاريخ و الأصالة، الأحساء النَّخلُ والجمال،الأحساء الواحةُ والوِصال ، الأحساء المعارف والعلوم،الأحساء المكارمُ والفنون، الأحساء الطِّيب والنَّدى .

هذه الشخصيةٌ حين تلتقيها تتراءى لك الطّلاقة بأسمى معانيها وتتجلى الابتسامة المشرقة بأندى مرائيها ،ليرتسم الجمال بأبهى حُلَله وأسنى صوره على صورة مُحيَّاه ،وتتجلى لك المروءة والشَّهامة جليَّةً في تصرفاته وأعماله،
وكأنَّ أبياتي التي سكبتها عن المروءة قبل أيام قيلت فيه:
ياللمــــروءةِ وجهـُهَا نَـوَّارُ =
تاجُ المكارم والنّدى والغارُ
‏والفضلُ حِلْيتُهاومرسمُ فِعلها =
والخير والمعروفُ ذي الآثارُ
‏والنَّفسُ فيها كالرَّبيعِ بفوحها=
والبَـوْحُ بعدَ زُهُورِها الأَثْمـارُ
‏والقلبُ جنَّتهُ العَطَاءُ وروضُهُ=
ذاكَ النَّعيمُ ،ونبضُهُ أَنٌهــارُ
‏وبهِ الحَيَـاةُ حَيَـاةُ روحٍ للعُـلا =
بَلْهَ السَّعادةُ واحَةٌ وعَـمَـارُ
والأستاذ الفاضل عبد العزيز محمد الموسى قامةٌ رفيعةٌ ، ذو هيبةٍ ومكانة ، شخصيَّتُه جميلةٌ بأنسها ،دَمِثةٌ بخُلُقها ، قريبة بلطفها ،أنيسةٌ بحسِّها ، ،لطيفةٌ بحديثها .
كان آخر لقاء قبل كورونا في مجلس الشيخ الجليل عبد الله إبراهيم آل الشيخ مبارك رحمه الله الذي كان ينعقد ضحى الاثنين من كل أسبوع وكان حينها نجله الأكبر الدكتور إبراهيم عبد الله آل الشيخ مبارك حفظه الله وبينه وبين صاحب مقالنا مودَّةٌ ومحبَّةٌ عظيمة وتقديرٌ وإكبارٌ متبادل لترى أنهاراً من الودِّ منسابةً في سياق الأحاديث التي انداحت أجل كانت أحاديث شيِّقة رويت من خلالها ذكرياتٍ جميلة كانت فيها الابتسامة والانشراح يشرقان في الوجوه ويضفيان سعادةً وأنساً ولطفاً وبهجة لأقول بعدها أني ماقابلت أحداً من الفضلاء الكرام إلا وأثنى عليه فذكره يفوح طيباً ويتهادى عبقاً وجمالاً .

ويعتبر أحد رموز الأحساء الثقافية والتراثية ، وأحد رجالاتها المميَّزين الغيورين ، ومن أعيانها ووجهائها الفضلاء ،من أسرةٍ أثيرة الفضل ،عريقة الأصل، كريمة المحتد ،كان أبوه أحد أعيان ووجهاء الأحساء ،وهو ذيَّاك الذي كان عيَّنه الملك عبد العزيز آل سعود طيب الله ثراه وزيراً للمالية في الأحساء في ذاك الوقت والتاريخ المتألق من تاريخ المملكة العربية السعودية وماذاك إلا لعلو مقامه ،وسمو قدره ،وعظيم خبرته رحمهما الله .
وقد كان صاحب مقالنا يرافق والده الجليل الشيخ محمد بن أحمد الموسى رحمه الله منذ نعومة أظفاره و يصاحبه في حله وترحاله، ويكون معه في زياراته ورحلاته كما كان يحضر مجالسه ومجالس العلماء والفضلاء والأمراء ، فأكسبه ذلك مهاراتٍ في التواصل لينسج شبكةً عظيمةً من العلاقات المتميزة مع شخصياتٍ مؤثرة، وقامات رفيعة، ومسؤولين كبار من داخل وخارج حدود البلاد.
كما تعلَّمَ من مجالسة أولئك آداب المجالس والمؤانسة ، وحفظ عنهم قصصاً وروايات ، وطرائف وحكايات ،ونفائس وذخائر من بدائع الحكم وطرائف السِّيَر كلّها كانت له ذُخراً وتُحَفَاً ودروس ثراءٍ وإثراء.

