أكد الناقد الأدبي والمؤلف والمترجم، ورئيس جائزة الأدب الأكثر انتشارًا الأستاذ الدكتور “سعد بن عبدالرحمن البازعي” أن وزارة الثقافة قبل خمسة أعوام أولدت فضاء ثقافي مختلف، فمنذ أواسط السبعينيات والحرك الثقافي والأدبي في المملكة يولد في مجمله داخل قاعات الأندية الأدبية، وكانت الثقافة تزدهر في قاعات أندية أدبية بعينها تحمل لواء الحراك الثقافي وتتيح الفرصة أمام الشباب ليتحدثوا ويلتقوا ويلقون الشعر والقصة وينشرون الكتب ويجرون الحوارات.
وأضاف الدكتور “البازعي” خلال مشاركته “الحراك الأدبي بين النادي والشريك” في رحلة “روافد الأدب” التي نظمها “مقهى دفعة 89” بعنوان “من الرياض إلى الأحساء” في أرض الحضارات مساء أمس الجمعة: وقد يجهل البعض دور الأندية الأدبية في تلك المرحلة الزمنية التي عرفت الجيل الأول من أدباء المملكة، ومن الصعب التعرف على ملامح الحياة الثقافية في المملكة دون التعرف على ما أسهمت به الأندية الأدبية على مدى خمسين عامًا في عهودًا استثنائية من الأدباء والمثقفين.
ولفت الدكتور “البازعي” النظر إلى دور الأندية الرياضية في الأحساء ودورها في الحراك الثقافي في تلك الحقبة الزمنية، مشيرًا إلى مشاركته مع شعراء آخرون في أمسية شعرية بنادي هجر في أواخر الثمانينيات، مؤكدًا على مساهمة الأندية الرياضية وجمعيات الثقافة والفنون بمرحلة السبعينات في دعم الحراك الثقافي على نحو لا نعرفه الآن، فقدم ملئت فراغًا في بعض المناطق لم تكن تملئه الأندية الثقافية.
وشبه دور الأندية الأدبية الكبير بالفضاء الثقافي في صورة مؤسسة ثابتة تحتوي على مكتبة وقاعة محاضرات، وهي دار نشر وإدارة، وعندما نتذكر هذه السمات سندرك الاختلاف بينها وبين ما يحدث الآن، فوزارة الثقافة شرعت في تحريك الحياة الثقافية عبر مبادرة ليست مبادرة مؤسسة يطلق عليها “الشريك الأدبي”، فنحن هنا لا نتحدث عن مؤسسات ثابتة وإنما نتحدث عن حراك ثقافي بالمعنى الذي تعنيه كلمة حراك، الحركة السائلة المتدفقة، حيث تنتشر الثقافة في أماكن لم تكن تصل إليها، وهذا ما يميز “الشريك الأدبي” عن النادي الأدبي.
فالنادي الأدبي لم يكن في استطاعته الوصول إلى مناطق لم تصلها الأنشطة الثقافية إلا في حدود ضيقة، حيث بدأ الأدباء يذهبون إلى جهات ليس فيها أندية أدبية ولا جمعيات ثقافية، وتعتبر ميزة كبرى للشريك الأدبي الذي حرك المقاهي وحولها إلى منابر ومنصات تثري الحياة الثقافية.
الدور الذي لعبه الشريك الأدبي لم يكن بإمكان الأندية الأدبية أن تلعبه، على الرغم من محاولة بعض الأندية كنادي جدة الأدبي في مد نشاطه إلى منطقة مكة المكرمة ولكن ذلك كان محدودًا، ومختلف عن ما يحدث ضمن مبادرة الشريك الأدبي.
نحن أمام فضائيين مختلفين من فضاءات الثقافة، فضاء يملك صلابة المؤسسة كالمبنى والمكان والإدارة والرئيس ومجلس الإدارة، والسيولة التي نراها في الشريك الأدبي في تدفقه في كل مكان وإتاحته الفرصة لأفراد من المجتمع لم يكونوا يومًا أعضاء في هذا الحراك، كأصحاب المقاهي الذين نشطوا وحول بعضهم مقهاه إلى دار نشر، كما حصل في دار رشم للنشر والتوزيع في عرعر، فهي مقهى ودار نشر ومكتبة.
وأشار الدكتور “البازعي” إلى فضاء ثقافي ثالث ولد مؤخرًا متمثل في الجمعيات، وهو فضاء مختلفة عن الشريك الأدبي وعن الأندية الأدبية، فجمعية الأدب المهنية التي يديرها رئيس ومجلس إدارة، ولديها أعضاء ومقر فيه تعددية وسيولة، لأنها تقيم أنشطتها في مناطق مختلفة في المملكة عبر سفرائها بدعم هيئة الأدب والنشر والترجمة، وهذه تعتبر فضاء ثقافي ثالث جمع ما بين سيولة الشريك الأدبي وصلابة وثبات المؤسسة في النادي الأدبي.
وأبان الدكتور “البازعي” أن “الشريك الأدبي” حتى الآن لا يزال في منطقة الشفاهية أكثر منه في منطقة الكتابة، حينما نتحدث عن محاضرات وندوات وأمسيات شعرية وقصصية، أما الأندية الأدبية فكانت تدعم الأدباء من خلال نشر الكتب والدواوين والروايات، وجاءت الجمعيات لتسير في هذه الاتجاه ولكن هل تستطيع الاستمرار في هذا النهج !
16 ناديًا أدبيًا كانت تثري الحياة الثقافية بالأعمال والأنشطة الأدبية وتقيم المؤتمرات على مستوى الوطن العربي، وكل نادي لديه ميزانية تقترب من المليون ريال، بينما الجمعيات والشريك الأدبي لا يتمتعان بهذا الدعم، مما يشكل غياب الأندية الأدبية التام نقص كبير في الحياة الثقافية، لذا نحن بحاجة إلى مؤسسة بديل عن النادي الأدبي فلا يمكن للشريك الأدبي أو الجمعيات الثقافية القيام بما تقوم به الأندية الأدبية.
الأندية الأدبية في حالة ضمور لأنها مطالبة بالتحول إلى جمعيات، وبعضها تحول إلى جمعية وأصبحت في وضع غريب، تحاول أن تتأقلم وتتكيف مع الوضع الجديد لكنها تواجه صعوبة في ذلك، داعيًا لإيجاد صيغة تستطيع من خلالها استعادة دور الأندية الأدبية.
وختم الدكتور “البازعي” حديثه قائلا: ما نعيشه اليوم مبهج، لكن هل يستطيع الشريك الأدبي والجمعيات الثقافية النهوض بدور الأندية الأدبية، هذا متروك للمستقبل.