هل تفضل الصيف أم الشتاء ؟ عبر حسابي في منصة إكس طرحت هذا السؤال و كانت إجابة سبعين بالمائة من المستجيبين : أفضل الشتاء ، و للتعمق في هذه الإجابة طرحت سؤال آخر : و لماذا تحب الشتاء ..؟
فكانت الإجابة لغالبيتهم للاسترخاء و لجوه الرومانسي.
فهل الشتاء هو فصل الاسترخاء و الرومانسية فقط ؟
و لماذا يفضل البعض فصل الشتاء ؟
و ماهي أسباب السعادة في الشتاء ؟
يقول الشاعر عن فصل الشتاء :
لِـلــبَـــرْدِ فـيَّ حَــكــايـا كــــثـــيــرةٌ لا قـــلِـــيـــلَــة
هَـزيـمُ رَعــدي قـــوِيٌّ مِـن الـغــيـومِ الــثَّــقــيـلَــة
والـبَـرْقُ يَـلْـمَـعُ لَـمْـحًـا يَــشُــقُّ فــيـهـا سَـــبــيــلَـه
والأرضُ ظمأى لِـغَـيْثٍ تـشــتـاقُ دَوْمًــا هُــطــولَـه
ولِــلــثُّــلــوجِ بَــيــــاضٌ يَحكي الـقـلـوبَ الجَـمـيـلـة
ما أجْـمَـلَ الـنَّهْـر يَجري أهْــدَى لـحَـقـلٍ سُـــيــولَـه
لـولا عَـطـائي وَبَـــذْلِي لَــمَـا طـرَحــتُــمْ مَـقــولَـة
أنـا الـشِّـــتـاءُ وعِــنـدي مـا أبْـــتـــغـي أنْ أقــــولَـه
وفي هذه المقالة نناقش أسباب تفضيل الناس لفصل الشتاء، و كيف نستمتع بلحظات سعيدة مع نسماته الباردة المنعشة .
و مع إجابة الغالبية أن الشتاء هو فصل الرومانسية و الاسترخاء و المزاج الجميل ، نسأل هل للمناخ تأثير على مزاجنا و مشاعرنا و إنتاجيتنا ؟
نعم هذا هو الواقع و يؤكد ذلك (( مونتسيكيو ) في كتابه “روح القوانين” حيث يقول : المناخ له تأثير مادي مباشر على الأعصاب والعضلات ومن ثم على تصرفات الناس وأخلاقهم العامة ، فحيوية الناس تكون أكبر مع المناخ البارد مما يؤدي لنتائج جيدة حيث ينجزون اكثر وتكون لديهم ثقة بإمكاناتهم .
وهناك نظرية تسمى نظرية فصول السنة و هي تحليل نفسي معاصر يؤمن بأنه منذ بدء الخليقة سكنت الفصول الإنسان كما سكنت الأرض، وأمدّته بصفات مثلما أمدّت الأرض بظواهر، فباتت الأنفس البشرية شبيهة بفصول أرضها، تلك الفصول التي تخبئ في طياتها حقيقة الأرض وأنفس بشرها .
ونظرية الفصول تعود مرجعيتها للتحليل الطبي الاغريقي المؤرخ بـ 460 عام قبل الميلاد للطبيب الفيلسوف – أبقراط (الملقب بأبو الطب) – الذي أثبت من خلال تحليله التقسيم الرباعي لطبيعة الأنفس البشرية ( بحسب فصول السنة ) والتي اتخذتها الكثير من نظريات التحليل النفسي مرجعية لها منذ ذلك الحين وحتى العصر الحديث .
و على المستوى الاجتماعي و الأسري يقول تعالى ( فَلَمَّا قضى مُوسَى الأجل وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِن جَانِبِ الطور نَاراً قَالَ لأَهْلِهِ امكثوا إني آنَسْتُ نَاراً لعلي آتِيكُمْ مِّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِّنَ النار لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ ) (القصص ، 29 )
جذوة من نار تجمع القلوب و تتسامر بحب و أنس و سعادة ..هكذا هي ليالي الشتاء الجميلة التي يزيد فيها التقارب الاجتماعي و الأسري مع دفْء شعلة النار و التخييم و الحطب و قصص الجدات والسوالف الحلوة مع الأهل و الأصدقاء و أنشطة الرحلات و التخييم و الأكلات اللذيذة و المشروبات الدافئة …
و على المستوى الفردي فإن فصل الشتاء هو فصل العودة للداخل و القرب الروحي و الاختلاء بها …فمع هدوء الطقس و انخفاض الحرارة تخف وتيرة تسارع الحياة و انشغالاتها و هذا يعطينا قرب لأنفسنا و أيضا ينعكس على مشاعرنا و تسارع وتيرة أفكارنا و حين تهدأ الأفكار و اضطرابها تتضح لنا الكثير من الجوانب عن هذه الذات التي كثيراً ما تنادي بصوت خافت للاستماع لها و لا نعيرها اهتمام …لذلك أحب مع هذا الفصل أمسك الورقة و القلم و أعيد اكتشاف ذاتي أتأملها بهدوء و استرخاء كما يفعل الجسد عندما يسترخي مع دفء الشتاء و الشعور بالراحة و الدفء تحت الغطاء ، وكلما أحطتها بكمية من الحب و القبول كلما أفصحت أكثر عن حقيقتها .
