د. معصومة العبد الرضا تكتب: حين ننكسر.. وتأتينا الطعنات من الداخل

التعليقات: 11
 د. معصومة العبد الرضا تكتب: حين ننكسر.. وتأتينا الطعنات من الداخل
https://wahhnews.com/?p=85794
 د. معصومة العبد الرضا تكتب: حين ننكسر.. وتأتينا الطعنات من الداخل
الواحة نيوز

لا شيء يوهن الروح كأن يُصيبها الكسر من جهة الأمان. لا من غريبٍ نجهله، بل من قريبٍ نحبه. أن تُطعَن من صديق، أن تُخدَع من أخ، أن تُقصى من ابنٍ نَشأتَ لأجله، أن تتلقى الصمت والخذلان ممن كانوا يومًا وطنًا.

حين تتكرر الصدمات من المحبين، لا تنكسر العلاقات فقط، بل تنكسر في داخلنا فكرة الثقة، وتتصدع جذور الأمان، ويتهشم اليقين بأن “القرابة” ضمانة، أو أن “الحب” صمّام أمان.

نُدهش في البداية، ثم نتألم، ثم نغضب، ثم نسكت. نُجبر الكسر بعبارات مواساة داخلية، ونكمل، لكن فينا شروخ لا تُرى، تحوّلنا إلى نُسخ حذرة من أنفسنا القديمة.
لا أحد يتعلم الثقة بعمقٍ إلا حين تُخذل. ولا أحد ينضج شعوريًا إلا بعد خيبة ثقيلة ممن كانوا يعيشون في صدره لا خارجه. الخذلان المتكرر لا يجعلنا قساة، لكنه يُعيد ترتيب أولوياتنا: لا أحد يستحق أن نعطيه كلنا.

المؤلم في صدمات الأقرباء أنها تُربك ذاكرة القلب، وتُربك معه تاريخه. كيف نُعيد قراءة المواقف القديمة؟ كيف نُصنفها؟ هل كانوا كذلك دائمًا ونحن لم نرَ؟ أم تغيّروا مع الوقت؟

ومع كل هذا، يبقى السؤال المُرّ: هل نحن مَن تغيرنا، أم هم الذين أسقطوا القناع؟
من الألم الحقيقي أن نربّي أبناءنا بحبٍ، ونُفاجأ لاحقًا بجحودٍ بارد. أن نكون في ظهر إخوتنا، ثم نجدهم في صف الغياب. أن نُهدي الوقت والمشاعر، ونُكافأ بالبرود والتجاهل والانتقاد.

لكن الحقيقة التي لا نتعلمها إلا متأخرين هي أن الناس لا يثبتون دائمًا، والمشاعر لا تضمن الوفاء، والقرابة ليست عقدًا أخلاقيًا ملزمًا.
ومع ذلك، لا يصح أن نحيا في جلدٍ ذاتي مستمر، ولا أن نُغلق أبواب القلب خوفًا من الطرقات الخاطئة. ما نتعلمه من الصدمات المتكررة ليس أن نكفّ عن الحب، بل أن نحب بوعي. أن نثق بحذر، أن نعطي بحدود، وأن نُدرك أن الانكسار ليس نهاية الإنسان، بل بداية نضوجه.

فكل مرة ننكسر فيها، نحن نقترب أكثر من حقيقتنا. نكتشف أنفسنا، ونعرف قدرنا، ونتعلّم كيف نُسندها بعد أن خذلها الآخرون.
نخرج من الألم ببطء، لكننا نخرج أقوى. لا لأن الجراح التأمت، بل لأننا تعلمنا كيف نُضمّدها بأنفسنا.

الحياة لا تعفي أحدًا من الصدمة، ولا توفر لأحد ضمانًا من الخذلان، لكنها تمنحنا القدرة على أن نقول يومًا: لقد مررت من هنا، وكنت هشًّا، ثم صرت حكيمًا.

التعليقات (١١) اضف تعليق

  1. ١١
    زائر

    مروركم وتعليقكم بمثابة النقد الذي يصحح مساري ويغي قلمي ويتوهج في فضاء ردودكم … دمتم وإلى الأبد.

  2. ١٠
    الاسم ( اختياري )

    قصدك حين ننطعن من اعز واقرب الناس لنا

  3. ٩
    زائر

    سعدة المستشارة لقد جسدتي الم الغدر والنفاق لدى الآخرين إلا ان هناك شخصيات يتمتعون ببصيرة ثاقبه حيث يقيمون اهل الغدر والنفاق في وقت مبكر فيخلعوهم من البرج العاجي ويضعونهم على الارض كالغرباء فلا يستهلكوا منهم عواطفهم وعطاؤهم ضناً منهم انهم ذخراً في الحياة

  4. ٨
    زائر

    كلام وتشخيص صحيح جدا .
    لذا تعلق بالحق وساير الخلق.

