في زاوية من جبال الباحة، وُلد سعيد بن علي غدران، يتيمًا فقيرًا، لكنه غني بالإرادة. نشأ محاطًا بصعوبة العيش، لكنه حمل في داخله بذورًا لحياة مختلفة، حياة سيكون فيها للكرامة معنى، وللعطاء شكل، وللنجاح رسالة.
في سن مبكرة، اضطرته الحياة لترك الديار، متجهًا إلى الطائف ومكة المكرمة، باحثًا عن عمل وسند، فكان هو السند لنفسه، ثم لغيره.
ترك الوظيفة الحكومية، التي كانت حينها حلمًا للكثيرين، وركب بحر التجارة بتواضع العارف، وبطموح لا يلين. بدأ بتجارة بسيطة في المواد الغذائية، وتوسّع لاحقًا ليُصبح مؤسسًا لإحدى أبرز المجموعات الاقتصادية في المملكة: مجموعة غدران القابضة.
المجموعة اليوم تضم نشاطات تمتد من الصناعة إلى الزراعة، ومن السياحة إلى العقار، ومن الإعلام إلى الطاقة، وتحمل بين طياتها أثر رجل آمن أن الأعمال لا تُقاس بالأرباح وحدها، بل بالقيمة التي تتركها في حياة الناس.
مصانع الأغذية والأنابيب والمناديل والمياه، مزارع الأعلاف، الفنادق، محطات الوقود، الاستثمارات العقارية، بل وحتى الصحافة عبر مؤسسة غدران للطباعة وإصدار صحيفة الشرق… كلها شواهد على رجل صنع مجده بنفسه، وحفر أثره في اقتصاد الوطن.
لكنه لم يكن رجل اقتصاد فقط، بل رجل إنسانية. ترأس جمعية “تمكين” لأيتام الشرقية، ودعم إنشاء مدارس تدريب مهني مع أرامكو، ليمنح الشباب فرصة الشرف بالعمل والاعتماد على الذات. وكان يرى أن من لا يُنقذ إنسانًا لا يصنع وطنًا.
في الرياضة، حمل الاتحاد السعودي للتنس إلى مستويات غير مسبوقة إقليميًا. وفي الإعلام، راهن على الكلمة النزيهة حين أسس الشرق، في وقت كانت الصحافة تواجه تحديات جذرية.
وعلى المستوى الدولي، لم يكن غائبًا. فتم اختياره ضمن قائمة أبرز 20 شخصية عربية مؤثرة في العمل الاجتماعي والاقتصاد والرياضة، من قِبل المجلس الاقتصادي والاجتماعي للأمم المتحدة، بترشيح من كبرى الجامعات العالمية كـهارفارد وجورج تاون.
في مارس 2017، ترجّل الفارس عن الدنيا، لكن حضوره لم يغِب عن القلوب والعقول. فقد ترك وراءه إرثًا لا يُقاس بالحجم بل بالعمق، ورحل عنّا رحمة الله عليه بعد أن قدم الكثير للوطن والمجتمع.
أبناؤه – وفي مقدمتهم الأستاذ غدران سعيد غدران – لم يُحافظوا على هذا الإرث فحسب، بل وسّعوه، وطوروه، وأثبتوا أنهم أبناء بارّون، لا بالدم فقط، بل بالفعل والنية والتوجه.
استمروا في دعم العمل الخيري، وفي تطوير مشاريع المجموعة، والدخول في مجالات جديدة تواكب التغيرات وتخدم رؤية المملكة. والأهم من ذلك، أنهم أبقوا على المجلس الأسبوعي لوالدهم في مدينة الدمام، ذاك المجلس الذي كان ولا يزال، محطة يجتمع فيها الناس بمختلف أطيافهم، طلبًا للمشورة أو الدعم أو حتى دفء الحديث.
ذلك المجلس لم يكن عادة اجتماعية، بل منبرًا للناس، ومدرسة في التواضع والكرم والمسؤولية. واستمراره حتى اليوم هو دليل حيّ على أن روح الشيخ سعيد لا تزال حاضرة في تفاصيل كل ما بناه.
الشيخ سعيد غدران لم يكن رجلاً يملك… بل رجلاً يمنح.
وحين ترجّل عن الدنيا، لم يغلق الكتاب، بل سلّمه لأبنائه، الذين أثبتوا أن الوفاء لا يُقال… بل يُفعل.
ساروا على نهجه بثبات، وواجهوا متغيرات الزمن برؤية تجمع بين الإرث والحداثة. لم يكونوا مجرد ورثة، بل حملة راية، ساروا بالاسم من المجد إلى الامتداد، ومن الذكرى إلى الفعل، ليظل هذا الاسم حاضرًا في العقول… نابضًا في القلوب… محفورًا في الضمير الوطني.
إرث غدران ليس مجرد إرث مادي، بل هو إرث من الشهم والكرامة، حيث تمسكوا بقيمهم في العطاء، في كل خطوة كانوا فيها في خدمة الوطن والمجتمع. تلك القيم التي نشأت في قلب الشيخ سعيد، وها هي تواصل مسيرتها مع أبنائه الذين جعلوا من تلك المبادئ أساسًا لحياتهم العملية والاجتماعية.
وهكذا تُبنى العائلات التي تُنجب القادة.
وهكذا يُخلّد الرجال الذين يصنعون من كل خطوة قصة… ومن كل عمل رسالة.
ماشاء الله سيرة حافلة بالإنجازات العلمية والإنسانية .. الحياة تعطي الإنسان ذو الإرادة الذي يقف في وجه التحديات ويحيلها إلى سلالام نجاح .. هكذا إنسان نرفع له القبعة إعزازا وإجلالا .. شكرا لك دكتر عاطف وهنيئا لك وطنيتك وذلك بالاحتفاء برموزها .
تحياتي : معصومة العبدالرضا.