كما أن الإحساس بالوقت يزيد في فصل الشتاء فنرى تسارع الساعات يبطأ و هذا يقلل من شعور التوتر و لوم الذات خاصة عند الأشخاص الذين لديهم مهام متعددة و ضيق بالوقت .
أيضا في الشتاء يسهل علينا المشي و الاسترخاء ويساعد على اتخاذ القرارات و حل المشكلات .
و هنا نجد فرصة لإعادة العلاقات الاجتماعية و إصلاحها خاصة مع هدوء النفس و الأعصاب أيضا تطوير العلاقات و إضافة الجو الرومانسي لها ، اغتنموا الفرصة و عبروا عن حبكم مع دفء الشتاء .
والجميل أن فصل الشتاء يعطينا فرصة للتأمل في الحياة و قوانين الطبيعة المؤثرة على حياتنا حيث التغيير هو الثابت الوحيد فلا فصل أو طقس يدوم ، كذلك نحن.. الارتفاع يعقبه انخفاض …البرودة يعقبها دفء …الاصفرار و سقوط أوراق الشجر يعقبه تفتح الأزهار و اخضرار العشب …كلما مر بك فتور و انخفاض في أحد مراحل حياتك أو جانب منها …تذكر أن الربيع يأتي بعد الشتاء .
و لكن لكل بياض ظلام و لكل قوة ضعف و لكل سعادة هناك جوانب يعتبرها البعض منغصات ، و في الشتاء قد يعاني البعض من شعور الضيق أو ما يسمى اكتئاب الشتاء و هو اضطراب شعوري عند نسبة قليلة جدا من الناس على مستوى العالم ( تصل من 3 إلى 5 % عالميا ) ، و هذه النسبة تزداد مع الجو البارد في ظل غياب أشعة الشمس و دفئها ، فأظهرت الدراسات أن المخ ينتج مزيدًا من المادة الكيميائية المحفزة للمزاج المعروفة باسم السيراتونين في الأيام المشمسة عن الأيام المظلمة ، والسيراتونين هو نفس الموصل العصبي الذي تحفزه العلاجات المضادة للاكتئاب المعروفة؛ فيخفف من التوتر ويثير شعورًا عامًّا بالسعادة.
إلا أن ضوء الشمس – أو الضوء الساطع تحديدًا – أكثر وفرة وأمناً، وكذلك أسهل في الامتصاص من أي مضاد آخر للاكتئاب؛ فيتم استخدام الضوء الساطع كعلاج للاكتئاب الشتوي، و لذلك ينصح الأطباء بالتعرض لأشعة الشمس و الخروج للطبيعة و الشعور بالانتعاش أثناء المشي و ممارسة الرياضة في الهواء الطلق .
و من الممارسات المهمة التي تجعلنا نستمتع بتوازن في فصل الشتاء الانتباه لما نأكل خاصة من المأكولات الغنية بالسعرات الحرارية ، أيضا ممارسة المشي و الرياضة اليومية، و استشعار التكاتف و العطاء و المساهمة بالطعام و الملابس و البطانيات لتتسع سعادتنا من خلال المشاركة و العطاء .
ختاما فالذكاء التكيفي من أهم مهارات الذكاء التي يتميز بها الإنسان السعيد الناجح ، لذلك لتسعد في هذا الفصل و كل فصل من فصول السنة فأدعوك للتكيف مع الطبيعة و امش مع التيار و استفد من الطبيعة و صادقها ، فلكل فصل ميزاته و مشاعره و جماله ، و لذلك خلق الله تغير الفصول فبدلا من مواجهة التيار و تضييع الفرصة المجانية و الطبيعية و الهدية الربانية التي تأتينا كل فترة على شكل فصل من فصول السنة …استقبلها بحب و تكيف معها و ابتهج بقدومها و استفد منها بأفضل طريقة .
يقول الشاعر :
كـلُّ الـفـصولِ جَـمـيـلَـة لِـكـلِّ فــصلٍ فـضـــيـلــة
حَـمْـدًا لِــرَبِّـي وشــكْــرًا عـلى الـعَـطايـا الـجَـلـيـلَـة
سُــبــحـانــه وتــعَــالــى أهْــــدَى لِـكُــــلٍّ أُصــولَـه .
سميرة الجلال تكتب: حي الشتا و حي ما جابه
التعليقات: 0