  5. ٧
    سعاد العوض

    كلماتك يا أم هيثم لامست القلوب قبل العيون فليس هناك ما يوجع الروح أكثر من خذلان القريب 🎯
    لكنني أؤمن أن هذه الكسور ليست ضعفًا بل شهادة على قوة قلوبنا وقدرتها على النهوض بعد كل وجع،
    نعم نتعلم أن نحب بوعي أن نعطي بحدود وألا نرفع سقف التوقعات ممن حولنا فالقلب يتقلب وما كان حاضرًا اليوم قد يغيب غدًا
    وصدقيني كل خيبة لا تنقصنا بل ترفعنا درجة في النضج والحكمة
    أوصي أن نحفظ لأنفسنا قدرًا من السلام الداخلي
    طبتِ وطمأن الله قلبك وأبدلك عن كل وجع راحة وسكينة 🙌

  6. ٦
    زائر

    📜 إضاءة
    في كل مرة أقرأ للأديبة الأريبة، المربية الفاضلة الدكتورة معصومة أجدني أمام قطعة أدبية تربوية آسرة، تتوهّج بالحكمة، وتضيء زوايا الفكر بنور التجربة والبصيرة.
    قراءة واحدة لا تكفي لاستيعاب هذا الألق المتجدد عطاء وروحًا ونظرًا وتأملًا؛ فقد أجدني مدفوعًا برغبة عارمة إلى قراءة ما يسطره مداد الدكتورة أكثر من مرة، وفي كل مرة كانت تفتح لي نوافذ جديدة على المعنى، وتغرس في حديقة معرفتي نبتة تأمّل ناضجة.

    مقال متماسك البناء، عميق الرؤية، لا يكتفي بالوصف ولا التوصيف، بل يغوص في التحليل، ويعيد تشكيل المفاهيم.
    يصحّح المسار، ويقترح حلولًا تنبض بالحكمة من طرف خفي. هو بمثابة خارطة طريق لفن التعامل مع الحياة والناس، مرسومة بأنامل تربوية خبيرة، ونفسٍ صافية، وقلمٍ يعرف إلى أين يمضي.

    وهكذا اعتدنا من د. معصومة، قلمًا لا يكتب فقط، بل يُبهر ويدهش، ولا يمرّ سريعًا، بل يترك أثرًا.

    بورك المداد.

  7. ٥
    زائر

    📜 إضاءة
    في كل مرة أقرأ للأديبة الأريبة، المربية الفاضلة الدكتورة معصومة أجدني أمام قطعة أدبية تربوية آسرة، تتوهّج بالحكمة، وتضيء زوايا الفكر بنور التجربة والبصيرة.
    قراءة واحدة لا تكفي لاستيعاب هذا الألق المتجدد عطاء وروحًا ونظرًا وتأملًا؛ فقد أجدني مدفوعًا برغبة عارمة إلى قراءة ما يسطره مداد الدكتورة وإعادته، وفي كل مرة كانت تفتح لي كتاباتها نوافذ جديدة على المعنى، وتغرس في حديقة معرفتي نبتة تأمّل ناضجة.

    مقال متماسك البناء، عميق الرؤية، لا يكتفي بالوصف ولا التوصيف، بل يغوص في التحليل، ويعيد تشكيل المفاهيم.
    يصحّح المسار، ويقترح حلولًا تنبض بالحكمة من طرف خفي. هو بمثابة خارطة طريق لفن التعامل مع الحياة والناس، مرسومة بأنامل تربوية خبيرة، ونفسٍ صافية، وقلمٍ يعرف إلى أين يمضي.

    وهكذا اعتدنا من د. معصومة، قلمًا لا يكتب فقط، بل يُبهر ويدهش، ولا يمرّ سريعًا، بل يترك أثرًا.

    بورك المداد دكتورة.

  8. ٤
    زائر

    موضوع رائع…
    الخلاصة، اقتباس من نص الكاتبة : *ما نتعلمه من الصدمات المتكررة ليس أن نكفّ عن الحب، بل أن نحب بوعي. أن نثق بحذر، أن نعطي بحدود، وأن نُدرك أن الانكسار ليس نهاية الإنسان، بل بداية نضوجه.*

  9. ٣
    زائر

    طاب مدادك دكتورتنا الغالية

  10. ٢
    الحياة مدرسة منها نتعلم

    التعليق

  11. ١
    زائر

    الحياة مدرسة منها نتعلم

اترك تعليق على زائر الغاء الرد

بريدك الالكترونى لن نقوم بأستخدامه.

You may use these HTML tags and attributes:
<a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <s> <strike> <strong>