لكل واحدٍ منا ذكرياته مع شهر رمضان المبارك، حيث يأخذنا بأجوائه وروحانيته إلى عوالم الطفولة الجميلة، لنحلق في أرجاء العمر، ويحط بنا الترحال على مواقف عشناها في هذا الشهر الفضيل..
فعندما نتيه في أروقة المكان والزمان نتأمل أنفسنا في عباب ورق الحياة، نشتم العبق من خيوط الذكرى الرقيقة، والتي ما تزال عالقة بين سطور ذاكرتنا وفي أحشاء وجداننا..
فالأجداد هُم من أرسوها في نفوس الآباء، والآباء حملوها بكل تحدٍ وتفانٍ إلينا، إذ جدفوا بأيديهم حتى أزهرت أعواد أناملهم وأضلعهم بالخير الوفير والصراط المستنير..
كل هذا في سبيل أن يوصلوا لنا ولأبنائنا وبناتنا كل جميل، زارعين فينا حدائق جمة ترامت أطرافها الخضراء داخل سيرنا العابرة..
ليظل لسان حالهم يردد: بكم ننير الطريق الذي تعددت أزقته ودروبه، فزادت متاعبه، فسار من سار، وسقط من سقط، ورحل من رحل..
غير أن نبض الذكريات بداخلنا يخلق لنا عمراً جديداً..
وسأكتف هنا بإشعال شموع الأمس، وفوانيس اليوم فيما بيننا بالتذكر، حتى نغرس في حديقة وجداننا ريحان المرايا وكُنه المزايا بأيام هذا الشهر الكريم..
فمن ذكرياتي مخبز أم رشيد للخبز الحمر الحساوي في براحة زكي بالفريج الشمالي، بمساعدة ابنها عبد الله (رحمهما الله).
فتذكرت تهادي الأطباق بين الجيران في شهر الخير (الهريسة، واللقيمات، والمضروبة، والجريش، والعيش الحساوي، والغلية، والمُخلطة، والتشريبة، والساقو، والبلاليط، والمموش، وخبز المسح، وكبسة الكراعين، والمُبصل)..
تذكرت ترنمات أبو طبيلة حسين الشويفعي، وحبيب الشويفعي (رحمهما الله)، والبهجة والسعادة تحفنا بالركض والتصفيق والرد خلفهما في:
“أذكر ربك الدايم
أصحى أصحى يا نايم
لا إله إلا الله لا إله إلا الله”.
وما زلت أتذكر بقالات الفريج، وازدهار الشهر الكريم بالبسطات، كبقالة راضي البن صالح (بالدحدرانة)، وبقالة علي بو عليو والرصيف، وبقالة (أبو فلاح)، وبقالة حجي الخير الله في الخر، وبقالة عبد الوهاب العلوي، وبقالة محمد الحويجي، وبقالة فهد البدر، وبقالة محمد العثمان، وبقالة صالح الشمس، وبقالة العمر بدروازة الخميس..
تذكرت وتأملت الحاضر الذي يتعلم من الماضي، والحاضر الذي يهمس في أُذن المستقبل: (تركد على روحك يا ولد أهليه)، فأنت حُلم الطفل، وتحدي الشاب، وورع الشيخ، وصدق الفعل، وخاتمة العمل..
تذكرت (سيكلي العشرين الصتي)، والألوان، وحرارة شارع المدير، وبرودة أزقة سوق القيصرية بالقرب من قصر إبراهيم باشا بكوت الهفوف..
وتذكرت أيام الدراسة في رمضان بمدرسة الجارود الابتدائية بالكوت، ودعاء أمي أم علي (رحمها الله) قبل ذهابنا إلى هناك..
وتذكرت مسجد العباس بقرية المطيرفي، ومسجد الغراريش بالفريج الشمالي، ومسجد أبو خضر بالفاضلية، ومسجد الشبخ جواد بو حليقة، ومسجد الشيخ عبد الله أبو مرة في الطرف.
تذكرت أسواق الأحساء الشعبية واليومية في الهفوف والمبرز والجفر والقارة والطرف..
تذكرت الاستعداد لحملة الوالد للذهاب للمدينة المنورة ومكة المكرمة، وقضاء الأيام الأواخر، وأيام عيد الفطر المبارك هناك مع الأعمام أصدقاء الوالد (رحمهم الله)..
تذكرت وجبة الإفطار بالقرب من هجرة خريص (كبسة الربيان المجفف أو الدجاج وغيرها)..
وتذكرت (نزلة الخر)، وأزقة التراب، (وساباط القريني والفهيد والعليو والسماعيل، وحوش بوعيد، والحوطة، وصكة غويدري)..
تذكرت السباحة مع الوالد في عيون الأحساء الشهيرة (الخدود، وأم سبعة، والجوهرية، والحويرات)، وقنوات السقاية هناك، مع العم عبد الله العبد العظيم، والعم عبد الله الزاير (رحمهم الله جميعاً)..
تذكرت بائع (الكيروسين) اليماني، وهو يصول ويجول بأزقة الفريج “قاز قاز”، حيث كان وقود الطبخ آنذاك عند البعض بالحارة..
تذكرت العم جاسم الجاسم، وشراء اللحم وتوزيعه على بيوت الفريج بشكلٍ يومي من “سوق القصابية”، المجاور لعمارة السبيعي، والمدرسة الأولى بالكوت..
تذكرت حارة الكوت (والوجاغ، والحويش، والطالة، وبراحة السيد، وبيت المتمتمي وبو شليبي، والحاجي محمد والمعمري، والملا والحرز، والأستاذ والهاشم، وبقالة بو خضر)، ساعة مرورنا بأزقة مدرسة الجارود الابتدائية الترابية.
تذكرت تحنان أستاذنا محمد الغريب في إيصال الطلاب لبيوتهم البعيدة، أو لتأخر والدهم عنهم بشكلٍ يومي وبدون تذمر أو تردد بسيارته (الكرسيدا)..
تذكرت التجمهر عند (جبل الطوب بالفاضلية)، قبل أذان المغرب في (دروازة الخباز وسوق الخميس)، والاستعداد لوجبة الإفطار..
تذكرت (عسكريم الصبار والفيمتو)، من بيت الخالة أم خليل بو زيد، وأم باقر السعود، وأم عباس بو هويد، وأم أمير الشويفعي، وأم أحمد العثمان، في مساء شهر الخير وحرارة الجو حينها.
تذكرت (مطوعات) القرآن الكريم بالفريج الشمالي، (شيخة الهودار، وأم عباس القرين، وأم راضي الهودار، وأم رسول العلوي)، وتعليم القرآن الكريم لبنات الفريج والحواري المجاورة.
تذكرت كبسة أمي أم فاطمة، على مرق المخلطة بالعدس للسحور، (وزردة) الخالة أم طلال البحراني للفطور، وتذكرت تعرجات الطريق لجبل القارة، ومشروع حجز الرمال بالعمران، والمشتل، وجبل الشعبة..
تذكرت الاستعداد لعيد الفطر المبارك، ومخبز الوفاء (البحراني) بالفاضلية، (وبسطات دروازة الخباز، وساباط القريني، لبيع الملابس الداخلية، والغتر، والطواقي، والثياب السوقية الجاهزة)..
تذكرت “الدوغة”، وصناعة (المصاخن، والتنانير والمباخر) بجوار سوق الخضار، وملعب فريق الأبيض لكرة القدم..
تذكرت أنشودة الفنان الراحل يونس شلبي (رحمه الله)، ومسلسله الرمضاني:
“هلا بنت حلوة للغاية
يونس يرعاها بعناية”.