في كلِّ إنسانٍ حنينٌ لا يُفَسَّر، وانتماءٌ لا يُتَرجَم بالكلمات… اسمه: الوطن.
الوطن ليس تلك المساحة الجغرافية التي نُعلّق على حدودها الأعلام، بل هو الكيان الذي نَحمله في داخلنا، ونُشبهه كما يُشبهنا، نغضب حين يُهان، ونفرح حين يُذكَر، ونشعر به كما نشعر بأنفاسنا، دون أن نراه.
الوطن مرآة… من لا يرى فيها نفسه، لا يعرف من هو.
سألني طفلي ذات يوم:
“يا أمي، لماذا نُحب الوطن؟”
فقلت: “لأننا نراه في كل ما نحن عليه. إن كنت صادقًا، رأيت وطنًا نزيهًا. إن كنت وفيًّا، صار الوطن آمنًا. وإن خنت، اهتزّ الوطن، لأنك من نسيجه.”
الوطن يشبهنا… ووجوهنا تُطبع عليه.
إن نهضنا، نهض معنا.
وإن تخاذلنا، تعثَّر بنا.
فالوطن ليس أرضًا بلا روح، بل كيانٌ يتنفس منّا، يتعب حين نُسيء، ويُزهر حين نُصلح.
وفي لحظة تأمل… لا بد أن أقولها صراحة:
شكرًا لك يا وطني العزيز.
شكرًا لأنك كنت الحضن الذي ضمّ أحلامي حين ضاقت بي الدروب.
شكرًا لأنك منحتني التعليم، والأمان، والكرامة، والفرص.
شكرًا لقيادتك التي جعلت الأمل واقعًا، والطموح مُمكنًا، والنجاح متاحًا لكل مَن سعى بصدق.
إليك يا وطن الخير، كل العرفان، وكل الامتنان، وكل الوفاء.
فمهما كتبت، يبقى عطاؤك أكبر من كلماتي، وأعمق من حروفي.
المواطنة الحقيقية: أن تكون صادقًا حين لا يراك أحد
كم من وطنٍ حُبِّر اسمه في القصائد، لكن طُعن في ظهره من أبنائه؟
وكم من شعارٍ رُفع عاليًا، لكن لم يُترجم إلى سلوك بسيط في الطريق، أو في أداء الأمانة، أو في رفض الرشوة، أو في حماية الضعفاء؟
الوطن لا يحتاج منّا صخبًا، بل اتزانًا.
يحتاج إلى عيون يقظة لا تغفو حين يُسرق الحلم، وإلى ضمير لا يغيب حين يُغتال الحق.
يحتاج إلى صدقٍ نابع من القلب، لا يُشترى ولا يُباع.
الوطن الذي نتركه في قلوب أبنائنا
الجيل القادم لا يرث الوطن من حدودٍ تُعلَّم على الخرائط، بل من قيمٍ تُزرع في النفوس.
علِّم ابنك أن الوطن لا يُشتم إن أخطأ مسؤول، ولا يُكرَه إن ضاق العيش، ولا يُباع من أجل جواز سفرٍ آخر.
بل الوطن يُرمَّم، ويُنهَض، ويُبنى على يد من يحبّه بصدق، لا بمن يتغنّى به موسمًا ثم يرحل عنه خفيفًا بلا أثر.
الوطن المجروح لا يصرخ، بل يئن في صمت
حين تُهدَر كرامة موظف صغير… يئن الوطن.
حين تُهان امرأة في مرفق عام… ينكسر الوطن.
حين يُعلَّق مستقبل شاب على وساطة… يتعب الوطن.
حين تموت الأمانة فينا، يموت شيء من الوطن معنا.
الوطن لا يُحرَق، لكنه يحترق في القلوب الصامتة
نعم… الوطن لا يُحرَق بالنار، لكنه يحترق كلما اخترنا الصمت بدلًا من الإصلاح، وكلما قلنا “ما دخلني؟” بدلًا من أن نقول “أنا المسؤول”.
حين يموت الوجدان، يصبح الوطن غريبًا ونحن نعيش فيه.
لكن حين يَصحُو الضمير، حتى في أكثر اللحظات ظلامًا، يُولد الوطن من جديد فينا.
فلنكتب اسمنا في ذاكرة الوطن
لا نُريد أن يَذكرنا التاريخ بأننا كنا عددًا في الإحصاء.
بل أن يذكرنا بأننا كنّا شعلة في الظلام، ولبنة في البنيان، وصوتًا في زمن الصمت.
أن نقول: كنّا هنا… وكان الوطن أفضل لأننا كنا صادقين.
وأخيرًا…
أيها الوطن، لا نحتاج أن نُعلن حبّك كل يوم، لكن نُريد أن نُشبهك في نقائك، في صمودك، في اتساعك.
نُريد أن نراك في أطفالنا، في مدارسنا، في شوارعنا، في سلامنا الداخلي.
نُريد أن نكون مرآتك، كما كنت دائمًا مرآتنا.
دمت لنا وطنًا نفخر به… ونفديه بالروح، والفكر، والعمل.
لأن الأوطان لا تُبنى بالكلام… بل بمن يشبهونها
د. معصومة العبدالرضا تكتب: وطن مرآة أرواحنا: كيف نُشبه أوطاننا ويُشبهنا الوطن؟
التعليقات: 7
حب الوطن ماله حدود الوطن هو الأم
التعليق
ابدعتي يادكتوره حب الوطن من الإيمان
الإبداع هو مروركم الكريم وتعليقكمالوطني المحب
كلام من ذهب
ماشاءالله مقال جميل جدا نابع من القلب ليصل لكل قلب مخلص محب لوطنه متعكى الله بالصحة والعافية والعمر المديد
شكرا لمرورك الكريم