بكر العبدالمحسن يكتب: التقدم والتخلف وانعكاس المصالح

التعليقات: 10
بكر العبدالمحسن يكتب: التقدم والتخلف وانعكاس المصالح
https://wahhnews.com/?p=83695
بكر العبدالمحسن يكتب: التقدم والتخلف وانعكاس المصالح
الواحة نيوز

إذا أردت أن تحرك منصات اطلاق الدفاعات الشخصية لأي فرد أو مجتمع فعليك بوصفه بالتخلف، لينال من شخصك أولا ثم مُهاجمتك بأدوات التبرير المتنوعة ؛لإبعاد تُهمة التخلف عنه أو حتى الإحاطة والوعي بها.

فما يُميز وصف الإنسان المتخلف أنه في حالة دفاع مُستمر ضد افتضاح أمره وخشية انكشافه ،فكلمات الستر التي لا يتوقف عن توليدها في البيئة الاجتماعية من العزة والكرامة تُمثلان المكانة الأساسية في خِطاب الإنسان المقهور لبقاء الرأس مرفوعا والاحتماء به من كلام الناس كأولوية مصيرية بالنسبة له.

لقد حاول الدكتور مصطفى حجازي في كتابه “التخلف الاجتماعي .. قراءة في سيكولوجية الإنسان المقهور” تقديم وصفا آخر للتخلف تحت مسمى “الإنسان المقهور” من خلال العنف الواقع عليه من الطبيعة والآخر من الإنسان نفسه ،وهذا العنف يجعله يفقد السيطرة على مصيره ويبحث عن الوسيلة التي تضمن حمايته وذويه عن طريق التمسك بالماورائيات.

فأبرز ملامح مرحلة مأساة المعاناة الوجودية للمتخلف هي الاجتياف و التبخيس والتي غُرست في نفس الإنسان المتخلف ،والتي تُمثل عدوانيته وقهره ذاتيا على شكل مشاعر إثم ودونية يزدري ذاته ويخجل منها ويود الهروب من مواجهتها.

“فالاجتياف” أخذ صفات أو أفكار شخص آخر وجعلها جزءًا من ذاته ،و”التبخيس” النقد الذي يركز على الأخطاء والسلبيات في العمل أو الفعل ذاته وهدفه التحسين والتطوير من خلال إبراز العيوب والنواحي السلبية بأسلوب حاد وغير بناء ،وقد يُؤدي ذلك إلى الشعور بالإحباط والضعف والتراجع في الأداء.

ومن أهم الملامح الأساسية التي يراها حجازي للإنسان المقهور هي الخوف من فقدان القدرة على المجابهة والخوف من شرور الآخرين ،لذا يقع في انعدام الكفاءة الاجتماعية والمعرفية ،فهو يبتعد عن كل جديد ويتجنب الأوضاع الغير المألوفة بالنسبة له ولغيره ويتجمد في حالة من الشلل الوجودي.

ووفقًا لنظرية “هرم ماسلو للاحتياجات” فإن الأولويات النفسية للمجتمعات تحدد تصوراتها عن التقدم والتخلف ،فالمجتمعات التي تُكافح لتلبية احتياجاتها الأساسية قد ترى في القيم التقليدية مثل العائلة والأمان الاجتماعي تقدمًا لأنها توفر الاستقرار ،كما تُظهر النسبية الثقافية التي أرسى أسسها الأنثروبولوجي فرانز بواس أن القيم والتصورات المجتمعية تُبنى ضمن سياقات ثقافية محددة فإن ما يُعتبر تخلفًا في مجتمع معين قد يُعتبر إرثًا حضاريًا غنيًا في مجتمع آخر.

فمهما تعددت مفاهيم التقدم والتخلف فهي ليست حقائق مطلقة ،بل هي انعكاس لمصالح أيديولوجية وصراعات ثقافية وسياسية واقتصادية ،فما يُعتبر تقدمًا في سياق مَا قد يُنظر إليه كمرجعية أو انحطاط في سياق آخر.

