استيقظتُ وأنا أمدّ يدي كعادتي لهاتفي… لا شيء!
فتّشت تحت الوسادة، على الطاولة، في كل زاوية — الهاتف اختفى!
قلت يمكن الشحن فصل، بحثت عن الشاحن… لكن ما في كهرباء أصلًا!
رفعت رأسي أستطلع المكان، فإذا بنورٍ خافتٍ يخرج من “أتريك” يشتغل بالكاز،
لهبه يرقص بخجل، كأنه يحرس الليل من العتمة.
تملأ الغرفة رائحة الكاز الممزوجة بطين الجدار،
رائحة لها طابع غريب… تشبه البساطة والسكينة.
لا مكيّف، لا مروحة، والجدران تمتصّ حرارة النهار وتُعيدها بهدوءٍ في الليل.
لا نوافذ هنا، بس فتحة صغيرة في الجدار يدخل منها نفسٌ خفيف من هواء الليل.
قلت أغسل وجهي، فتّشت عن الحنفية… ما فيه!
في الزاوية سطل فيه شويّة ماي، وبجانبه دلو صغير.
لا مرحاض إفرنجي، ولا دورة مياه أصلًا،
ومكان قضاء الحاجة – أعزّكم الله – في أحد زوايا البيت، يُسمّى “الكنيف”.
بساطة الحياة كانت تمتد حتى في تفاصيلها الصغيرة.
ضحكتُ وقلت: طيب خلني أشغّل الإنترنت من اللابتوب.
لكن تذكّرت إن اللابتوب لسه ما اخترعوه!
قلت طيب أسمع أغنية من “يوتيوب”،
فما وجدت إلا “راديو” قديم بلونٍ باهت،
يدور مقبضه بصوتٍ خفيف، وتخرج منه أغنية تعبق بالدفء والطمأنينة.
خرجتُ للحارة أدوّر كوفي،
فما شفت إلا رجالًا جالسين على حصيرٍ يتسامرون عن المطر والزرع.
ولا أحد فيهم يعرف وش هو “الكابتشينو”،
ولا ينتظر “طلب جاهز” من تطبيق.
الأطفال يلعبون حفاةً على التراب،
ضحكاتهم عالية وصافية،
ما يحتاجون فلاتر ولا كاميرات — يكفيهم الفرح.
في السوق، ما فيه مولات ولا مطاعم عالمية،
بس بسطات صغيرة، وروائح بهارات تملأ المكان.
الناس متقاربين، لا تفاخر ولا طبقية،
لا “آيفون” ولا “رولكس”،
الجميع يعيشون على القدر نفسه من التعب والرضا.
وحين جاء الليل، جلستُ بجوار “الأتريك”،
أتأمل ظلال اللهب وهي ترتجف على الجدار،
وأستمع للأغنية القديمة من الراديو.
صوتها خشن، لكنه يدخل القلب من أوسع أبوابه.
وقلت في نفسي:
هذا هو “الزمن الجميل” اللي يتغنون به،
جميل؟ نعم، لكن بجمال الناس، لا بجمال الحياة.
كانوا أنقى، أبسط، أصدق…
أما نحن — فصار عندنا كل شيء، إلا بعضنا.
مقال رائع
لقد رسم الأستاذ عبدالله مشهدًا سرديًّا يخطف القارئ إلى زمنٍ لم يكن جميلًا بأشيائه، بل بصفاء ناسه.
وغياب الهاتف في افتتاحية النص لم يكن تفصيلاً عابرًا؛ بل مرآة تكشف ضياع “الأنا” في زحام التكنولوجيا، وتفضح مدى اعتمادنا على أدواتٍ حلّت محل بساطة الروح وهدوء اللحظات.
جمال مقالك أنه يستعيد الماضي ليس كحنين، بل كإضاءة على قيمة الإنسان قبل أن تتكاثر حوله الأشياء.
ولتقريب الفكرة أكثر:
ولو نظرنا إلى جيل الخمسينيات والستينيات—الجيل الذي عاش التحوّل بين البساطة وبدايات التقدّم—قد لا يكون قد عاش تمامًا ذلك الزمن الذي تصفه، لكنه أدرك روحه وصفاءه. ومع ذلك، نسمع حتى بينهم رغبةً بالعودة إلى الوراء، وكأن المشكلة تكمن في التطوّر نفسه، لا في قدرتنا على احتضانه والتكيّف معه.
فالتطوّر ليس خصمًا، بل نتيجة طبيعية لمسار البشرية.
ولو لم يكن للنمو فائدة، لما مُنح الإنسان عقلاً يبدع ويخترع ويدفع الأشياء إلى الأمام.
لذلك يصبح السؤال الجوهري ليس: هل الزمن القديم أجمل؟
بل: هل مشكلتنا مع التقدّم… أم مع هشاشة علاقتنا به؟
يُذكّرنا مقالك أن الجمال لا يسكن الماضي، بل يسكن الإنسان حين يعرف كيف يحافظ على ذاته وسط تغيّرات الزمن.
فالعودة ليست في “الوقت”، بل في “الوعي”.
تصدق يا بو حمد ان كل شخص له زمن جميل خاص فيه، مثل الي عمره الحين 25 او 30 سنه تلقى الزمن الجميل عنده الفترة الى عاشها قبل 10 سنين تحصله يقول وين ذيك الايام كنا نشترى فلافل مع عصير ربيع بريالين