د. فاطمة المُلا تكتب: الحرف الأحسائية… من وهج الأصالة إلى وهج الازدهار

التعليقات: 9
د. فاطمة المُلا تكتب: الحرف الأحسائية… من وهج الأصالة إلى وهج الازدهار
https://wahhnews.com/?p=89031
د. فاطمة المُلا تكتب: الحرف الأحسائية… من وهج الأصالة إلى وهج الازدهار
الواحة نيوز

تُعد الأحساء من أقدم مناطق الجزيرة العربية التي اشتهرت بالحرف اليدوية والتراثية، حيث امتزجت فيها الأصالة بالإبداع لتشكّل لوحة فنية تعبّر عن هوية المكان وساكنيه.
وفي عمق واحة الأحساء، حيث تتشابك جذور التاريخ مع نخيلها الشامخ، تظل الحرف اليدوية شاهدة على عبقرية الإنسان الأحسائي وقدرته على تحويل مواد الطبيعة إلى فنٍّ نابض بالحياة.
ومع تطور الزمن وظهور الصناعات الحديثة، باتت بعض هذه الحرف تواجه خطر الاندثار، في حين نجحت أخرى في الصمود والتطور بفضل جهود الحرفيين والدعم المؤسسي، لتبقى الحرف الأحسائية عنوانًا للهوية وسجلًّا حيًا لمراحل التطور الاقتصادي والاجتماعي في المنطقة.

تاريخ تطور الحرف في الأحساء
عرفت الأحساء منذ قرون طويلة بأنها من أهم مراكز الحرف اليدوية في الجزيرة العربية، إذ برع أبناؤها في صناعة الفخار والخوص والنسيج والخشب والمعادن.
كانت الأسواق القديمة مثل سوق القيصرية تعجّ بالحرفيين الذين يمزجون بين المهارة الفنية والاحتياج اليومي.
ومع مرور الزمن تأثرت الحرف بعوامل التطور الاجتماعي والاقتصادي، فانتقلت من أدوات الحياة اليومية إلى منتجات تراثية تحمل قيمة ثقافية وسياحية.

الحرف الأحسائية المندثرة
رغم عمق التاريخ لم تصمد جميع الحرف أمام التغيرات الحديثة، ومن أبرزها:
-الدلة الأحسائية:كانت تُصنع يدويًا من النحاس الأصفر وتُزيّن بنقوش دقيقة تعبّر عن الذوق الأحسائي الرفيع. تميّزت بخفة وزنها وجمال تصميمها، وكانت رمزًا للكرم والضيافة. لكن مع انتشار الدلال المستوردة المصنعة آليًا وارتفاع تكلفة المواد الخام، تراجعت الحرفة حتى اندثرت تقريبًا، ولم يتبقَّ منها سوى قطع تراثية في المتاحف والمنازل القديمة.
-السدو (النسيج اليدوي من الصوف):ازدهرت ولكن اختفت مع ظهور الأقمشة الصناعية الحديثة.
القِرَب الجلدية: كانت تُستخدم لحفظ الماء، قبل أن تحل محلها الأدوات المعدنية والبلاستيكية.
صناعة المراكب الخشبية:كانت وسيلة أساسية للنقل والصيد، لكنها تلاشت مع تطور وسائل النقل الحديثة.

الحرف التي صمدت وازدهرت
في المقابل ما زالت بعض الحرف الأحسائية تحافظ على مكانتها وتجدّد نفسها، ومنها:
-صناعة الفخار:لا تزال قائمة في قرية القارة، وتُعد من أقدم الحرف في المنطقة، إذ يجمع الحرفيون بين الطين والماء لتشكيل أوانٍ فنية ذات طابع تراثي.
-الخوصيات (منتجات السعف):تحولت من أدوات منزلية إلى منتجات فنية وهدايا تُعرض في المهرجانات والأسواق.
-النجارة التقليدية وصياغة الفضة: ما زالت مزدهرة في الأسواق التراثية، خصوصًا في سوق القيصرية التاريخي.

