“أحيانًا لا يكون هناك من يضربك أو يشتمك، لكن هناك من يقترب أكثر مما يجب، ويبتسم بينما ينهشك ببطء.” دوستويفسكي، الإخوة كارامازوف
في بعض العلاقات، لا يحدث الأذى بشكل صريح.
لا صفعة، لا شتيمة، لا خيانة واضحة.
بل يحدث عبر التكرار الهادئ لاجتياز حدودك، عبر الاقتراب أكثر مما تحتمل، عبر الإصرار على ما لا تريد… باسم المحبة.
هي علاقات لا تجرحك بالسكاكين، بل تخدشك بالأظافر.
بهدوء، بلطف، بخطوات صغيرة لا تُرى، لكنها تكدّس في داخلك شيئًا غريبًا، شيئًا يُشبه الغثيان.
فلا تقدر أن تبتعد لأن الآخر “لم يقصد”، ولا تقدر أن تبقى لأنك تختنق.
الارتباك يبدأ حين يُطلب منك أن تفسّر ضيقك، وكأن الشعور يحتاج إلى منطق.
حين تُسأل: لماذا تنزعج من شيء يبدو عاديًا؟
وكأن حدودك يجب أن تُقاس بميزانهم لا بإحساسك.
“كنتُ أظن أنني أتحمل، لكنني كنت أتحلل.”سيلفيا بلاث، الناقوس الزجاجي .
كل مرة تصمت فيها وأنت منزعج، تخسر شيئًا منك.
وكل مرة تبتسم وأنت تختنق، تمنحهم سلطة لا يدرون أنهم يملكونها.
ومع الوقت، تتغير.
تصبح أكثر ترددًا، أكثر نفورًا، أكثر حذرًا من تفاصيل صغيرة، لا لشيء… سوى أنك تعبت من تبرير نفسك.
في رواية مدام بوفاري، لم تكن إيما ضحية رجل واحد، بل ضحية التراكم الصامت للتجاهل والتوقعات والخذلان.
لم يقل لها أحد “اصمتي”، لكنهم جميعًا لم ينصتوا.
ومضت في طريقها، تملأ الفراغ بما لا يشبع، حتى ضاعت منها ذاتها.
وهكذا يحدث مع كثيرين:
لا لأن الآخر شرير، بل لأنه لا يرى.
لا يسمع.
ولا يفهم أن ما يبدو بسيطًا… ينهكك.
“الأسوأ من أن تؤذيك يد أحدهم… هو أن تُقنع نفسك بأن الألم لا يستحق الانسحاب.”كارلوس زافون، ظل الريح. .
الوعي لا يكفي إذا لم يتحول إلى قرار.
من حقك أن ترسم حدودك بوضوح،
أن تقول: لا أرتاح لهذا.
أن تُعيد المسافة، حتى في أقرب العلاقات، لأن البُعد أحيانًا هو النجاة.
لا تعتذر عن حاجتك إلى الهدوء،
ولا تبرر رغبتك في حماية نفسك.
من يحبك حقًا، لا يُربكك.
ولا يُدخلك في صراع بين قلبك وحدسك.
احمِ صوتك الداخلي،
حتى لو لم يُسمعه أحد.
“كان هناك صراخ داخلي فيّ، لكنه كان محاصرًا خلف أسناني، لم يسمعه أحد… ولا حتى أنا كنت أجرؤ على الاستماع إليه.”
جيمس بالدوين، غرفة جيوفاني