أجل شخصيةٌ فريدةٌ بجودها وعطائها، متميزةٌ بمهاراتها وخبراتها ، متفردةً بعطاءاتها وإنجازاتها ، راقيةٌ بعلاقاتها وصلاتها ،اختير مذ
كان فتىً يافعاً لنباهته وتميُّزه ،وألمعيته ولوذعيته ليلقي كلمة أهالي الأحساء عندما شرَّفَ الملك سعود بن عبد العزيز آل سعود رحمه الله مجلس أبيه ببيتهم في حي العيوني بمدينة المبرز عام 1378ه‍..

ابتعث إلى أمريكا بعد تخرجه من الثانوية العامة لإكمال دراسته في التاريخ والآثار وقد طُلب منه أن يكتب تقريراً عن مجسم أثري وكتب التقرير،ثم قرر بعدما رجع أن يشرع ويتفرغ لإنشاء مايرفع به ذكر بلده وموطنه الأحساءوالمملكة ويحقق ماتصبو له نفسه وطموحه فقام بعملٍ مميَّز إذ شرع وتفرغ لإقامة متحف الأحساء القليبات والذي يُعد من أميز وأمتع وأجمل المتاحف في المنطقة الشرقية ثراءً وجلاءً ،توصيفاً وتمييزاً ،بياناً ووضوحاً،في الحديث عن هَجَر الأحساء ومكنوناتها الثقافية و آثارها التراثية .

الأحساء هذه البلدة الطيبة بكل تفاصيلها ومعالمها ، وبكل مناظرها وطبيعتها ، وبكلِّ خِلالها ومآثرها أجل الأحساء الثقافة والحضارة … الأحساء التَّاريخ والتُّراث ، الأحسـاء الـودُّ والنَّقاء ، الأحساء الضِّيافة والجمال ، الأحساء الشعر والأدب ،الأحساء المذاهب والتعايش والقيم ،الأحساء واحة الجود والكرم.

لأتذكَّر أبياتاً لي قلتها في الأحساء ارتجلت مطلعها بعد قصةٍ طريفة :
هذي هي الأحساءُ حيثُ حَلَلْتَ أهلاً
وإذا قَدِمْتَ فنبضُها للضَّيفِ سَهْلا
وإذا وَصَلتَ رحابــــةً والأنْسُ طلّا
ولها المُحيَّا بِشْرُهُ صُبْحــاً ولَيْـــلا
*
فإذا التقيتَ بأهلها يانِعْمَ وَصْــلا
والُّلطفُ حِلْيَةُ حالِهِم والطَّبعُ أحلى
والذَّوْقُ والطِّيبُ الخِلالُ رؤىً وظلَّا
ولها المحيَّا بشره صبحاً وليـــلا
*
وإذا لقيتَ رجالها عِلْمَاً وفضْــلا
تلقى المُحيَّا روْضَةً خُلُقاً ونُبْـلا
والبِشْرُ طبعُ نفوسهم بهمُ تجلَّى
ولها القوافي تحتفي والشِّعرُ جَلَّى
*
هي واحةٌ وطنُ الجمالِ ثَرَىً ونَخْلا
وبهـــــا الرَّبيعُ الطَّلقُ ريحـاناً وفُلَّا
والرَّوْضُ والطَّلعُ النَّضيدُ جنىً ودلَّا
ولها بأعمـاق القلوب نـــدىً وطلَّا
*
ياحسنَ جناتٍ جَلَتْ للحبِّ أهلا
يانعمَ هَجْرُ بِنَخْلِها الأُنْسُ اسْتَظَلَّا
والطَّيرُ غرَّدَ وارتوى رَشْفَاً ونَهْلا
ولها بأعماق القلوب ندىً وطلَّا
*
وإذا ارتقيتَ جِبَالَهَا فالعَيْنُ كَحْلا
ومراسمٌ للأُنسِ فيها السَّعْدُ حلَّا
ياروعة الإحساسِ كم تُهديهِ ظِلّا
هي تاجُ واحاتِ الدُّنا والقَدْرُ أعلى
هي تاجُ واحاتِ الدُّنا والقَدْرُ أعلى