وأهم ما يضبط هذه السياقات التعددية في جدلية التقدم والتخلف هو مساحة قِيم الاختيار والعدالة والمساواة والسَّلام والتسامح التي من شأنها أن تخلق بيئة متنوعة من النماذج التي يدعي فيها كل طرف أنه مُتقدم على الآخر المتخلف بجودة الحياة والسعادة فيها ،ويسمح فيها لغيره بالتنافس معه في التجارب من أجل الإثراء ،والبعيدة كل البُعد عن العدائية والتصنيف والإقصاء والازدراء (وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَىٰ (39) وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَىٰ (40) ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَىٰ (41)النجم

التعليقات (١٠) اضف تعليق

  1. ١٠
    الاسم (اختيارى)

    سلمت استاذ بكر على هذا الطرح المميز !!
    وحقاً لفظتي التخلف والتقدم يحملان مدلولاً يتغير مفهومهما حسب الظرف الزماني والمكاني . وبالتالي يتغير تشخيصهما من شخص آخر ومن مجتمع إلى آخر !!!

    لا نضبَ هذا اليراع . محبك . إبراهيم حسن الحسين . أبوحسن

  2. ٩
    زائر

    سلمت استاذ بكر على هذا الطرح المميز !!
    وحقاً لفظتي التخلف والتقدم يحملان مدلولاً يتغير مفهومهما حسب الظرف الزماني والمكاني . وبالتالي يتغير تشخيصهما من شخص إلى آخر ومن مجتمع إلى آخر !!!

    لا نضبَ هذا اليراع . محبك . إبراهيم حسن الحسين . أبوحسن

  3. ٨
    سعاد العوض

    تصورات المجتمعات عن التقدم والتخلف تختلف باختلاف ثقافاتها وخبراتها وتوجهاتها
    مثل ١- التصور التقني الاقتصادي
    والكثير من المجتمعات ترى أن التقدم يعني امتلاك التكنولوجيا الحديثة، وارتفاع مستوى الدخل، وتطور البنى التحتية، بينما يعد غياب هذه الأمور تخلفًا
    ٢- التصور الاخلاقي
    وترى المجتمعات بربط التقدم بالالتزام بالقيم الدينية أو الأخلاقية أو الإنسانية، وترى أن الانحراف عنها مهما كانت درجة التقدم المادي هو شكل من أشكال التخلف
    ٣- التصور التعليمي
    يعتبر بعض الناس أن التقدم يتمثل في انتشار التعليم وتحرير العقول من الجهل والخرافات، والانفتاح الثقافي بينما يعد الجمود الفكري أو الانغلاق تخلفًا…..

  4. ٧
    سعاد العوض

    بورك قلمك السيال قائدنا الفاضل
    التقدم والتخلف مفهومان نسبيان، يتغير معناهما من مجتمع إلى آخر، بل ومن حقبة إلى أخرى، تبعًا لأولويات تلك المجتمعات ورؤيتها للعالم

  5. ٥
    منى

    نريد موضوع مهم ومفيد لو سمحت يا اخي

  6. ٤
    احسمت يا سيد. النقد مطلوبا و يجب الا يكون

    النقد مطلوبا

    • ٣
      الاسم ( اختياري )

      اذا كان الفرد مظلوما او مقهورا أن رد فهو ليس متخلف
      وان لم يرد ولم يدافع ايضا ليس متخلف
      تعرف من هو المتخلف هو الذي بخطأ على الآخرين

  7. ٢
    زائر

    مقال مميز وعميق للكاتب القدير السيد بكر، تناول فيه مفهوم التخلف من زاوية نفسية واجتماعية، مستنيرًا برؤية الدكتور مصطفى حجازي، ومبرزًا كيف يتحول التخلف إلى حالة دفاعية يعيشها الإنسان المقهور. كما أضاء الكاتب على نسبية مفاهيم التقدم والتخلف، مؤكدًا أن القيم الإنسانية كالتسامح والعدالة هي المعيار الحقيقي للتقدم.

    كل الشكر والتقدير للكاتب على هذا الطرح الراقي والتحليل الواعي الذي يدعو للتأمل والنهوض

    • ١
      سالم

      في هذا الزمن أن يكون الفرد ولم يدافع عن نفسه
      حين يكون مظلوما ومخطا عليه قالوا متخلف ومتكبر
      وساذج
      وحين يرد عليهم ويدافع عن نفسه قالوا نذل وشرس
      ولسانه طويل ذو اللسان
      الناس لايعجبهم العجب
      ولكن الحق يقال

اترك تعليق على سعاد العوض الغاء الرد

بريدك الالكترونى لن نقوم بأستخدامه.

You may use these HTML tags and attributes:
<a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <s> <strike> <strong>