العوامل التي أدت إلى ازدهار الحرف
شهدت الحرف الأحسائية في السنوات الأخيرة عودة قوية بفضل:
-الدعم الحكومي والمؤسسي من وزارة الثقافة وهيئة التراث عبر برامج التدريب والتسويق.
-إدراج واحة الأحساء في قائمة التراث العالمي لليونسكو مما عزّز قيمتها الثقافية والسياحية.
-إقامة المهرجانات والمعارض التراثية التي تُعرّف الجمهور بالحرفيين ومنتجاتهم.
-التسويق الإلكتروني الذي فتح أبواب البيع عالميًا أمام الحرفيين.
-دور المرأة الأحسائية في الحفاظ على الحرف ونقلها للأجيال الجديدة.

الحرف الأحسائية … ليست مجرد مِهن
بل ذاكرة حية وهوية وطنية تعكس مهارة الإنسان الأحسائي وحبه للجمال والعمل، ورغم اندثار بعض الحرف مثل الدلة الأحسائية التي كانت رمز الكرم العربي، فإن روحها لا تزال حاضرة في الذاكرة والوجدان.
ومع ما تشهده الأحساء اليوم من نهضة ثقافية ودعم رسمي، تُفتح الآفاق من جديد أمام الحرف الأصيلة لتستعيد مجدها بين الماضي والحاضر، ولتظل الأحساء منارة للحرف والتراث في المملكة والعالم العربي.

التعليقات (٩) اضف تعليق

  1. ٩
    سوسن الماجد

    مقال جميل يلامس هوية الأحساء وثقافتها الأصيلة،
    الحرف الأحسائية ليست مجرد مهن، بل فن وهوية… مقال ملهم يعبّر عن عمق الجمال في التراث، شكراً د. فاطمة

  2. ٨
    زائر

    مقال جميل يبرز موضوع هام للغاية ويغطي معظم الحرف اليدوية التي اشتهرت بها الأحساء لكن لفت انتباهي عدم ذكر البشت الإحسائي وهو من أهم الصناعات اليدوية .. والبشت له أهميته لأنه يمثل الزي الوطني الذي يرتديه المواطن السعودي كزي رسمي في جميع المناسبات الوطنية والأعياد والأعراس الخ

  3. ٧
    زائر

    الاحساء غنية بالتراث والثقافة وموطن لأبناء يعرفون بذلك ويسهمون بشكل كبير في مختلف القطاعات الاقتصادية والثقافية في المملكة
    كل الشكر على إثراءك الدائم

  4. ٦
    زائر

    جميل جدا كجمالك زادك الله جمالا على جمالك مشاركه راىعه. سلمت يداك

  5. ٥
    زائر

    شكراً د.فاطمة على هذا التصوير الذهني لمدينة الأحساء الأصيلة الذي امتزج بذاكرة القلوب وأظهر أصالة المكان والإبداع البشري بفضل الله تعالى ولايزال ينمو ويزدهر وهذا يدل على الوفاء والإنتماء لهذه المنطقة وتأصيل الهوية الأحسائية بفخر واعتزاز ..(بدريه العمير)

  6. ٤
    نوال عبدالرحمن

    موضوع شيق يحمل في طياته عبق وهوية الماضي وشغف الحاضر لكل ماهو جميل ويحافظ على أصالة الاحساء وعراقتها ومكانتها ونبوغ أبناءها في صنع كل ماهو مفيد سلمت يمينك دكتوره فاطمه على موضوعك القيم

  7. ٣
    زائر /

    ماشاءالله تبارك الله مقال وافي أعجبني جداومن نعم الله على الاحساء أن الحرف الاحسائيه من وهج الاصاله لم تندثر با ازدادت ازدهارا وتألقا لتغرس في نفوس الاجيال وكأنهم يعيشونها بفضل الله ثم تحفيزوتشجيع الحكومي وجميع العوامل المذكوره في المقال
    جزاك الله خيرا د/فاطمه الملا

    • ٢
      زائر

      بارك الله فيك وفي تطلعاتك وإلمامك بكل مايعني الأحساء من حضارة وتطور وازدهار في ظل حكمومانا الرشيدة وبتوفيق وفضل من الله كتب الله أجرك ورفع قدرك .

اترك تعليق على نوال عبدالرحمن الغاء الرد

بريدك الالكترونى لن نقوم بأستخدامه.

You may use these HTML tags and attributes:
<a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <s> <strike> <strong>