أجل لأعود إلى صُلب الموضوع فقرر كما قلتُ قبل بعد عودته من أمريكا أن يجمع تراث الأحساء الذي كاد يضيع الكثير منه ، وأوشك أن يتبعثر في أقطار الأرض، فابنتى متحفًا فريداً أسماه متحف (القليبات) نسبة إلى مزرعته المسماة بهذا الاسم وقسم المتحف إلى قسمين الأول
١-(الأحساء قبل النفط) جمع فيه السيوف الأحسائية القديمة والبنادق التي صنعها الأحسائيون، وكذلك الدِّلال (ترامس) القهوة التي عليها ختم صانعها، والنول للنسيج، والبشتختة (صندوق الطواش) لوزن اللؤلؤ، وعدة القهوة من محاميس، ومطاحن ومجامر، وعدد هائل من النقود القديمة التي استعملها الأحسائيون، ومنها عملة القرامطة، وعملة بني خالد، وعملة الدولة السعودية الأولى والثانية والثالثة، ومصاحف مخطوطة وحجرية وغيرها.

أما القسم الثاني فسماه (الأحساء بعد النفط)، وفيه الأدوات التي استعملها الأحسائيون بعد أن ظهر النفط في بلادهم ودخول شركة أرامكو كشريك للمملكة العربية السعودية في تسويق البترول وتصنيعه مثل الأسِرَّة، والسيارات، والسياكل، والراديو (المذياع)، والتلفاز، وزخرفة الأبواب الخشبية وتلوينها، وأدوات حصد المحاصيل، وظهور الدواليب الخشبية للملابس، والتسريحات لغرف الزوجات وغيرها.
ومن غيرته على التراث ابتنى له أيضاً في بيته مكتبة ثقافية متنوعة حوت على جل العلوم والمعارف، ومما يميز مكتبته المصاحف المخطوطة التي تزيد على مائة مصحف، ومن بين المصاحف النادرة المصحف الخاص بالسلطان العثماني سليم الثالث
والمكتبة بحق كنوز تراث، ومعالم تاريخ، وسبائك آثارٍ، و تُحفٍ لاتقدر بثمن .
والحقيقة أن لهذا التكوين العلمي والتاريخي والثقافي والأدبي والمعرفي أثره في شخصية هذا الرجل الذي برز كشخصية علاقات عامة متفردة ، تتميز بالأصالة والكرم ،و تزدان بالدَّماثة والشِّيم ، وتتألَّق بطيب معشره ذاك الذي يُميِّزه، إضافةً لألق الحديث ،وأريحية اللقاء،وجمال الرواية ، وروعة الحكاية.

هو ذا شخصيةٌ متميزة بحقٍ بثقافتها ومكنوناتها، ببصماتها وإنجازاتها، بمعشرها وشبكة علاقاتها، يملك عليك عقلك وحسك بروعة حديثه، ويأسرك بسرده في غمرة الحديث عن محفوظاته التاريخية، وقصصه وسيرة حياته ، والأحداث التي مرت عليه في جميع الأصقاع والبلدان أثناء رحلاته وسفراته لأغلب دول العالم، و كان إذا زار أيَّ دولةٍ تعرف على أدبائها ومثقفيها واتصل بمكتباتها، فلا يرجع إلا وقد عرف تاريخها، واشترى مايُثريه من مكتباتها لتأخذ من حكاياه وقصصه الكثير الكثير من ثمار حكمته ،ولبانة ثقافته، ولباب خبرته .
وقد كان للأستاذ عبدالعزيز الموسى حفظه الله جلسة أدبية ثقافية تقام في مجلسه بمزرعته، ظهيرة كل سبت من كل أسبوع يحضرها أدباء الأحساء ومثقفيها،وقد توقفت بعد أزمة كورونا

كما أنَّ للأستاذ عبدالعزيز محمد الموسى صلات بأبرز علماء ومؤرخي الأحساء مثل الشيخ محمد بن عبدالله آل عبدالقادر مؤرخ الأحساء، والشيخ الأديب أحمد بن علي آل مبارك، والشيخ عبداللطيف بن حمد الجبر، وبأخيه الشيخ محمد بن حمد الجبر حفظه الله ورحم الله من قضى منهم ، وبآخرين كذلك أفاضل أجلاء وبعدد كبير من الأعيان والوجهاء في المملكة وخارجها، وبالأدباء والباحثين الشباب.
يعرف بخبرته وألمعيته معادن الرجال، نهمٌ للمعرفة والثقافة ومكثرٌ من المطالعة مما أكسبه ثقافته الواسعة، واطلاعه على التاريخ القديم والحديث فاكتنز ثروةً معرفية زاخرة.

وقد نقلت قصيدةٌ رائعة بيراعة الأخ الحبيب الدكتور خالد الجريان كان كتبها وأخذتها من مقالٍ له قبل وهو من مقربيه ومعجبيه ومحبيه إليكموها :
عبدُالعزيز سحابُ الجود يحملُهُ =
في راحتيـهِ لقينا الخير مغروسا
في أرض هجرٍ نرى أفضالَه رُسِمَتْ=
دام العطاءُ ودام الفضلُ محروسا
يهوى التُّراثَ فتُشجينا روايَتَهُ
بطيبِ لُقياهُ تلقى الكُلَّ مأنوسا
قد جاء من أسرةٍ للفخر مطلعُها =
من نبعِ عزٍّ وأمجادٍ هي (الموسى)
يطاول النَّخلَ دوماًشامخاً عَلَمًا=
طابت فِعالٌ تسُرُّ الهامَ والرُّوسا
كالخيلِ يقدم في الخيرات منطلقاً=
وعزمُهُ جاوز الأبطـال والشُّوسا
شَهْمٌ أديبٌ وعى علماً ومعرفةً =
يانعمَ مجلسُهُ النَّوار محسوسا
في فعله عِبَرٌ ، في سكبهِ دُرَرٌ =
والخيرُ والبِرُّ بالـرَّاحاتِ ناموسا
روحُ التَّطلُّعِ للعلياءِ في دمِهِ =
والوجه مبتهجٌ كالبدر قابوسا
وكلُّ بارقـــــةٍ بالعَزمِ أنجزَهَا =
وكل فعلٍ جَـــلاهُ كـانَ مدروسا
إليْكَ أُهْدي من الشُّكرانِ أعظمَه=
هاكَ الفُؤادُ بنبضِ الودَّ مغموسا

لأقول في الختام نحن أمام شخصيةٍ فريدةٍ في عطائها وثقافتها، بهيَّةٍ في إنجازاتها وإثرائها، أثيرةٍ في مروءتها وشهامتها،رفيعةٌ في قدرها ومكانتها

أدعو الله العظيم أن يديم عليه نعمة الصِّحة والقوة والعافية ، وأن يُطيل عمره ويحسن عمله ،ويزيد من عطاءاته وإنجازاته لمًا فيه خير البلاد والعباد ومايصلحه في دينه ودنياه وآخرته ،وأن يرزقنا وإياه العفو والعافية والمعافاة الدائمة في الدين والدنيا والآخرة
اللهم آمين والحمد لله رب العالمينً.
د.محمد إياد العكاري

التعليقات (٢) اضف تعليق

  1. ٢
    زائر

    قبيلة بني خالد الموجودة في سهل الغاب حماة منبعها الإحساء أتوا منذ مائة وخمسين سنة أو أكثر

  2. ١
    فهد الخضير أبوهشام

    نعم الرجل خلقا وعلما وثقافة وحسبا ونسبا… أسأل الله العظيم أن يمد له في العمر على طاعته وهو في صحة وعافية وسلامة وستر وسعة رزق… وجزاك الله خير ياأبا أنس على هذه المقالة الجميلة التي تسطر من خلالها أحد رجالات الأحساء أصحاب المبادرات والغيرة على بلده ووطنه.

اضف تعليق

بريدك الالكترونى لن نقوم بأستخدامه.

You may use these HTML tags and attributes:
<a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <s> <strike> <strong>